لماذا تُنسى بعض الأعمال الصالحة بسرعة؟

تُنسى الأعمال الصالحة بسرعة غالباً بسبب طبيعة الإنسان الجحودة والنسيان، وأيضاً بسبب الطبيعة الزائلة للمكافآت الدنيوية. لكن من منظور قرآني، الأهم هو إخلاص النية لله، لأن الجزاء الإلهي أبدي ولا ينسى أبداً.

إجابة القرآن

لماذا تُنسى بعض الأعمال الصالحة بسرعة؟

يطرح سؤال "لماذا تُنسى بعض الأعمال الصالحة بسرعة؟" جانبًا عميقًا ومؤثرًا من التجربة الإنسانية، وهو النسيان السريع لأعمال الخير. فهم هذه الظاهرة من منظور القرآن الكريم يتطلب التأمل في طبيعة الإنسان، وهدف الأعمال الصالحة، ومكانة الجزاء الحقيقي. لا يوجد في القرآن آية صريحة تقول "الأعمال الصالحة تُنسى"، ولكن القرآن يقدم مفاهيم تسلط الضوء على هذه الظاهرة وتقدم إجابة شاملة. هذا الجواب لا يتناول فقط سبب حدوث ذلك، بل يقدم أيضًا حلولًا قرآنية للتعامل مع هذه الحقيقة والحفاظ على القيمة الحقيقية للأعمال الصالحة. أحد الأسباب الرئيسية التي يشير إليها القرآن هو "النقص والنسيان المتأصل في طبيعة الإنسان". فالإنسان كائن يتأثر بالظروف المحيطة والمشاعر اللحظية، وقد تعمل ذاكرته بشكل انتقائي. يشير القرآن مراراً إلى أن الإنسان عجول (سورة الإسراء، الآية 11)، وجحود (سورة إبراهيم، الآية 34)، وعندما يكون في راحة، ينسى النعم الماضية والصعوبات التي مر بها (سورة يونس، الآية 12؛ سورة النحل، الآيات 53-54). هذا النسيان لا يقتصر على الألطاف الإلهية فحسب، بل يمكن أن يشمل أيضاً أعمال الخير التي تلقاها من الآخرين. النفس البشرية تميل إلى المصلحة الذاتية، وأحياناً، بعد قضاء الحاجة أو مرور الوقت، لم تعد تلك الحسنة التي قدمت له أولوية في ذهنه. تعود هذه السمات النفسية للإنسان إلى ضعف النفس، وعدم استقرار العواطف، والتعلق بالدنيا. بسبب الانشغالات العديدة في الحياة، والضغوط اليومية، والميل إلى التركيز على الاحتياجات الحالية، قد يغفل الإنسان بسهولة عن تذكر الخير السابق أو يقلل من قيمته. وتتضح هذه المسألة بشكل خاص في المجتمعات التي تتسم بالتغيرات السريعة وتتقلب فيها القيم بسرعة. السبب الثاني والأكثر أهمية يكمن في "طبيعة الدنيا وجزائها الزائل". يؤكد القرآن باستمرار أن الحياة الدنيا فانية وزائلة، وأن ما عند الله باقٍ وخالد (سورة النحل، الآية 96). عندما يتم عمل خير من أجل منفعة دنيوية أو لكسب الثناء والتقدير من الناس، فمن المتوقع أن يدوم هذا الثناء والذكر. ولكن ثناء البشر، مثله مثل الدنيا نفسها، زائل ومتغير. قد يثني الناس عليك اليوم وينسوا إحسانك غداً بسبب ظروف أخرى أو أولويات مختلفة أو حتى تحولات طفيفة في العلاقات. لذلك، إذا كان الدافع الأساسي لعمل الخير هو أن يرى الناس ذلك ويتذكروه، فإن احتمالية خيبة الأمل والنسيان عالية جداً. يعلم القرآن المؤمنين أن يؤدوا أعمالهم بإخلاص ولرضا الله وحده (سورة الإنسان، الآيات 8-9). عندما يتم العمل بهذه النية الإلهية، فإن نسيان الناس له لا يقلل من جوهر العمل وجزائه، لأنه مسجل بدقة عند المولى عز وجل. وهذا المنظور يحرر الإنسان من الارتباط بالجزاءات الدنيوية الفانية ويمنحه سكينة دائمة. النقطة الثالثة الهامة تتعلق بـ "عدم الإخلاص في نية فاعل الخير أو وجود المن والأذى". في سورة البقرة، الآية 262، يقول الله صراحة: "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". تشير هذه الآية إلى أنه إذا رافق العمل الخيري منٌّ أو أذى، فإن قيمته الروحية تزول، بل يمكن أن يؤدي ذلك إلى أن لا يتذكره المتلقي أو ينفر منه. أحياناً، لا تُنسى الأعمال الصالحة بسبب جحود المتلقي، بل بسبب طريقة تقديمها أو توقعات فاعل الخير غير المبررة. فالشخص الذي يتوقع أن تظل حسناته في الذاكرة وأن يُمدح