يؤكد القرآن الكريم على أهمية الجهد والمسؤولية والتعاون الاجتماعي، ويدين بشدة الكسل وعدم تحمل المسؤولية، لما يراهما من عوائق أمام التقدم الفردي والمجتمعي ومناقضين لروح التعاليم الإسلامية.
القرآن الكريم، كلام الله وهديه الشامل للبشرية، يتناول جميع جوانب حياة الإنسان، بما في ذلك القضايا الفردية والاجتماعية، بمنظور عميق ومسؤول. وفيما يتعلق بالكسل الاجتماعي وعدم تحمل المسؤولية، توجد آيات عديدة تدين هذه الصفات غير المرغوبة صراحة أو ضمنًا، وتدعو الإنسان بدلاً من ذلك إلى الجهد والمسؤولية والتعاون والنشاط في سبيل الخير والصلاح. من منظور القرآن، الحياة الدنيا هي ميدان العمل والامتحان، وكل إنسان يُجازى بقدر سعيه، وهذا الجزاء لا يظهر في الآخرة فحسب، بل يتجلى في الحياة الدنيا أيضاً. إن جوهر التعاليم الإسلامية يقوم على الحركة والديناميكية والبناء، ويرفض الركود والجمود ويعتبره عاملاً للخسارة والضرر. أحد المبادئ الأساسية التي يؤكد عليها القرآن هو مبدأ "الجهد" و"السعي". يأمر القرآن الإنسان مراراً وتكراراً بأن يسعى لتحقيق أهدافه، سواء كانت مادية أو روحية، ويؤكد أنه لا شيء يتحقق دون عناء وجهد. الآية الشهيرة من سورة النجم، الآية ٣٩، تنص صراحة: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ"؛ أي: "وأنه ليس للإنسان إلا ما سعى". هذه الآية ترسي أساس فلسفة العمل والاجد في الإسلام. وهذا يعني أن النتائج والإنجازات في حياة كل فرد تعتمد مباشرة على مستوى سعيه واجتهاده. حتى فضل الله ورزقه المذكور في القرآن، غالباً ما يتحقق في ظل جهد الإنسان ونشاطه. فالكسل، إذن، هو تخلٍ عن هذا الواجب الإلهي المنوط بالإنسان، ويؤدي إلى حرمانه من ثمار الدنيا والآخرة. وقد جعل الله تعالى الأرض ميداناً للنشاط ومصدراً للرزق، ويطلب من الإنسان أن يكون نشيطاً فيها ويستفيد من خيراتها. في سورة الملك، الآية ١٥، يقول: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"؛ "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا، فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه، وإليه النشور". هذه الآية دعوة صريحة إلى الحركة والسفر والجهد لكسب الرزق الحلال، وتضع الكسل في تناقض واضح مع هذا الأمر الإلهي وهدف الخلق. الإسلام يدين بشدة التسول والاتكال على المجتمع، ويدعو المسلمين إلى الكرامة الذاتية والاستقلال المالي من خلال العمل والجهد الحلال. المسؤولية أيضاً هي من الأركان الأساسية للتعاليم القرآنية، وهي تتناقض بشدة مع مفهوم الكسل الاجتماعي. فكل إنسان مسؤول ومحاسب عن أفعاله، وعن أسرته، ومجتمعه، وحتى بيئته. يؤكد القرآن الكريم في آيات متعددة على مبدأ "المسؤولية الفردية"، ويقول: "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر: ٣٨)؛ "كل نفس بما كسبت مرهونة". وفي موضع آخر: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ" (الأنعام: ١٦٤ وفاطر: ١٨)؛ أي: "ولا تحمل نفس حاملة وزر أخرى". هذا يعني أن كل فرد يجب أن يتحمل مسؤولية قراراته وأفعاله، وأن يمتنع عن أن يكون عبئاً على الآخرين أو أن يكون غير مبالٍ بقضايا المجتمع. عدم تحمل المسؤولية الاجتماعية هو نوع من التهرب من هذه الأمانة الإلهية التي وضعها الله على عاتق الإنسان. الإنسان خليفة الله في الأرض، وهذه الخلافة تستلزم مسؤوليات جسيمة في إعمار الأرض، وإقامة العدل، وإصلاح الأمور. الكسل الاجتماعي يعني التهرب من هذه المسؤولية العظيمة والأمانة الإلهية التي تضر بالفرد والمجتمع. هذه المسؤولية لا تتجلى في المجال الفردي فحسب، بل في البعد الاجتماعي أيضاً؛ لأن الفرد المسلم يرى نفسه جزءاً من أمة واحدة مصيرها مرتبط بمصير المجتمع بأكمله. يؤكد القرآن أيضاً بشدة على "التعاون" في أمور الخير والصلاح. سورة المائدة، الآية ٢، تقول: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"؛ "وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". هذه الآية ترسي أساس المجتمع الإسلامي على مبدأ التعاون والتكافل في سبيل الحق