لماذا لا أشعر بالرضا على الرغم من بذل الكثير من الجهد؟

ينبع عدم الرضا من التركيز فقط على الماديات وإهمال ذكر الله. السلام الحقيقي يتحقق بالاتصال القلبي بالله والشكر، فالدنيا زائلة والآخرة باقية.

إجابة القرآن

لماذا لا أشعر بالرضا على الرغم من بذل الكثير من الجهد؟

إن الشعور بعدم الرضا على الرغم من الجهود الكبيرة هو تجربة إنسانية مشتركة يواجهها الكثيرون في رحلة حياتهم. في عالم اليوم، نشأ الكثير منا على الاعتقاد بأن النجاح والثروة والمكانة والإنجازات المادية هي مفاتيح السعادة والرضا الداخلي. منذ الطفولة، نتعلم أن نسعى جاهدين لتحقيق أهداف محددة، ونصعد سلم التقدم، ونجمع الثروات، ونحقق الشهرة والاعتراف بأي ثمن. ومع ذلك، غالبًا ما تضربنا الحقيقة عندما نجد أنفسنا، حتى بعد الوصول إلى العديد من هذه الأهداف، نواجه فراغًا أعمق وشعورًا بعدم الرضا أكثر إزعاجًا. هذه المفارقة - السعي الدؤوب وراء ما نعتقد أنه سعادة، فقط لنجده بعيد المنال - لها جذور عميقة في تصورنا للحياة والعالم، وهو تصور يعالجه القرآن الكريم بجمال. يعلمنا القرآن الكريم، هذا الكتاب الإلهي الهادي، أن الرضا الحقيقي هو أمر داخلي وقلبي ينبع من الاتصال بمصدر الوجود كله، وهو الله سبحانه وتعالى، وليس من تراكم الماديات أو البحث عن التأييد الخارجي. في سورة الرعد، الآية 28، يقول الله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»؛ أي: «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب». تكشف هذه الآية عن حقيقة أساسية وجوهرية: السلام والرضا الحقيقيان يعتمدان على اتصال قلبي بالله وذكره الدائم. هذا الذكر ليس مجرد ترديد باللسان؛ بل يشمل اليقظة القلبية، والتفكر في آيات الله، والعمل بأوامره، والتوكل عليه في جميع جوانب الحياة. عندما يغفل الإنسان عن هذا المصدر الأساسي للسكينة، مهما تقدم في المساعي المادية، سيظل يشعر بالفراغ وعدم الرضا. إن القلب البشري، بطبيعته، يتوق إلى شيء لا نهائي وأبدي. والمكاسب الدنيوية محدودة ومؤقتة؛ وبالتالي، لا يمكنها أبدًا أن تملأ الفراغ الروحي اللامحدود. إن العالم المادي، بكل بريقه وجاذبيته، يوصف في القرآن بأنه فانٍ وعابر. في سورة الحديد، الآية 20، يصف الله تعالى حقيقة الحياة الدنيا على هذا النحو: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاسٌّ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ»؛ أي: «اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما، وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور». توضح هذه الآية بجلاء أن التركيز الوحيد على الثروة والأولاد وجمال الدنيا يشبه السراب الذي لا يروي عطشًا أبدًا. ما يبقى هو الأعمال الصالحة ورضا الله. عندما يجعل الإنسان هذه المكاسب الدنيوية الزائلة هدفه الأسمى، فمن الطبيعي أن يصل إلى طريق مسدود من عدم الرضا، سواء عند اكتمالها أو حتى في أوجها. يؤكد القرآن أن هذه مجرد زينة ومتاع مؤقت، وليست جوهر الحياة الحقيقية أو مصدر الفرح الأبدي. سبب قرآني آخر للشعور بعدم الرضا هو إغفال الشكر. في سورة إبراهيم، الآية 7، يقول الله: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»؛ أي: «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد». الشكر لا يؤدي فقط إلى زيادة النعم، بل يغير نظرة الإنسان إلى ما يمتلكه ويجعله ينتقل من التركيز على ما ينقصه إلى التركيز على النعم الإلهية. الشخص غير الشاكر يفكر دائمًا فيما لا يملكه ويسعى للحصول عليه، وبالتالي لا يشعر أبدًا بالاكتفاء أو الرضا. على النقيض من ذلك، فإن الشكر على كل ما نملكه، حتى أصغر الأشياء، يملأ القلب بالبركة والرضا. هذا لا يعني التوقف عن السعي لتحسين الحياة، بل يعني الرضا القلبي بالقدر الإلهي والسعي ضمن إطار مرضاته. إن الشكر يعيد توجيه تركيز القلب من المفقود إلى الموجود، مما ينمي شعوراً بالوفرة