ليس من الصحيح الحكم على خطايا الآخرين ، حيث يجب أن يكون الله هو الحكم النهائي. يجب أن نركز على إصلاح أنفسنا.
في القرآن الكريم، يتم تناول الحكم على الآخرين بجدية واهتمام بالغ، حيث يُعد هذا الموضوع من الأمور الأساسية التي يسلط الله تعالى عليها الضوء في عدة آيات كريمة. فالحكم على الناس ليس بالأمر الهيّن الذي يمكن لأي شخص أن يشرع فيه أو يعطي نفسه الحق في اتخاذ قرارات بشأن الآخرين، بل يُشير القرآن الكريم بوضوح إلى أن الحكم هو من اختصاص الله وحده، الذي هو العليم الحكيم، والذي يعرف ما تخفيه الصدور وما يقع في نفوس البشر. واحدة من الآيات الرئيسية التي تشير إلى هذه النقطة هي الآية 54 من سورة الرحمن، حيث يقول الله تعالى: "الرَّحْمَـٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)". من خلال هذه الآية، يُذكرنا الله بأن خلق البشر تم بحكمة وعلم بالغين، وهذا يعني أن الله وحده هو الذي يمتلك الحق في الحكم على الأفعال، سواء كانت خيرة أو شريرة. لذا، من الهام أن نُفكر مليًا قبل أن نصدر أحكامًا على تصرفات الآخرين. بينما نشدد على هذه الفكرة، نجد أنه من المهم أيضًا أن نأخذ في الاعتبار العدالة والإنصاف في أحكامنا كما هو واضح في الآية 11 من سورة الحشر. في هذه الآية، يُذكِر الله المؤمنين بأن الالتزام بالعدالة في الأحكام هو واجب مقدس. فالحكم العادل، الذي يستند إلى الحقائق والعدل، هو ما يُعتبر أمرًا مطلوبًا في الإسلام، ويأتي كجزء من أخلاق المسلمين ومن واجباتهم الدينية. تؤكد هذه الآية على ضرورة تجنب الأحكام المتسرعة وغير العادلة تجاه بعضنا البعض، حيث إن سرعة إصدار الأحكام قد تؤدي إلى سوء الفهم والظلم. ولهذا السبب، يتطلب الأمر منا تفكرًا عميقًا وحذرًا في كيفية تقييم أفعال الآخرين. فالأحكام المتعجلة يمكن أن تكون لها آثار سلبية كبيرة تسلب الأفراد حقوقهم وتؤذي المجتمعات. علاوة على ذلك، يعلمان القرآن الكريم أن عملية الحكم على الآخرين ليست مسألة بسيطة، بل يجب على الإنسان أولاً أن ينظر إلى نفسه وعثراته. في واقع الأمر، يشير الله تعالى في الآية 186 من سورة البقرة، حيث يقول: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ". تشير هذه الآية إلى أهمية التوجه إلى الله بصدق ونية صادقة قبل الحكم على الآخرين. الله هو العالم بنوايانا وأفعالنا، وبالتالي يجب علينا أن نكون واعين لذلك قبل أن نبدأ في الحكم على الآخرين. إن الله سبحانه وتعالى هو الوحيد القادر على معرفة خفايا النفوس، وبالتالي فإنه لا ينبغي لأي إنسان أن يتعجل في إصدار أحكام على الآخرين دون معرفة دقيقة بظروفهم ونياتهم. لذلك، من الأفضل أن نركز على تحسين أنفسنا ونواجه عيوبنا الخاصة قبل النظر إلى أخطاء الآخرين. إن التوجه للإصلاح الذاتي هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع متماسك وعادل. بهذا الصدد، يشدد القرآن الكريم على الروح الإنسانية المتعاطفة والمتسامحة. الهدف من هذه التعاليم هو مساعدة البشر بعضهم على التحسن والنمو، مما يعكس قيم التعاطف والرحمة. فالمؤمن الحقيقي هو من يسعى للقيام بالأعمال الجيدة sowohl لنفسه وللآخرين، ويعتبر نفسه جزءًا من المجتمع الذي يحتاج إلى بناء وشراكة وتعاون. على هذا المنوال، يجب أن تكون نوايا الناس تجاه بعضهم البعض قائمة على التسامح والتفهم. وفي النهاية، يمكن القول إن الحكم على الآخرين من وجهة نظر دينية وفكرية هو أمر يتطلب قدراً كبيراً من الحذر والتعقل. يجب أن نتذكر دائمًا أنه كما نرغب في أن يُحسن الآخرون تقييم أفعالنا، ينبغي علينا أن نُظهر نفس المعاملة لهم. لذا، فإن دعوة القرآن الكريم تدعونا للتعقل ولتروٍّ في أحكامنا وللبحث عن العدالة، فضلاً عن التركيز على تحسين أنفسنا قبل أن نفكر في الحكم على الآخرين. إن كنت ترغب في نشر الرحمة والمحبة في مجتمعك، فعليك ببناء جسر من التفهم والتعاطف من خلال رؤيتك لأخطاءك ومن ثم توجهك للإصلاح الذاتي، مما يجعل منك إنسانًا أفضل وأكثر صلاحًا في نظر الله والمجتمع.
قصة من سعدي: ذات يوم ، بينما كان سفر سعدي ، واجه بعض الأشخاص الذين كانوا مشغولين بالحكم على خطايا الآخرين. حثهم على التركيز على أنفسهم بدلاً من الحكم والتعرف على خطاياهم. استمع الناس إليه بدهشة وفي النهاية قرروا العمل على تحسين أنفسهم.