نعم، يُدان الحسد على نجاح الآخرين صراحةً في القرآن الكريم ويُعدّ خطيئة، لأنه يدل على عدم الرضا بالمشيئة الإلهية ويضر بالروح والعلاقات الإنسانية. بدلاً من ذلك، يوصي القرآن بالشكر والقناعة والمنافسة الصحية لكي يحقق الإنسان السكينة والسعادة.
في تعاليم القرآن الكريم السامية والمُنيرة، يُدان مفهوم الحسد بشكل لا لبس فيه باعتباره من الصفات السلبية والمُدمّرة للنفس البشرية والعقل، وكذلك للعلاقات الاجتماعية. ينظر القرآن، بعمق بصيرته في الوجود البشري وتأثير النوايا والأفعال على السعادة الدنيوية والأخروية، إلى الحسد ليس فقط على أنه رذيلة أخلاقية، بل كفعل مذموم يمكن أن يحرف الإنسان عن مرضاة الله. ينبع الحسد بطبيعته من عدم الرضا بالقضاء الإلهي والنعم التي أنعم الله بها على الآخرين. عندما يحسد الفرد نجاح الآخرين أو ممتلكاتهم، فإنه في جوهره يحتج على حكمة الله وعدله في توزيع الرزق والبركات والمكانة بين الناس وفقًا لخطته الإلهية. تمنع هذه النظرة الأفراد من الشكر على نعمهم، وبدلاً من ذلك، تُركز عقولهم على ما يفتقرون إليه أو ما يمتلكه الآخرون، مما لا يؤدي إلا إلى القلق والحقد والمرارة. يُحذر القرآن الكريم المؤمنين من الابتعاد عن مثل هذه الصفات السلبية، وبدلاً من ذلك، التركيز على نموهم وتكاملهم، وعلى تقدم المجتمع. في سورة النساء، الآية 54، يقول الله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾. هذا الاستفهام الإنكاري يُعبر بوضوح عن استنكار الحسد، ويشير إلى أن الحسد ينبع من نقص الإيمان الكامل بالمشيئة الإلهية، وشعور كامن بالتفوق الذاتي. غالبًا ما يصاحب الحسد تمني زوال النعمة عن الآخرين، حتى لو لم يحصل الحاسد على تلك النعم بنفسه. هذا التمني الخبيث لا يضر الآخرين فحسب، بل الأهم من ذلك، أنه يُلوث روح وقلب الشخص الحاسد، ويحرمه من السلام الداخلي والسكينة. من أهم الطرق لمكافحة الحسد هو التركيز على النعم العديدة التي يمتلكها الفرد والشكر عليها. يؤكد القرآن باستمرار على الشكر، معتبرًا إياه وسيلة لزيادة البركات الإلهية. في سورة إبراهيم، الآية 7، يُذكر: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾. يُغير الشكر منظور الإنسان من النقص إلى الوجود، ويُطهر القلب من الحقد والحسد. علاوة على ذلك، الدعاء لنجاح الآخرين وتمني الخير لهم هو وسيلة فعالة لاستئصال بذور الحسد من القلب. عندما يتمنى الإنسان الخير للآخرين بصدق، فإنه يُحرر نفسه من الأفكار السلبية، وفي جوهره، يجذب الخير لنفسه أيضًا. في سورة الفلق، الآية 5، يأمر الله تعالى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يستعيذ به من شر الحاسد إذا حسد: ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾. تُشير هذه الآية بوضوح إلى أن الحسد ليس مجرد مرض روحي فحسب، بل يحمل في طياته شرًا وضررًا يجب على الإنسان أن يلجأ إلى الله للتحصن منه. يمكن أن يشمل هذا الشر الأذى العملي الذي قد يلحقه الحاسد بالآخر، وكذلك الشر الداخلي الذي