عليها باستمرار، يفتقر في الواقع إلى الإخلاص الكامل، وهذا التوقع يسبب إزعاجاً للمتلقي، وبالتالي عدم تذكر تلك الحسنة. وهذا الانغماس في النية يقلل من قيمة العمل وقد يضر بالعلاقة الإنسانية. العامل الرابع هو "تغير الأزمنة وأولويات الإنسان". بمرور الوقت، تتغير ظروف الحياة واحتياجات الأفراد. ما هو اليوم حاجة ملحة ويتم تقدير عمل الخير فيه بشكل كبير، قد لا يكون له أهمية غداً أو قد تحل محله احتياجات جديدة. يضطر العقل البشري، لمواصلة الحياة والتكيف مع التغيرات، إلى تصفية المعلومات الماضية وتحديد الأولويات. يؤدي هذا الترشيح الطبيعي أحياناً إلى نسيان بعض الأعمال الصالحة التي كانت ذات قيمة كبيرة في ذلك الوقت، ولكنها الآن أصبحت في ذيل الأولويات الجديدة. يدعونا القرآن إلى بصيرة حول الطبيعة المتغيرة للدنيا وعدم استقرارها، حتى لا نتعلق بها بشدة، بل نبحث عن الجزاء الحقيقي في مكان أكثر ديمومة. من منظور القرآن، الحل لهذه المشكلة يكمن في تغيير النظرة من الجزاء الدنيوي إلى الجزاء الأخروي. يؤكد الله في آيات متعددة أنه لا يضيع أجر المحسنين أبداً (سورة الكهف، الآية 30؛ سورة آل عمران، الآية 195). هذا يعني أنه حتى لو نسي جميع البشر إحسانك، فإن الله لن ينساه أبداً، وسيكافئك بأكمل وجه ممكن. يمنح هذا الاعتقاد راحة بال عظيمة لفاعل الخير ويخلصه من خيبة الأمل الناتجة عن نسيان الناس. لهذا السبب، يقوم المؤمن الحقيقي بأعماله الصالحة فقط لرضا الله، لأنه يعلم أن الجزاء الإلهي وحده هو الأبدي والكامل ولا ينسى أبداً. هذا المنظور يحرر المحسن من الاعتماد على ثناء وتقدير المخلوق ويرشده نحو الخالق، حيث القيمة الحقيقية لكل عمل لا تكمن في ذاكرة البشر، بل في مدى الإخلاص والقبول الإلهي. في الختام، فإن ظاهرة نسيان الأعمال الصالحة تمثل فرصة للنمو والارتقاء الروحي. إنها تذكرنا بأن الهدف من فعل الخير لا ينبغي أن يكون كسب الشهرة، أو انتظار الشكر، أو الحصول على مكافأة دنيوية. بل يجب أن يتم ذلك خالصاً لوجه الله وبنية صادقة. حينئذ، حتى لو نسي الناس أعمالنا الصالحة بسرعة، فلن نخسر شيئاً؛ لأن ذخرنا الأبدي محفوظ عند ربنا الرحيم. وهنا تتجلى قيمة الصبر، والإخلاص، والتوكل على الله. يعلم المؤمن أن كل ذرة من عمله الخيري مسجلة في السجل الإلهي وسترد إليه بأفضل صورة ممكنة يوم القيامة، دون أن ينسى منها شيء. هذا المنظور القرآني لا يجيب فقط على سؤال "لماذا تُنسى الأعمال الصالحة بسرعة؟"، بل يقدم أيضاً وسيلة للتعامل مع هذا الواقع وتحويله إلى أداة للارتقاء الروحي. إنه درس عظيم يعلمنا أن القيمة الحقيقية لأعمالنا تكمن في نقاء نيتنا، وليس في مدى تذكر وتقدير الآخرين. وهذه الطمأنينة الداخلية والرضا الباطني، هما في حد ذاتهما أعظم جزاء دنيوي للمحسن، لا يزولان أبدًا بنسيان الناس.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى في إحدى حكايات بستان سعدي أن ملكاً عادلاً حسن السيرة، كان يُعين الفقراء والمساكين كثيراً. في أحد الأيام، قال له أحد حاشيته: "أيها الملك، إحساناتك لا حصر لها، ولكني أرى أن الناس أحياناً بعد فترة لا يقدّرون هذه الحسنات بل ينسون من ساعدهم." ابتسم الملك وقال: "أيها الفاضل، لو كانت نيتنا من المساعدة هي كسب ذكر الناس وثنائهم، لكان يجب أن نكون حزانى الآن. ولكننا نفعل ذلك لرضا الله وراحة عباده. فذكر الناس كالمياه الجارية يمر بسرعة، أما ذكر الله فهو الذي يسجل في سجل الأبدية ولا ينسى أبداً. ما كان لله فهو دائم وثابت، وما كان للخلق فإنه كقطرة الندى على ورقة الورد، يزول بسرعة." يوضح قول الملك هذا أن القيمة الحقيقية للأعمال الصالحة لا تكمن في ذاكرة البشر، بل في النية الصادقة والجزاء الإلهي.

الأسئلة ذات الصلة