اللامبالاة تنبع من ضعف الإيمان، وحب الدنيا، وقسوة القلب. يؤكد القرآن على الشفقة ومساعدة الآخرين كعلامة على الإيمان الحقيقي.
من منظور القرآن الكريم، لا يعتبر اللامبالاة بألم ومعاناة الآخرين حالة طبيعية، بل هي مرض روحي ومعنوي له جذور عميقة في ضعف الإيمان، والتعلق المفرط بالدنيا، وقسوة القلب. لا يتناول القرآن مباشرة الجوانب النفسية لللامبالاة، ولكنه يوضح بجلاء العوامل التي تبعد الإنسان عن طريق الشفقة والتعاطف، ويقدم حلولاً للعودة إلى الفطرة الإلهية. غالباً ما تكون هذه اللامبالاة نتيجة الابتعاد عن القيم الإلهية والإنسانية الأصيلة التي يؤكد عليها الإسلام بقوة. أحد أهم أسباب اللامبالاة هو ضعف الإيمان وتضاؤل الاتصال بالخالق. فعندما يغفل قلب الإنسان عن ذكر الله ويضعف اتصاله بمصدر الوجود، تخفت جذوة الشفقة والرحمة في كيانه. الإيمان الحقيقي يقود الإنسان إلى فهم أن جميع الكائنات، وخاصة البشر، هم خلق لخالق واحد، وأن معاناة عضو واحد من جسد المجتمع الإنساني هي في الواقع معاناة للجسد كله. يدعو القرآن الكريم المؤمنين إلى الأخوة والتضامن، وهذا يعني أن كل فرد يتحمل مسؤولية تجاه الآخر. إذا ضعف هذا الشعور بالأخوة والارتباط الإيماني، فإن اللامبالاة تحل محله. تؤكد العديد من الآيات القرآنية على ضرورة مساعدة المحتاجين والأيتام والفقراء، ويعتبر عدم الالتزام بهذه الأوامر علامة على ضعف الإيمان. على سبيل المثال، في سورة الماعون، يُذم الذين يدفعون اليتيم بعنف ولا يحضون على إطعام المسكين، مما يشير إلى أن اللامبالاة تجاه المحتاجين من منظور القرآن هي نقص كبير. عامل آخر هو الحب المفرط للحياة الدنيا وجمع المال. يحذر القرآن من أن المال والأولاد يمكن أن يكونا فتنة، ولا ينبغي تفضيلهم على الله وطريقه. عندما يغرق الإنسان في الملذات الدنيوية ويسعى لجمع الثروة، يصبح نطاق اهتمامه محدودًا بمصالحه الشخصية. فهو لم يعد قادرًا على رؤية آلام ومعاناة الآخرين، أو حتى إذا رآها، فإنه يفضل تجاهلها للحفاظ على مصالحه الخاصة. يلقي الجشع والطمع حجابًا على بصيرة الإنسان ويحرمانه من إدراك الحقائق المريرة للحياة. في هذه الحالة، لا يصبح العطاء ومساعدة الآخرين أولوية فحسب، بل قد يُنظر إليهما على أنهما عائق أمام اكتساب المزيد. يمكن أن تؤدي هذه المسألة إلى قسوة القلب؛ وهي حالة يصبح فيها قلب الإنسان أقسى من الحجر، ولا يتغلغل فيه أي حب أو تعاطف. قسوة القلب هي في الواقع أحد الأسباب الرئيسية لللامبالاة. يتحدث القرآن الكريم عن قلوب صلبة لا تتأثر بالآيات الإلهية. الذنوب المتكررة، وتجاهل التحذيرات الإلهية، والإصرار على الخطأ، تجعل القلب قاسياً ومظلمًا تدريجياً. في هذه الحالة، لا يصبح الإنسان غير حساس لألم الآخرين فحسب، بل قد يستمتع بمعاناتهم أو يستغلها لتحقيق مكاسب شخصية. هذه القسوة تبعد الإنسان عن فطرته النقية وتحرمه من القدرة على التعاطف. آيات مثل "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة" (البقرة: 74) أو التحذير للمؤمنين من أن قلوبهم لا تصبح قاسية كقلوب السابقين (الحديد: 16)، تشير بوضوح إلى هذه الظاهرة. تلعب الأنانية والغطرسة أيضًا أدوارًا مهمة في اللامبالاة. يرى الشخص المتغطرس نفسه متفوقًا على الآخرين ويقلل من شأن معاناتهم. قد يعتقد أن مشاكل الآخرين هي نتيجة لأفعالهم الخاصة وأنه لا توجد حاجة لتدخله. يذم القرآن الكريم بشدة الغطرسة ويعتبر التواضع من سمات المؤمنين الحقيقيين. في مجتمع مؤمن مبني على التعاليم القرآنية، يكون جميع الأفراد كأعضاء جسد واحد، وألم جزء واحد هو ألم للكل. هذا الرابط والشعور بالمسؤولية المتبادلة لا يتركان مجالاً للأنانية واللامبالاة. على النقيض من هذه العوامل، يحدد القرآن علاج اللامبالاة في تقوية الإيمان، وذكر الله الدائم، وأداء الأعمال الصالحة، والتوبة والاستغفار. الشفقة والتعاطف هما من أبرز سمات المؤمن الحقيقي. الإنفاق، ومساعدة المحتاجين، ورعاية الأيتام والفقراء، ومساعدة المظلومين، هي من الأعمال التي يؤكد عليها القرآن بشدة، وأداؤها يلين قلب الإنسان ويرتقي به إلى قمة الإنسانية. هذه الأعمال لا تفيد المجتمع فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى النمو والتطور الروحي للفرد. كلما زاد عطاء الإنسان في سبيل الله ومساعدته للآخرين، أصبح قلبه أكثر إشراقًا واستعدادًا لاستقبال النور الإلهي، وازدهر إحساس التعاطف في كيانه. في النهاية، اللامبالاة تجاه ألم الآخرين هي علامة على الابتعاد عن الطريق الإلهي والإهمال للمسؤوليات الإنسانية، والتي حدد القرآن لها عواقب أخروية خطيرة. ولهذا، فإن الإسلام، بتأكيده على الأخلاق الاجتماعية والتعاطف، يدعو إلى مجتمع مبني على الرحمة والعدل لا يظل فيه أحد غير مبالٍ بمعاناة إخوانه من البشر.
يُروى أن في الأزمنة الغابرة، كان هناك تاجر ثري يعيش في مدينة، وكان يمر كل يوم بسوق مزدهر. في زاوية من ذلك السوق، كان يجلس رجل فقير ومريض، يرتجف من البرد والجوع. التاجر، وسط رفاهيته وحسابات أرباحه وخسائره، لم يُلقِ نظرة قط على ذلك الرجل، ولم يتأثر قلبه بحاله. في إحدى الليالي، رأى في المنام أنه تُرك وحيدًا في صحراء قاحلة، وكان العطش يفتك بروحه. مهما صرخ، لم يأتِ أحد لمساعدته، ورأى نفس الرجل الفقير من السوق يمر بجانبه بوعاء ماء، غير مبالٍ تمامًا. استيقظ التاجر مذعورًا، ومنذ ذلك اليوم، لم يمر أبدًا بأي معاناة بلامبالاة، واعتبر نفسه شريكًا في آلام الناس. أدرك أن السعادة الحقيقية تكمن في أن تكون عونًا للآخرين، لا أن تغفل عن آلامهم.