لماذا يكون بعض الناس الذين لا يؤمنون بالله ألطف من المتدينين؟

يؤكد القرآن أن الإيمان الحقيقي يترافق مع العمل الصالح واللطف، ويدين النفاق. اللطف صفة إنسانية فطرية يمكن أن تصدر من أي شخص، متدينًا كان أو غير متدين، لأن الله يقدر الأعمال الصالحة عالميًا.

إجابة القرآن

لماذا يكون بعض الناس الذين لا يؤمنون بالله ألطف من المتدينين؟

السؤال المطروح هو ملاحظة اجتماعية قد تُرى في مجتمعات مختلفة، وتعود جذورها إلى فهمنا لمفهومَي 'الإيمان' و'اللطف'. للإجابة على هذا السؤال من منظور القرآن الكريم، يجب علينا الخوض في مفاهيم أساسية مثل حقيقة الإيمان، وقيمة العمل الصالح، وذم النفاق. القرآن الكريم لا يقول مباشرة إن 'أشخاصاً لا يؤمنون بالله ألطف من المتدينين'، بل يقدم مبادئ يمكن أن تفسر سبب ظهور مثل هذه الملاحظات ويقدم إرشادات لفهم أعمق للعلاقة بين الإيمان والعمل. أولاً، القرآن لا يعتبر الإيمان مجرد ادعاء لفظي أو اعتقاد قلبي جاف. الإيمان الحقيقي في منظور القرآن هو قناعة عميقة تتجلى في أفعال الفرد وسلوكه. يجب أن يكون هذا الإيمان مرتبطاً بالعمل الصالح، والعدل، والإحسان، واللطف. في العديد من الآيات، يُذكر الإيمان (الإيمان بالله واليوم الآخر) إلى جانب العمل الصالح. هذا يشير إلى أنه في الإطار الفكري الإسلامي، الإيمان بدون عمل صالح ناقص، والعمل الذي لا يرتكز على نية إلهية وإيمان، وإن كان قد يكون مفيداً في الدنيا، فإن قيمته الأبدية مختلفة. يعلم القرآن أن معيار النجاة والنجاح عند الله هو الإيمان الصادق المصحوب بالأعمال الصالحة. لذا، إذا ادعى شخص التدين ولكن في ممارساته كان بعيداً عن اللطف والإنصاف والعدل، فقد ابتعد في الواقع عن المفهوم الحقيقي للإيمان الذي وضحه القرآن. التدين الحقيقي يظهر في خدمة الخلق، وتلبية احتياجات المحتاجين، والابتعاد عن الظلم والاضطهاد. ثانياً، يذم القرآن الكريم بشدة ظاهرة 'النفاق'. المنافق هو الشخص الذي يظهر نفسه كمؤمن ظاهرياً، ولكن في باطنه يفتقر إلى الإيمان، وأفعاله تتناقض مع أقواله. قد يقوم هؤلاء الأفراد بأعمال عبادية ظاهرياً ويطلقون على أنفسهم صفة المتدينين، ولكن في تعاملاتهم مع الآخرين، يفتقرون إلى الصفات الأخلاقية واللطف المتوقع من المؤمن الحقيقي. قد يلجأ هؤلاء الأفراد إلى الظهور بمظهر المتدينين لتحقيق أهداف دنيوية، مثل كسب السمعة أو المكانة الاجتماعية، ولكن في الواقع، روح التعاليم الدينية التي تؤكد على اللطف وحسن الخلق ليست جارية فيهم. القرآن يصف مصير المنافقين بأنه أسوأ المصائر، ويضعهم في الدركات السفلى من النار، لأنهم لم يكذبوا على الله فحسب، بل أضروا بصورة الدين من خلال أفعالهم. لذلك، إذا أظهر شخص يدعي التدين سلوكاً غير مرغوب فيه ويفتقر إلى اللطف، فإن هذا النقص يأتي من الفرد نفسه وليس من الدين. هذا الفرد هو في الحقيقة مثال على الإيمان السطحي أو النفاق العملي الذي يدينه القرآن نفسه. ثالثاً، القرآن يقدر قيمة 'العمل الصالح' بشكل عام، حتى لو لم يُعتبر فاعله من المتدينين. اللطف، ومساعدة الآخرين، والعدل، والإنصاف هي مبادئ أخلاقية فطرية وضعها الله في وجود البشر. 