لماذا أخاف من السعادة؟

قد ينبع الخوف من السعادة من فهم طبيعة الدنيا الزائلة، أو الخوف من فقدان النعم، أو عدم كفاية التوكل على الله. يقدم القرآن، بتأكيده على الشكر والتوكل على الله وإيجاد السلام في ذكره، طريقًا للتغلب على هذا الخوف وتحقيق السعادة الحقيقية.

إجابة القرآن

لماذا أخاف من السعادة؟

إن الشعور بالخوف من السعادة، أو ما يسمى بـ "الخوف من الفرح" (Cherophobia)، هو تجربة إنسانية معقدة قد تبدو متناقضة للوهلة الأولى. كيف يمكن لشخص أن يخاف من شيء مرغوب وممتع بطبيعته؟ القرآن الكريم، وإن لم يذكر "الخوف من الفرح" بشكل مباشر، إلا أنه يقدم رؤى عميقة حول طبيعة الوجود البشري، وتقلبات الحياة الدنيا، والمصدر الحقيقي للسلام والسعادة. هذه الرؤى يمكن أن توضح جذور هذا الخوف وتقترح طرقًا للتغلب عليه. غالبًا ما ينبع هذا الخوف من سوء فهم لطبيعة الدنيا، أو مؤقتة النعم، أو حتى القلق بشأن العواقب غير المقصودة للمسرات العابرة. يعلمنا القرآن أن كل من النعم والمصائب هما اختباران إلهيان، وأن الغرض من الحياة الدنيا هو الوصول إلى سلام ورضا أعمق يتجاوز الملذات الدنيوية الزائلة. أحد الأسباب التي قد تجعل الفرد يخاف من السعادة هو الإدراك الخاطئ لعدم استقرار ومؤقتة النعم الدنيوية. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الحياة الدنيا زائلة وكل ما فيها، بما في ذلك الأفراح والنعم، ليس دائمًا. في سورة الأنبياء، الآية 35، يقول الله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" (كل نفس ذائقة الموت؛ ونبلوكم بالشر والخير فتنة؛ وإلينا ترجعون). توضح هذه الآية بوضوح أن الخير والشر كلاهما وسيلة لاختبار الإنسان. ومن ثم، قد يخاف البعض من السعادة لأنهم يرونها مقدمة لمصيبة أو فقدان نعمة. هذا الخوف، بطريقة ما، يعكس وعيًا بالطبيعة الفانية لهذه الدنيا، ولكن إذا بلغ حد الإفراط، فإنه يمكن أن يمنع المرء من الاستمتاع بلحظات الحاضر ويجعل الحياة مريرة. يشجعنا القرآن على شكر النعم، وليس الخوف منها. سبب آخر يمكن أن يعود إلى عدم الثقة بوعود الله والقلق من المستقبل. يبحث الإنسان بطبيعته عن الأمان والاستقرار، وعندما يرى السعادة في أوجها، قد يقلق لا شعوريًا من التراجع الذي يليها. يمكن أن ينشأ هذا القلق من عدم اليقين بشأن دوام النعم أو الخوف من فقدانها. يقدم القرآن حلاً لهذا القلق من خلال التأكيد على مفهوم التوكل على الله. عندما يتوكل الإنسان على الله ويعلم أن جميع الأمور بيده، يمكنه مواجهة تقلبات الحياة براحة بال أكبر. يقول تعالى في سورة الرعد، الآية 28: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله؛ ألا بذكر الله تطمئن القلوب). تبين هذه الآية أن الطمأنينة الحقيقية ليست في غياب المشاكل أو الدوام المطلق للأفراح الدنيوية، بل في الاتصال القلبي بالله وذكره. ذكر الله يزيل الخوف من المستقبل والقلق بشأن فقدان السعادة، لأن الإنسان يعلم أن خيره دائمًا في يد الله، وهو خير المخططين. بالإضافة إلى ذلك، قد ينشأ الخوف من السعادة من الشعور بالذنب أو عدم الاستحقاق. أحيانًا، يشعر الأفراد بسبب تجارب سابقة أنهم لا يستحقون السعادة أو أن السعادة المفرطة قد تحرفهم عن طريق الحق. يعلمنا القرآن أن رحمة الله واسعة، وأنه يقبل توبة عباده وعودتهم. كما أن نعم الله لا تحصى وتُمنح لجميع العباد، سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين. لذلك، يجب ألا يمنع الشعور بالذنب من الشكر والاستمتاع بالنعم الحلال. الأفراح الحلال والطاهرة هي نفسها نعم يجب الشكر عليها واستخدامها في سبيل عبادة الله. السعادة الحقيقية، عندما تقترن بالشكر، تقرب المرء من الخالق. أخيرًا، يذكرنا القرآن أن السعادة الحقيقية والدائمة هي في الآخرة، وليس في الملذات المؤقتة للدنيا. يقول تعالى في سورة الأعلى، الآيتين 16 و 17: "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى" (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى). تجعل هذه النظرة الإنسان لا يتعلق بالأفراح الدنيوية ويستخدمها كوسيلة لتحقيق هدف أكبر، وهو رضا الله والسعادة الأخروية. قد ينبع الخوف من السعادة الدنيوية من هذا الفهم اللاوعي بأن هذه الأفراح فانية ولا ينبغي أن يكون التركيز عليها بالكامل. ولكن هذا لا يعني أنه يجب تجنبها، بل يجب الاستفادة منها باعتدال وشكر. وفي الوقت نفسه، يجب ربط القلب بما هو دائم وباقٍ، أي ذكر الله والعمل الصالح. بهذا النهج، يمكن قبول الأفراح الدنيوية والاستمتاع بها، دون أن يؤدي الخوف من فقدانها أو عواقبها غير المقصودة إلى إزعاج سلام الإنسان. إن قبول أن الحياة الدنيا ممزوجة بالتقلبات والاعتماد الكامل على الله، يمكن أن يحول هذا الخوف إلى طمأنينة ويقين.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في بستان سعدي أن ملكًا كان سعيدًا جدًا بسلطانه وثروته، ولكن ذات يوم خسر معركة وهرب لإنقاذ حياته. وصل إلى كوخ متواضع حيث يعيش راعٍ. لم يعرف الراعي ضيفه، ولكنه شاركه خبزه وماءه ببساطة وكرم، وتحدث عن هدوئه وقناعته. أدرك الملك، الذي كان قد تجرد من عظمته ومكانته، في تلك اللحظة البسيطة والصادقة أن السعادة الحقيقية لا تكمن في السلطة والمال، بل في سلام القلب والتسليم للقضاء الإلهي. لقد فهم أن التعلق بأفراح الدنيا الزائلة هو نفسه مصدر الخوف من فقدانها، ولكن السلام الحقيقي الذي يأتي من ذكر الله هو دائم وثابت، ويحرره من قيود المخاوف.

الأسئلة ذات الصلة