يُفسد روح الحاسد. لذلك، فإن الحسد على نجاح الآخرين لا يُعتبر خطيئة فحسب، بل هو علة روحية، إذا تُركت دون علاج، يمكن أن تؤدي إلى الاستياء والعداوة وحتى الأعمال العدائية. يعيش الشخص الحاسد في عذاب دائم، لأن نجاح أي شخص آخر يبدو له وكأنه لسعة تؤذي روحه. بدلاً من الحسد، يؤكد القرآن الكريم على المنافسة الصحية والسعي لاكتساب الفضائل والأعمال الصالحة. المنافسة في الخيرات والمسارعة في البر (الاستباق إلى الخيرات) أمر محمود ومُشجع عليه في عدة آيات. هذا النوع من المنافسة ليس بناءً فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى تقدم الفرد والمجتمع. يكمن الفرق الجوهري بين الحسد (hasad) والغبطة (التي تُسمى أحيانًا الحسد الإيجابي أو التنافس) في هذه النقطة بالضبط: الحسد هو تمني زوال نعم الآخرين، بينما الغبطة هي الرغبة في امتلاك نعمة مماثلة لما يمتلكه الآخر، دون تمني زوالها عن صاحبها الأصلي. الغبطة ليست مذمومة في الإسلام ويمكن أن تكون دافعًا قويًا لمزيد من الجهد. وهكذا، فإن التعاليم القرآنية لا تعتبر الحسد خطيئة ومذمومة فحسب، بل تُحدد بوضوح طرق مكافحته وتحويله إلى صفات إيجابية مثل الشكر، والقناعة، والإحسان، والمنافسة البناءة، لكي يحقق الإنسان السعادة الحقيقية ويظل في مأمن من الأضرار الداخلية والخارجية للحسد. تُقدم هذه التعاليم خريطة طريق لامتلاك قلب نقي، وروح هادئة، وحضور فعال ومفيد في المجتمع. في النهاية، الحسد لا يعيق النمو الشخصي والروحي فحسب، بل يدمر العلاقات الإنسانية أيضًا. لا يمكن للشخص الحاسد أن يكون صديقًا أو رفيقًا جيدًا، لأنه ينشغل باستمرار بنجاحات الآخرين ومقارنة نفسه بهم. هذه المقارنة غير الصحية تباعده عن مباهج الحياة وإحساس الرضا. يُشجع القرآن الكريم الإنسان على التأمل في ذاته، والتركيز على إصلاح النفس، والامتناع عن النظر إلى إنجازات وممتلكات الآخرين. فلكل فرد رزقه وقدره الخاص، ومقارنة الذات بالآخرين لا تؤدي إلا إلى الشعور بالحرمان وعدم الرضا. يعلمنا الإسلام أن نركز على ما لدينا بدلاً من التلهف على ما نفتقده، وأن نسعى نحو النمو والكمال بالجهد والتوكل على الله. هذا المنظور لا يستأصل الحسد فحسب، بل يفتح أبوابًا من السلام والبركة في حياة الإنسان.
في قديم الزمان، كان هناك تاجر ثري يمتلك الكثير من الأموال، لكنه كان دائمًا يعيش في عذاب بسبب حال جاره الذي كان يمتلك أقل منه ولكنه كان يتمتع بقلب سعيد ومليء بالقناعة. كلما رأى جاره سعيدًا وراضيًا بما رزقه الله، كان قلبه يتألم ويتمنى لو أن جاره لا يملك هذا السلام. يقول سعدي بلسانه العذب: "إذا لم تكن هناك قناعة، فالعالم كله فناء لك." هذا التاجر، بدلاً من الاستمتاع بما لديه، استعبد نفسه بقيود الحسد، مما جعل حلاوة الحياة مرة عليه. وحكايتنا هذه تُظهر أن القلب الهادئ هو الذي لا يطيل النظر بحسد إلى ما في أيدي الآخرين، بل يشكر على ما يملك. فالسعادة الحقيقية تكمن في القناعة والرضا، لا في امتلاك المزيد والنظر إلى الآخرين.