'الفطرة' الإلهية للإنسان تميل نحو الخير والصلاح. لذلك، قد يظهر فرد يفتقر ظاهرياً إلى الإيمان أو لا يعتنق ديناً معيناً، أفعالاً طيبة ولطيفة بسبب تربية صالحة، أو ضمير حي، أو مجرد التزامه بالمبادئ الأخلاقية الإنسانية. القرآن الكريم لا يغفل عن مثل هذه الأعمال، ويعد مكافأة دنيوية وحتى أخروية للمحسنين، مع مراعاة الظروف العامة للإيمان بالله ويوم القيامة. الأعمال الصالحة حتى من غير المسلمين لها جزاؤها في الدنيا، وإذا كانت مبنية على الفطرة النقية والنية الحسنة، فسيتم حسابها يوم القيامة. هؤلاء الأفراد، وإن لم يؤمنوا باللسان، إلا أنهم يظهرون عملياً جزءاً من الصفات الحميدة التي يدعو إليها الدين. هذا اللطف يظهر القدرة الإنسانية على الخير التي يمكن أن توجد خارج الأطر الدينية الرسمية. رابعاً، يجب ملاحظة أن قياس 'اللطف' أمر ذاتي ونسبي تماماً. ما يلاحظ من الخارج قد لا يظهر جميع أبعاد الفرد أو نيته. كما أن المتدينين أيضاً لديهم درجات مختلفة من الإيمان والممارسة. لا يمكن الحكم على مجموعة كبيرة ومتنوعة بشكل موحد. في كل مجموعة، يوجد أفراد طيبون وذوو أخلاق، وقد يوجد أيضاً أفراد أقل لطفاً أو سيئي السلوك. لقد وضع الإسلام، بتأكيده على حسن الخلق واللطف مع جميع المخلوقات (حتى الحيوانات)، أعلى المعايير الأخلاقية للمؤمنين. كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسه رمزاً للطف والرحمة للعالمين، وهذا النموذج يظهر أن التدين الحقيقي هو عين اللطف والشفقة. في الختام، يمكن القول إنه إذا حدثت ملاحظة بأن بعض غير المؤمنين أكثر لطفاً من المتدينين، فإن هذا لا يشير بأي حال من الأحوال إلى وجود عيب في تعاليم الدين، بل يشير إلى أن: 1) ذلك المتدين لم يتمكن من تطبيق تعاليم دينه بالكامل عملياً ويعاني من آفة النفاق أو الإيمان السطحي. 2) الفرد غير المؤمن، بفضل فطرته الإنسانية النقية والمبادئ الأخلاقية العالمية، يقوم بأعمال طيبة ولطيفة تستحق الثناء أيضاً من منظور القرآن. يؤكد القرآن أن الأعمال الصالحة هي جزء لا يتجزأ من الإيمان الحقيقي، وأن من يعمل مثقال ذرة خيراً يره. لذلك، المعيار النهائي عند الله هو الأعمال الصالحة وتقوى القلب، وليس مجرد المظهر الخارجي وادعاء التدين.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى في گلستان سعدي أن ملكًا عادلاً رأى في المنام ذات ليلة أن درويشاً، كان فقير المظهر ومبعثراً ولكنه يمتلك قلباً نقياً ولطيفاً، يسير في حدائق الجنة. وفي الوقت نفسه، كان عالم زاهد ذو عمامة كبيرة وثياب أنيقة، ولكن بقلب مليء بالغطرسة وقليل اللطف تجاه الناس، محبوساً في قاع بئر مظلم. دهش الملك من هذا الحلم، وفي الصباح سأل أحد الحكماء عن تفسيره. فقال الحكيم: 'أيها الملك، إن ذلك الدرويش اللطيف، على الرغم من بساطة مظهره، فقد كان موضع تقدير كبير عند الله لأن قلبه كان مليئاً بالرحمة والخير، وقد استفاد الناس من إحسانه. أما ذلك العالم المتدين ظاهرياً، فرغم علمه وعباداته الظاهرية، بقي بعيداً عن الرحمة الإلهية لأنه لم يكن في قلبه لطف أو تواضع، وكان يرى نفسه أسمى من الآخرين. هذه الحكاية تظهر أن القيمة الحقيقية للإنسان تكمن فيما يحمله في قلبه ومن الأعمال الصالحة التي تصدر عنه في الواقع، وليس فقط في مظهره الخارجي أو ادعائه بالتدين'.

الأسئلة ذات الصلة