نعم، إن نداء الضمير، الذي يُفسر في القرآن بمفاهيم مثل الفطرة والنفس اللوامة، متوافق أساسًا مع الأوامر الإلهية. هذا الصوت الداخلي هو أداة إلهية للتمييز بين الخير والشر، يتم تكميله وتصحيحه بنور الوحي الإلهي ليرشد الإنسان إلى الصراط المستقيم.
مفهوم «الضمير»، أو ذلك الصوت الداخلي الذي يوجه الإنسان نحو الخير والصلاح ويزجره عن الشر، له جذور عميقة وثابتة في التعاليم القرآنية والإسلامية. على الرغم من أن كلمة «ضمير» قد لا ترد صراحة في القرآن الكريم، إلا أن المفاهيم المرتبطة بها والمرادفة لها، مثل «الفطرة»، و«النفس اللوامة»، و«التقوى»، و«الهداية الإلهية»، قد تم التأكيد عليها بوضوح في الوحي الإلهي. هذه المفاهيم تظهر أن الله تعالى قد وضع أداة داخلية في كيان الإنسان تساعده في معرفة الحق والعمل به، وأن هذه الأداة متوافقة تماماً مع أوامره الإلهية. يشير القرآن الكريم إلى «الفطرة» التي هي الفطرة النقية الباحثة عن الله التي فطر الله عليها كل إنسان. في سورة الروم، الآية 30، نقرأ: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ». هذه الآية تشير إلى أن الإنسان يولد بفطرة تبحث عن الحق وتوحيدية. هذه الفطرة هي الأساس الأولي للضمير الأخلاقي الذي يدفع الإنسان نحو الخيرات ويجعله ينفر من السيئات. لذا، فإن نداء الفطرة والضمير هو في الأصل نداء الله وإرادته في كيان الإنسان، الذي يوجهه نحو الدين الذي أراده الله للبشرية. من المفاهيم الرئيسية الأخرى التي تقترب من «الضمير» هي «النفس اللوامة». في سورة القيامة، الآية 2، يقسم الله تعالى بالنفس اللوامة: «وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ». هذه النفس هي الضمير نفسه الذي يلوم الإنسان بعد ارتكاب الخطأ أو الذنب، ويجعله يشعر بالندم، ويدفعه إلى التوبة وتصحيح الخطأ. هذا الندم والشعور الداخلي بالذنب هو علامة على نشاط الضمير، وهذه اللوم ضرورية لعودة الإنسان إلى الصراط المستقيم وأوامر الله. النفس اللوامة، في الحقيقة، هي حارس داخلي يمنع الإنسان من الغفلة والضلال ويدعوه إلى طريق الله. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن بشدة على مفهوم «التقوى» (ورع الله وخشيته). التقوى حالة يرى فيها الإنسان نفسه باستمرار في حضرة الله وينظم أعماله وأفكاره وفقًا لرضا الله. الشخص الذي يتمتع بالتقوى يكون ضميره دائمًا يقظًا ونشطًا، ويدفعه نحو أداء الواجبات وترك المحرمات. التقوى، بطريقة ما، تصقل الضمير؛ فكلما زادت تقوى الإنسان، زاد عمل ضميره وضوحًا ودقة، ووجهه نحو ما يحبه الله. في الواقع، ترتبط التقوى والضمير ارتباطًا وثيقًا؛ فالتقوى تقوي الضمير، والضمير بدوره يدعو الإنسان إلى تقوى أكبر. يؤكد القرآن الكريم أن الله قد أعطى كل إنسان القدرة على معرفة الخير والشر. في سورة الشمس، الآيتين 7 و 8، نقرأ: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا». هذه الآيات توضح بجلاء أن الله تعالى قد وضع في فطر الإنسان قوة التمييز بين الخير والشر. هذه القوة التمييزية هي الضمير الأخلاقي الذي يمكّن الإنسان من التمييز بين الطريق الصحيح والخاطئ عند مواجهة مواقف مختلفة. هذا الإلهام الإلهي للنفس هو دليل قاطع على توافق نداء الضمير مع أوامر الله؛ لأن ما يُلهم من جانب الله لا يمكن أن يتعارض مع أوامره. ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن ضمير الإنسان، بمفرده، قد يتأثر بعوامل خارجية مثل التربية، والبيئة، والثقافة، والأهواء النفسية، وقد يقع في الخطأ. لهذا السبب، أرسل الله تعالى الكتب السماوية والأنبياء لهداية البشر، لتكملة وتصحيح نداء ضمير الإنسان. القرآن وسنة النبي هما المرشدان الخارجيان اللذان ينيران الضمير ويمنعانه من الانحراف. إذا تم تهذيب ضمير الإنسان بنور الوحي والتعاليم الدينية، فإن عمله سيكون أكثر دقة وموثوقية. في الواقع، يتحقق التوافق الكامل بين الضمير والأوامر الإلهية عندما يطابق الإنسان نداءه الداخلي بالإرشادات الإلهية الخارجية (القرآن والسنة) وينقيه. الخلاصة هي أن نداء الضمير، كأداة إلهية وداخلية للتمييز بين الخير والشر، ليس فقط متوافقًا مع أوامر الله، بل هو نفسه نابع من تلك الفطرة والإلهام الإلهي الذي وضعه الله في الإنسان. الاستماع إلى هذا النداء، في الواقع، هو استماع إلى جزء من الإرشادات الإلهية الداخلية. ولكن للتأكد من صحة هذا النداء وعدم انحرافه، يجب مقارنته بمعيار الوحي الإلهي (القرآن) وسيرة المعصومين (عليهم السلام). كلما كان إيمان الإنسان أقوى ومعرفته بالتعاليم الدينية أعمق، كلما كان ضميره أنقى وأوضح وأقرب إلى إرادة الله ورضاه، ويوجهه نحو الكمال والسعادة. لذلك، يمكن القول إن الضمير نور داخلي، ينير للإنسان الطريق الإلهي بنور الوحي.
في قديم الزمان، كان لرجل حكيم يدعى «حكيم» تلميذ اسمه «فريد» كان دائم البحث عن الحقيقة. ذهب فريد إلى حكيم وسأله: «يا أستاذي، كيف يمكنني أن أميز الطريق الصحيح من الخاطئ؟ أحيانًا يدعوني قلبي إلى أمر ما، ولكن عقلي يقول شيئًا آخر». ابتسم الحكيم وقال: «يا فريد، لقد وضع الله في كل إنسان مصباحًا يسمى الضمير. هذا المصباح يرشدك نحو الخير والحق، تمامًا كما تضيء الشمس الطريق للمبصرين. ولكن في بعض الأحيان، يتراكم غبار الدنيا ووساوس النفس على هذا المصباح ويخفت نوره. لكي يبقى نداء ضميرك نقيًا ومشرقًا، وليكون متناغمًا مع الأوامر الإلهية، يجب عليك أن تغسله بماء الحكمة وذكر الله، وبالعمل بما أمر الله به. فمتى دعاك نداء ضميرك إلى عمل صالح يتوافق أيضًا مع تعاليم القرآن وسنة الرسول، فاعلم أن هذا نداء الحق، واتبعه، فإن الله لا يريد إلا الخير وصلاح عباده». شعر فريد بالسكينة بعد سماع هذه الكلمات، وأدرك أنه لكي يكون لديه ضمير يقظ، يجب عليه دائمًا أن يبقي قلبه مضاءً بالنور الإلهي وأن يسير في طريق الحق.