والرضا. يعلم القرآن أيضًا البشرية أن الغاية من خلق الإنسان هي عبادة الله. في سورة الذاريات، الآية 56، يقول: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»؛ أي: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». عبادة الله ليست مجرد أداء للطقوس الدينية؛ بل تشمل العيش وفقًا للقيم والمبادئ الإلهية. عندما ينحرف الإنسان عن هذا الهدف الأساسي ويكرس كل طاقته للأهداف الدنيوية، فكأنه قد ضل عن مساره الحقيقي، ويظهر هذا الانحراف في شكل شعور بالفراغ وعدم الرضا. تشمل هذه العبادة التوكل على الله (الاستسلام الكامل للإرادة الإلهية)، والصبر في مواجهة الصعوبات والمصائب، والقناعة (الرضا بما هو متاح والسعي لما هو حلال ومشروع). الشخص الذي لديه توكل حقيقي يفهم أن جهوده مجرد وسيلة وأن النتيجة النهائية بيد الله؛ وبالتالي، لا يصاب باليأس في حال الفشل الظاهري. يجدون السلام في معرفة أن دورهم هو السعي، وأن النتيجة في يد العليم الحكيم. لتحقيق الرضا الدائم والتغلب على هذا الشعور غير المريح، يقدم القرآن إرشادات عملية. الخطوة الأولى هي العودة إلى ذكر الله وتقوية الاتصال الروحي. يشمل ذلك المواظبة على الصلاة، وتلاوة القرآن بتدبر، والذكر والدعاء، والتفكر في خلق الله. تعمل هذه الممارسات كغذاء روحي، ترسي الروح وتربطها بمصدرها الإلهي. ثانياً، يجب أن يكون هناك تحول في النظرة إلى الدنيا والآخرة. بينما السعي في الدنيا لكسب الرزق الحلال والحياة الكريمة أمر مؤكد، إلا أن الهدف الأسمى يجب أن يكون الآخرة. في سورة القصص، الآية 77، يقول الله: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»؛ أي: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين». توضح هذه الآية بشكل جميل التوازن بين الدنيا والآخرة. يجب على المرء أن يستغل هذه الدنيا كوسيلة للوصول إلى الآخرة، بدلاً من جعل هذه الدنيا الهدف النهائي. ثالثاً، تنمية الشكر في الحياة اليومية أمر بالغ الأهمية. رابعاً، ممارسة القناعة والتوكل أمر لا غنى عنه. القناعة لا تعني التخلي عن الجهد؛ بل تعني الرضا الداخلي بما يمتلكه المرء والتحرر من الطمع والجشع لما ينقصه. التوكل، بالمثل، يعني تفويض الأمور إلى الله بعد بذل كل الجهود الممكنة. في النهاية، الرضا الحقيقي هو الثمرة الحلوة لهذه الرؤية القرآنية التي تنظر إلى الحياة لا كمجال للمنافسة والتراكم، بل كفرصة للنمو الروحي، وخدمة الخلق، والاقتراب من الله. هذا التحول النموذجي يحرر الفرد من الدائرة اللانهائية للرغبة وعدم التحقيق، ويقوده إلى محيط من السلام والرضا الأبدي، مما يسمح له بتجربة الهدوء الداخلي حتى وسط التحديات.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في "كلستان" سعدي، تُروى حكاية رجل ثري كان يسعى دائمًا لزيادة ثروته وممتلكاته. كان يمتلك أراضي شاسعة، وعددًا لا يحصى من الخدم، وكنوزًا لا تُعد ولا تحصى، ومع ذلك كان دائمًا مضطربًا وقلقًا بشأن شؤونه الدنيوية. في أحد الأيام، صادف درويشًا يجلس بهدوء تحت شجرة، لا يملك سوى عباءة بالية ووعاء فارغ، ومع ذلك كان يسبح بحمد الله. الرجل الثري، مذهولًا بقناعة الدرويش، سأله: "كيف يمكنك أن تكون راضيًا جدًا بالقليل، بينما أنا، بكل ثرواتي، لا أجد سلامًا؟" أجاب الدرويش بابتسامة لطيفة: "يا صديقي العزيز، قلبي خالٍ من عبء حراسة الممتلكات، وروحي في سلام مع ما رزقني الله. لقد أصبحت ثروتك حملاً ثقيلاً يثقل قلبك؛ فكلما اكتسبت المزيد، زاد خوفك من فقدانه، وزادت رغبتك فيما لا تملكه بعد. الرضا الحقيقي لا يكمن في امتلاك الكثير، بل في الرغبة بالقليل وإيجاد الكفاية فيما وهبه الله." تأمل الرجل الثري كلمات الدرويش وأدرك أن جهوده الدؤوبة لم تؤد إلا إلى مزيد من القلق، وليس إلى مزيد من الفرح. ومنذ ذلك اليوم، بدأ يبسط حياته وبحث عن الرضا في الشكر والسلام الروحي بدلاً من التراكم اللانهائي.

الأسئلة ذات الصلة