التبرير للذنب، خاصة للتغطية عليه، هو نوع من خداع الذات لأنه يعيق المساءلة والتوبة الصادقة. يؤكد القرآن على المسؤولية الفردية، ودور الضمير، وعواقب إخفاء الحقيقة.
في تعاليم القرآن الكريم الغنية والعميقة، على الرغم من أن مصطلح "خداع الذات" بالمعنى النفسي الدقيق قد لا يُستخدم كثيرًا، إلا أن المفاهيم المرتبطة به ونتائج خداع المرء لنفسه فيما يتعلق بالذنوب قد تم توضيحها بوضوح. يدعو القرآن باستمرار الإنسان إلى الوعي الذاتي، والمساءلة، والصدق مع الذات ومع الخالق، وينهى عن أي سلوك يؤدي إلى إخفاء الحقيقة أو التهرب من مسؤولية الأفعال. يمكن اعتبار تقديم الأعذار للذنب، خاصة إذا كان ذلك بهدف التبرير أو التملص من عبء المسؤولية، مثالًا واضحًا على خداع الذات؛ لأن الفرد، بدلًا من مواجهة خطئه بصدق والسعي للتصحيح، يحاول إنكار أو تقليل فداحة ذلك الخطأ. يؤكد القرآن أن الإنسان سيكون شاهدًا على نفسه يوم القيامة، حتى لو قدم الأعذار والمبررات. هذا المفهوم يوضح جيدًا أن أعمق طبقات وجود الإنسان تدرك أفعاله، وأن أي محاولة لخداع هذا الوعي الداخلي ستكون عديمة الجدوى في النهاية. أحد أهم جوانب هذه المسألة هو طبيعة "النفس" أو الروح الإنسانية في المنظور القرآني. يتحدث القرآن عن ثلاثة أنواع من النفس: "النفس الأمارة بالسوء" التي تأمر بالشر، و"النفس اللوامة" التي تلوم وتوبخ الإنسان على أفعاله الخاطئة، و"النفس المطمئنة" التي بلغت السكينة والطمأنينة. عندما يقدم الفرد الأعذار لذنبه، فإنه في الواقع يكبت صوت "النفس اللوامة" ويسمح لـ"النفس الأمارة" بالسيطرة عليه. هذا القمع للضمير هو نوع من خداع الذات؛ لأن الفرد، بدلًا من الاستماع إلى النداء الداخلي الذي يدعوه إلى التوبة والإصلاح، يحاول إسكاته. هذه الحالة تمنع التوبة النصوح والعودة الحقيقية إلى الله. فالتوبة الحقيقية تستلزم الإقرار بالذنب، والندم، والعزم على عدم تكراره؛ وتقديم الأعذار يتنافى مع هذه الأركان الأساسية للتوبة. يتحدث القرآن بوضوح عن أولئك الذين تُزيَّن لهم أعمالهم السيئة (زُیِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ). يمكن أن يكون هذا "التزيين" من تدبير الشيطان أو نتيجة لسوء فهم الفرد وتبريراته الداخلية. مثل هذا الخداع الذاتي يبعد الشخص عن إدراك حقيقة أفعاله ويبقيه في حالة من الغفلة. عندما يرتكب الإنسان ذنبًا ويقدم له الأعذار، فإنه بدلًا من البحث عن جذور الذنب وإصلاح نفسه، يقع في حلقة مفرغة من التبرير والتكرار. هذه الدورة تعيق نموه الروحي والمعنوي. كما يشير القرآن إلى العديد من القصص التي حاول فيها الأفراد تبرير أفعالهم أو إلقاء اللوم على الآخرين أو على القدر. في قصة النبي آدم (عليه السلام) وحواء (عليها السلام)، بعد ارتكابهما الخطأ، اعترفا بذنبهما فورًا وطلبا المغفرة من الله (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). هذا المثال يقدم نموذجًا للصدق والمساءلة، وهو ما يتناقض مع تقديم الأعذار. من المنظور القرآني، الصدق والإخلاص (مع الله ومع النفس) هما من المبادئ الأساسية للإيمان. فتقديم الأعذار للذنب هو شكل من أشكال عدم الصدق الذي يؤدي في النهاية إلى النفاق الداخلي؛ على الرغم من أنه قد لا يصل إلى درجة النفاق العلني، إلا أن جذوره قد تكون متشابهة. فالشخص الذي يخدع نفسه ولا يقر بخطئه، يسد على نفسه طريق الهداية في الحقيقة. وتؤكد آيات عديدة هذه الحقيقة بأن كل نفس ستجازى بما كسبت، ولن تحمل نفس وزر أخرى. هذا المبدأ يؤكد المسؤولية الفردية ويجعل أي محاولة للتهرب منها عديمة الجدوى. فبدلاً من تقديم الأعذار، يدعو القرآن الإنسان إلى التوبة والاستغفار وإصلاح الأعمال. هذه هي المسارات التي تؤدي إلى تطهير الروح والاقتراب من الله. ختامًا، يمكن القول إنه على الرغم من أن القرآن لا يتحدث صراحة عن مصطلح "خداع الذات" فيما يتعلق بتقديم الأعذار للذنب، إلا أنه من خلال التركيز على المسؤولية الفردية، والصدق الداخلي، ودور الضمير (النفس اللوامة)، وعواقب تبرير الأعمال السيئة، يوضح بجلاء أن تقديم الأعذار المستمر للذنوب يشكل عقبة خطيرة أمام النمو الروحي، والتوبة الحقيقية، والخلاص. إنه، في جوهره، نوع من خداع الذات يبعد الإنسان عن حقيقة وجوده وعن الله. من خلال تقديم حلول مثل الوعي الذاتي، والاعتراف بالذنب، والتوبة، يمهد القرآن الطريق للتحرر من هذا الخداع الذاتي والوصول إلى السلام والطمأنينة القلبية.
يُروى أن رجلاً ورعًا، كان يبدو تقيًا جدًا، وكان الناس يثنون عليه لزهده وتقواه. ومع ذلك، في خلوته، كان أحيانًا يقع فريسة لإغراءات "النفس الأمارة بالسوء" ويرتكب خطأ. وفي كل مرة كان يذنب، كان يخترع عذرًا على الفور، وينسبه إلى القدر، أو الظروف الصعبة، أو حتى خطأ الآخرين. وبفعله هذا، كان يسكت ضميره ويفترض أنه بما أن لا أحد يعلم بخطئه، فلن يلحق به ضرر. ذات يوم، كان جالسًا في مجلس من العارفين حين تحدث أحدهم عن "النفس اللوامة" وقال: "طوبى لمن حاسب نفسه كل ليلة ولم يلتمس الأعذار، ففي يوم القيامة، يكون هو نفسه شاهدًا على نفسه." عندما سمع الرجل الورع هذا الكلام، ارتعدت فرائصه، وأدرك أخيرًا أنه لسنوات طويلة، كان يخدع ليس الآخرين فحسب، بل الأهم من ذلك، كان يخدع نفسه. ومنذ ذلك اليوم، توقف عن تقديم الأعذار. وبدلاً من تبرير ذنوبه، لجأ إلى الاستغفار والتصحيح، وأقبل بقلبه على الحق. أشرق قلبه، ووجد سلامًا لم يختبره من قبل قط، لأنه لم يعد بحاجة إلى إخفاء أي شيء عن نفسه.