عند مواجهة الأخبار السيئة، يوصي القرآن بالصبر والتوكل على الله والاستعانة بالصلاة وعدم اليأس. كما يؤكد على ضرورة التحقق من صحة الأخبار قبل نشرها.
في عالم اليوم المضطرب، حيث قد نواجه في أي لحظة موجة من الأخبار المزعجة وأحيانًا المؤلمة، تتعرض النفس والروح البشرية لأضرار جسيمة. يقدم القرآن الكريم، هذا الكتاب الهادي والنور، توجيهات عميقة وحكيمة لمواجهة مثل هذه الظروف، وهي لا تساعدنا فقط على الحفاظ على أنفسنا من الاضطرابات الروحية، بل توفر أيضًا فرصة للنمو والتقرب الإلهي. تستند هذه التعاليم على ركائز مثل الصبر، والتوكل، والتبين، والتذكير بالغاية من الخلق. أول وأهم توصية للقرآن عند مواجهة الأخبار السيئة هي اللجوء إلى «الصبر» و«الصلاة». في سورة البقرة، الآية 153، نقرأ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»؛ أي: «يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين». الصبر هنا لا يعني فقط التحمل السلبي، بل يشمل الثبات في مواجهة الصعوبات، وضبط النفس من ردود الفعل المتسرعة، والحفاظ على الهدوء الداخلي. عندما تصلنا أخبار سيئة، من الطبيعي أن يغمرنا القلق، لكن القرآن يعلمنا أن هذه اللحظات هي أفضل فرصة للعودة إلى القوة الإلهية المطلقة. الصلاة، عمود الدين ومعراج المؤمن، هي وسيلة للاتصال المباشر بخالق الوجود وطلب السكينة والقوة من مصدرها الذي لا ينضب. بالصلاة، يحرر الإنسان روحه من الفوضى ويصل إلى طمأنينة تحت رحمة الله لا يمكن لأي عاصفة أن تعكرها. يذكرنا القرآن أيضًا بأن جميع الأحداث، سواء كانت جيدة أو سيئة، هي جزء من الابتلاء الإلهي. في سورة البقرة، الآية 155، يقول تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِینَ»؛ «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين». هذه الآية تعلمنا أن الأخبار السيئة، والنقص، والمخاوف هي جزء من طريق الابتلاء الإلهي. والهدف من هذه الابتلاءات هو اختبار الإيمان، وتعزيز روح التوكل والصبر، ورفع الدرجات الروحية للإنسان. فهم هذه الحقيقة، أن كل مصيبة هي امتحان من الله، يمنح الإنسان منظورًا مختلفًا؛ منظورًا تعتبر فيه الصعوبات ليست نهاية الطريق، بل نقطة انطلاق نحو الكمال والقرب الإلهي. الذين يتحلون بالصبر في مواجهة هذه الابتلاءات، يمدحهم الله في الآيات اللاحقة (البقرة 156-157) ويرسل عليهم صلواته ورحمته، ويعتبرهم مهتدين. إن جملة «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ رَاجِعُونَ» التي ننطق بها عند المصيبة، ليست مجرد إقرار لفظي، بل تذكير عميق بحقيقة أننا وكل ما نملك، ملك له، وإلى هو مرجعنا. توصية قرآنية رئيسية أخرى هي عدم اليأس وفقدان الإيمان. في سورة آل عمران، الآية 139، نقرأ: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِینَ»؛ «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين». هذه الآية هي منارة أمل في ظلام اليأس. عندما تحيط بنا الأخبار السيئة، تأتي وسوسة اليأس والضعف. لكن القرآن يقوي قلوب المؤمنين، مؤكدًا أنهم بالاعتماد على إيمانهم، يمكنهم التغلب على أي حزن والحفاظ على مكانتهم العليا. هذا لا يعني إنكار الواقع، بل يعني قبول الواقع بنظرة إلهية وإيمان عميق بقوة الله وحكمته. علاوة على ذلك، يؤكد القرآن على أهمية «التبين» و«التحقيق» عند مواجهة الأخبار. في سورة الحجرات، الآية 6، ورد: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَن تُصِیبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ»؛ «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين». تشير هذه الآية بشكل خاص إلى الأخبار التي قد تنشأ من مصادر غير موثوقة أو مغرضة. في عصر المعلومات الحالي حيث تنتشر الأخبار الكاذبة بسرعة، تصبح هذه النصيحة القرآنية ذات أهمية مضاعفة. قبل أي رد فعل أو نشر للخبر، يجب علينا التحقق من صحته. هذا لا يمنع فقط الأضرار الاجتماعية، بل يساعدنا أيضًا على الحفاظ على هدوئنا وعقلانيتنا عند مواجهة الأخبار، ويحمينا من القلق غير الضروري الناتج عن الشائعات والمعلومات الخاطئة. أخيرًا، يعلمنا القرآن أن نتوكل دائمًا على الله. التوكل، أبعد من مجرد الأمل، يعني الثقة الكاملة في التدبير الإلهي. عندما نسمع أخبارًا سيئة، يمنحنا هذا التوكل الطمأنينة بأن لا شيء خفي عن الله، وأنه يعلم الخير لنا أفضل من أي شخص آخر، حتى لو بدا الحدث مريرًا في الظاهر. في سورة الطلاق، الآية 3، نقرأ: «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ»؛ «ومن يتوكل على الله فهو حسبه». هذه الكلمة النورانية هي وثيقة تأمين إلهية للقلوب القلقة. باختصار، القرآن في مواجهة الأخبار السيئة، هو دليل شامل يدعونا إلى الصبر، والصلاة، والتوكل، وعدم اليأس، والتحقيق. هذه التعاليم ليست مجرد أدوات لإدارة الأزمات الروحية، بل هي طريق للنمو الروحي والوصول إلى الطمأنينة الدائمة في نور الحكمة والرحمة الإلهية. بتطبيق هذه التوصيات، يمكننا أن نمتلك قلوبًا هادئة وأرواحًا مطمئنة في عالم مليء بالتحديات.
يُحكى أن رجلاً كان يعبر الصحراء، يعاني من العطش والإرهاق الشديدين. وفجأة، جاءه الخبر بأن هناك بئرًا قريبًا، لكن ماءه مالح ومر. حزن الرجل، ولكن بدلًا من اليأس، فكر في نفسه: «ربما هذا البئر، بمرارة مائه، سيعلمني قيمة الماء العذب وينقذني من الهلاك». متوكلًا على الله، اتجه نحو البئر. وهناك، رأى جماعة قد هلكت بسبب العطش. شرب الرجل من ذلك الماء المالح واستعاد قوته. لقد قاده هذا الخبر المرير إلى بئر أنقذ حياته وجعله يدرك الحكمة الإلهية الخفية. أدرك أن كل خبر، حتى لو بدا سيئًا، قد يحمل لطفًا خفيًا ودرسًا عظيمًا يتجلى بالصبر والتوكل.