لماذا لا أستطيع أن أسامح بقلب مطمئن؟

عدم القدرة على المسامحة غالباً ما ينبع من الكبرياء، الخوف، والتشبث بالماضي. يقدم القرآن الحلول من خلال التوكل على الله، كظم الغيظ، وتذكير بصفات المغفرة الإلهية، ليُطمئن القلب.

إجابة القرآن

لماذا لا أستطيع أن أسامح بقلب مطمئن؟

مسألة العفو والمسامحة هي إحدى أعمق وأصعب الجوانب في الروح البشرية، وقد تم تناولها بتكرار وتأكيد كبيرين في تعاليم القرآن الكريم. إن عدم القدرة على المسامحة بقلب مطمئن يعود إلى جذور مختلفة، الكثير منها يمكن الإجابة عليه من خلال التعاليم القرآنية والفهم الصحيح للدين. القرآن لا يأمرنا فقط بالمسامحة، بل يقدم لنا أيضاً حلولاً للوصول إلى هذا السلام القلبي بعد المسامحة. في الواقع، غالباً ما تنبع عدم القدرة على المسامحة من عوامل داخلية مثل الكبرياء، والخوف من التعرض للأذى مرة أخرى، والشعور المفرط بالعدالة، والتعلق بالضغينة والغضب. هذه هي العوائق التي، إذا لم تضيئها نور القرآن، يمكن أن تقسي القلب وتفرغه من السكينة. أحد الأسباب الرئيسية لصعوبة المسامحة هو "حب الذات" و"الأهمية المفرطة للنفس". عندما يظلمنا أحد، نشعر بأن حقوقنا قد انتُهكت وكبرياءنا قد جُرِح. القرآن، في المقابل لهذا الشعور، يؤكد أن كل القوة والجبران هو بيد الله وحده. المسامحة لا تعني التنازل عن الحق، بل تعني تفويض هذا الحق لله ليقوم بجبرانه بأفضل شكل ممكن. هذا الفهم يرفع عبئاً عظيماً عن كاهل الإنسان ويحرره من دائرة الانتقام والكراهية التي لا تنتهي. يقول الله تعالى في سورة النور، الآية 22: "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم). هذه الآية تخاطب قلب الإنسان مباشرة وتدعوه إلى المسامحة، مع الوعد بأنه إذا سامحت، فالله سيسامحك. هذه صفقة لا يرفضها أي إنسان عاقل. سبب آخر لعدم القدرة على المسامحة هو "الخوف من تكرار الظلم" أو الشعور "بالضعف". يعتقد البعض أن المسامحة تعني الضعف والسماح للآخرين بتكرار أخطائهم. لكن القرآن يعتبر المسامحة ليست ضعفاً، بل "قوة" و"شهامة". المسامحة تصدر من موقع قوة وكرامة نفس، لا من موقع ضعف وخوف. في سورة الشورى، الآية 40، نقرأ: "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين). هذه الآية توضح بجلاء أنه على الرغم من وجود حق القصاص والمعاملة بالمثل، إلا أن المسامحة والإصلاح لهما قيمة أعلى وأجر أعظم عند الله. هذا يدل على أن المسامحة هي خيار واعٍ وقوي. كما أن "التعلق بالماضي" و"عدم قبول القدر" يمكن أن يكونا حاجزاً كبيراً أمام المسامحة. أحياناً، لا يستطيع البشر التخلي عن الألم والمعاناة التي تعرضوا لها في الماضي، وهذا يمنعهم من المضي قدماً والوصول إلى السلام. القرآن يدعو المؤمنين دائماً إلى الصبر والتحمل، ويعلمهم أن كل شدة وبلاء يصيبهم هو بإذن الله، وفيه خير قد لا يكون مفهوماً في البداية. قبول حقيقة أن كل ما حدث هو جزء من القدر الإلهي يساعد الإنسان على التصالح مع ماضيه ويمهد الطريق للمسامحة. قال الإمام علي (ع): "من أزال الحقد من قلبه، استراح." هذا الارتياح القلبي لا يتحقق إلا بالتخلص من عبء الحقد الثقيل وتجاهل أخطاء الآخرين. الحل القرآني للوصول إلى المسامحة من أعماق القلب هو "التوكل على الله" و"تذكر صفاته". عندما يعلم الإنسان أن الله غفور، رحيم، عفو، وكريم، وأنه هو نفسه بحاجة إلى مغفرة الله المتكررة، حينئذٍ يصبح مسامحة الآخرين أسهل عليه. إذا كنا نتوقع من الله أن يغفر ذنوبنا وأخطائنا، فعلينا أيضاً أن نكون مستعدين لمغفرة أخطاء الآخرين. هذه علاقة متبادلة ومؤكدة بقوة في التعاليم الإسلامية. كما أن التحكم في الغضب، الذي يعد أحد أهم عوائق المسامحة، قد تم التأكيد عليه بشدة في القرآن. في سورة آل عمران، الآية 134، يصف الله المتقين بأنهم "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس". إن كظم الغيظ هذا هو الخطوة الأولى للوصول إلى المسامحة القلبية. في النهاية، المسامحة لا تجلب السلام والتحرر الذي لا يضاهى للشخص الذي يسامَح فحسب، بل للشخص المسامِح نفسه أيضاً. الحقد والاستياء يشبهان حملاً ثقيلاً على كاهل الروح البشرية يمنعها من التحليق نحو الكمال. بالمسامحة، يرفع هذا العبء ويصبح القلب خفيفاً وهادئاً. لذلك، إذا لم نتمكن من المسامحة بقلب مطمئن، فعلينا أن ننظر إلى داخلنا ونحدد العوائق مثل الكبرياء والخوف والتعلق بالماضي، التي أشير إليها أيضاً في القرآن، ثم نزيلها بمساعدة الإيمان والتوكل على الله. المسامحة هي طريق إلى السلام الداخلي والقرب من الله، طريق يحرر القلب من قيود الآلام ويحوله إلى بحر من الرحمة والسكينة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في كتاب "گلستان" لسعدي، يُحكى أن ملكًا عادلاً كان لديه غلام قصر في خدمته وارتكب خطأ. غضب الملك وأمر بمعاقبته. لكن أحد وزرائه الحكماء، الذي كان حاضراً، قال للملك: "يا أيها الملك، هذا الغلام خدمك لسنوات طويلة وأبدى ولاءً. فوازن خطأ يوم واحد منه بسنوات خدمته. عظمتك تكمن في العفو عنه، لا في الانتقام والتوبيخ." عند سماع هذه الكلمات، لان قلب الملك وتجاوز عن ذنب الغلام وسامحه. وبعد ذلك، عمل الغلام بولاء وجهد أكبر. تظهر هذه القصة أن العفو والمسامحة، حتى في مواجهة الخطأ، لا يدل فقط على نبل النفس، بل يمكن أن يلين القلوب ويقود إلى الخير والإصلاح، ويجلب سلاماً عميقاً للمسامح.

الأسئلة ذات الصلة