والخير. فالشخص الكسول وغير المسؤول، لا يقوم بخطوة نحو الإعمار فحسب، بل بإلقاء العبء على المجتمع وعدم قيامه بواجباته، يخفف من أعباء الآخرين ويضر بروح التعاون. فالمجتمع الذي لا يكون أفراده مسؤولين، وكل فرد لا يفكر إلا في نفسه، سيعاني من الركود والظلم والفساد والتخلف. تزداد أهمية هذه المسألة في العصر الحديث الذي تواجه فيه المجتمعات تحديات معقدة. يجب على كل فرد أن يرى نفسه جزءاً من الكل وأن يلعب دوراً فعالاً في حل المشكلات وتقدم المجتمع. إن التخلف عن الواجب وعدم المشاركة، يعني تجاهل حقوق الآخرين وتبديد الموارد البشرية والمادية للمجتمع. جانب آخر من الكسل وعدم تحمل المسؤولية من منظور القرآن هو عدم الاستخدام الصحيح "للوقت" و"نعم الله". لقد أنعم الله على الإنسان بالعمر والمواهب والقدرات التي يجب استخدامها على أفضل وجه، وإهدار هذه النعم يعتبر كفراً. في سورة العصر، يقسم الله بالزمان، ويقول: "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"؛ "والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". هذه السورة القصيرة تدعو الإنسان بشدة إلى العمل، والعمل الصالح، والالتزام الاجتماعي. الكسل هنا يعني إضاعة الوقت والقدرات، مما يؤدي إلى الخسارة الأبدية. وعلى العكس، فإن استغلال الوقت والقدرات في سبيل الخير والصلاح هو عامل للخلاص. النتائج والآثار المترتبة على الكسل وعدم تحمل المسؤولية من منظور القرآن خطيرة جداً. فالمجتمع الذي ينتشر فيه التهاون والتقاعس، يخرج عن مسار التقدم ويعاني من الضعف والتدهور. القرآن يقول إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (الرعد: ١١). تشير هذه الآية إلى أن إصلاح المجتمع يبدأ أولاً بإصلاح الفرد وتغيير نظرته نحو الجهد والمسؤولية. الكسل يمنع الإنسان من أداء دوره الفعال في النظام الإلهي للخلق، ويجعل الفرد لا يحرم نفسه من الخيرات فحسب، بل يضر بالمجتمع أيضاً دون قصد. عدم تحمل المسؤولية في أداء الواجبات الفردية والاجتماعية يمكن أن يؤدي إلى نشوء أزمات أخلاقية واقتصادية وحتى أمنية في المجتمع. ختاماً، يمكن القول إن القرآن الكريم يرى الإنسان كائناً نشيطاً، ديناميكياً ومسؤولاً، لا يجب أن يفكر فقط في سعادته الأخروية، بل يجب أن يكون مجتهداً أيضاً في إعمار الدنيا، ورفاهية المجتمع، وتقدم البشرية. الكسل الاجتماعي وعدم تحمل المسؤولية يتنافيان مع الروح التوحيدية للإسلام؛ لأن التوحيد يعني السير في طريق رضا الله، ورضا الله يتجلى في الجهد، والبناء، وتحمل المسؤولية تجاه الذات والآخرين. هذه الصفات ليست ضارة للفرد فحسب، بل للمجتمع بأسره، وتمنع تحقيق المثل العليا القرآنية لمجتمع صالح ومتقدم. لذا، يدعو القرآن بلهجة حازمة ومشجعة، المؤمنين إلى الجدية في العمل، والالتزام بالواجبات، ولعب دور إيجابي في المجتمع، حتى يتم بناء مجتمع قائم على العدل والإحسان والتعاون؛ مجتمع يؤدي فيه كل فرد دوره ولا يحمل أعباء الآخرين.
في قديم الزمان، في مدينة مزدهرة، عاش جاران: أحدهما رجل يدعى "ساعي" (بمعنى: المجتهد)، الذي كان يعمل بجد في مزرعته من الفجر حتى الغسق، والآخر يدعى "كاهل" (بمعنى: الكسول)، الذي كان دائماً ينتظر رزقاً بلا جهد ويقضي وقته في البطالة. كان الكسول يشكو باستمرار من ضيق رزقه وسوء حظه، بينما كانت ثروة الساعي تزداد يوماً بعد يوم. ذات يوم، قال الكسول للساعي: "يا أخي، ما سرك أنت الذي تتنزل عليك البركات من السماء، بينما أنا، مع كل دعواتي وآمالي، لا أملك شيئاً سوى الحسرة؟" ابتسم الساعي وقال: "يا صديقي، تلك البركة التي تأتي من السماء هي مطر الرحمة الإلهية، يسقط بالتساوي على الأرض الجافة والمزروعة. لكن أرضي قد أُعمرت بالماء وزرعت فيها البذور، بينما أرضك بقيت بوراً وتتوقع أن تحصد منها محصولاً؟ اعلم أن الحصاد بلا زرع مستحيل، والرزق يأتي بعد الجهد. فالله يرزق كل من يسعى في أرضه ويعمل بيده، لا من يجلس في بيته ويرفع بصره إلى السماء." تأمل الكسول كلام الساعي وأدرك أن سر النجاح يكمن في الجهد وتحمل المسؤولية، لا في الانتظار.