لماذا، على الرغم من فهم الدين، أشعر أحيانًا باللامبالاة؟

الميل إلى اللامبالاة رغم الفهم الديني ينبع من النفس الأمارة بالسوء، وساوس الشيطان، وزينة الحياة الدنيا. علاج ذلك من منظور القرآن هو الذكر الدائم لله، إقامة الصلاة، التفكر في الآيات الإلهية، وتذكر الآخرة.

إجابة القرآن

لماذا، على الرغم من فهم الدين، أشعر أحيانًا باللامبالاة؟

الشعور باللامبالاة أو الغفلة، حتى مع الفهم العميق للدين وتعاليمه، هو تجربة إنسانية شائعة لها جذور عميقة في طبيعة الإنسان وتحديات الحياة الدنيا. يتناول القرآن الكريم هذه الحالة الروحية بطرق مختلفة ويقدم حلولاً للتغلب عليها. هذا الميل إلى اللامبالاة، والذي يمكن أن يسمى في المصطلح القرآني بـ 'الغفلة'، ليس مجرد ضعف في الفهم، بل هو بالأحرى علامة على الصراع الداخلي للإنسان مع نفسه ومع الإغراءات الخارجية. هذه الحالة، على نحو مفارقة، تمثل فرصة للنمو الروحي وتعميق الاتصال بالخالق. أحد الأسباب الرئيسية لهذا الشعور هو وجود 'النفس الأمارة بالسوء' في كيان الإنسان. النفس الأمارة هي جزء من وجودنا يدفع الإنسان نحو الملذات العابرة والراحة والابتعاد عن الصعوبات والمسؤوليات. يقول القرآن الكريم في سورة يوسف الآية 53: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، إن ربي غفور رحيم). هذه الآية تبين بوضوح أن الميل إلى التقصير أو اللامبالاة متأصل في طبيعة البشر، والتغلب عليه يتطلب الرحمة والعون الإلهي. إنه صراع دائم يجب على المؤمن أن يواجهه طوال حياته. عامل آخر هو وساوس الشيطان. يسعى الشيطان دائمًا إلى إخراج الإنسان عن طريق الحق ودفعه نحو الغفلة وعدم الاهتمام بالواجبات الدينية والأخلاقية. إنه يزين أمور الدنيا ويقلل من شأن الآخرة، محاولًا إغفال الإنسان عن ذكر الله. يشير القرآن الكريم في آيات متعددة إلى وساوس الشيطان، فمثلاً في سورة البقرة الآية 168 يقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ» (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين). يشجع الشيطان الأفراد على تأجيل التوبة والأعمال الصالحة بوعود كاذبة وآمال طويلة. حب الدنيا وزينتها هو أيضًا من أهم أسباب الغفلة. يؤكد القرآن الكريم مرارًا على زوال الحياة الدنيا وزينتها. في سورة الحديد الآية 20 يقول: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ…» (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد…). عندما ينغمس الإنسان في الملذات الدنيوية والانشغالات، قد يغفل عن أهدافه الأصلية في الخلق ويصبح لاهياً عن مسؤولياته الدينية. هذا الانشغال بالدنيا يخلق حجابًا بين الإنسان والحقيقة ويؤدي إلى تجاهل الأولويات الحقيقية للحياة. ولمواجهة هذا الميل إلى اللامبالاة والغفلة، يقدم القرآن الكريم حلولاً عملية وشاملة: 1. الذكر الدائم لله: العلاج الرئيسي هو المواظبة على ذكر الله. الذكر لا يعني فقط ترديد الأوراد، بل يشمل التذكير الدائم بحضور الله في الحياة والاهتمام بأوامره ونواهيه. في سورة الرعد الآية 28 نقرأ: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). ذكر الله يحافظ على حياة القلب ويمنعه من الوقوع في فخ الغفلة. 2. إقامة الصلاة: الصلاة هي عماد الدين ومعراج المؤمن. الصلاة بقلب خاشع تنهى الإنسان عن الفحشاء والمنكر وتقوي صلته بالله. في سورة العنكبوت الآية 45 يقول: «… وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ» (… وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون). الصلوات الخمس هي فرص لتجديد العهد والتخلص من غبار الغفلة. 3. التفكر والتدبر في الآيات الإلهية وعلامات الخلق: التدبر في القرآن والكون يعمق بصيرة الإنسان ويجعله أكثر وعيًا بعظمة الخالق وهدف الخلق. هذا الوعي يخلق دافعًا أكبر للسير على طريق الحق ويقلل من الغفلة. في سورة الزمر الآية 9 يقول: «… إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ» (… إنما يتذكر أولو الألباب). 4. مصاحبة الصالحين: الجلوس مع الأشخاص المؤمنين والورعين يدفع الإنسان نحو الخير ويمنعه من الانغماس في الغفلة. بيئتنا المحيطة لها تأثير كبير على توجهاتنا الروحية. 5. تذكر الموت والآخرة: تذكر حقيقة الموت والحياة بعده هو أقوى عامل للتحرر من الغفلة وأخذ الحياة والمسؤوليات على محمل الجد. يدعو القرآن الكريم الإنسان مرارًا إلى تذكر يوم الحساب وجزاء الأعمال. 6. التوبة والاستغفار: كلما وقع الإنسان في اللامبالاة أو الزلل، فإن باب التوبة مفتوح دائمًا. العودة إلى الله وطلب المغفرة يطهر القلب ويمنح روحًا جديدة للتقدم. في الختام، هذا الميل إلى اللامبالاة هو صراع مستمر وعلامة على مسار روحي ديناميكي وليس عيبًا ثابتًا. بالاستعانة بالله، والاعتماد على تعاليم القرآن الكريم والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والسعي المستمر لتزكية النفس، يمكن التغلب على هذه الحالة وتجربة حياة ذات هدف وسكينة ورضا إلهي. هذه العملية ممكنة خطوة بخطوة، بالصبر والمثابرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في زمن السعدي، كان هناك تاجر يمتلك ثروة وفيرة ويتمتع بمكانة وشرف عظيمين. على الرغم من ذكائه وفطنته الفائقة، كان أحيانًا يغلبه الميل إلى الراحة واللامبالاة، فيؤجل أعماله الهامة إلى الغد. في أحد الأيام، قال له صديق حكيم: "يا صديقي، أنت الذي تتمتع بعقل وحكمة وافرة، لماذا تفعل هكذا؟" أجاب التاجر: "عالمنا واسع جدًا والفرص كثيرة لدرجة أنني أعتقد أن هناك دائمًا وقت للتعويض." ابتسم الصديق الحكيم وقال: "يقول السعدي: 'أتدري لمَ مرّ العمر وأنت غافل؟ لأن زمام الأمر كان بيد غفلتك!' الفرص تمر كغيوم الربيع؛ إن لم تنجز عملك اليوم، ستواجه الحزن والندم غدًا." أخذ التاجر العبرة من هذا القول وقرر ألا يؤجل أي عمل بعد ذلك. بعد ذلك، لم يصبح أكثر نجاحًا في تجارته فحسب، بل وجد أيضًا سلامًا وسعادة أكبر في حياته الروحية، لأنه علم أنه يجب أن يكون دائمًا يقظًا ومستيقظًا، وأن يستغل كل لحظة من لحظات الحياة. اللامبالاة سارق خفي للسعادة، واليقظة مفتاح يفتح كل باب مغلق.

الأسئلة ذات الصلة