لماذا يميل الإنسان دائمًا إلى الرغبة في المزيد؟

رغبة الإنسان في المزيد تنبع من طبيعته المتأصلة، والغفلة عن الآخرة، ووساوس الشيطان. يذكرنا القرآن بأن الحياة الدنيا زائلة، وأن السلام الحقيقي يكمن في ذكر الله والقناعة.

إجابة القرآن

لماذا يميل الإنسان دائمًا إلى الرغبة في المزيد؟

الميل البشري الفطري إلى الرغبة في امتلاك المزيد هو سمة متجذرة بعمق، وقد تناولها القرآن الكريم بوضوح. تنبع هذه الرغبة التي لا تشبع من جوانب متعددة للطبيعة البشرية، بما في ذلك الميول الطبيعية، والوساوس الشيطانية، والغفلة عن الآخرة، والمقارنة المستمرة مع الآخرين. يتعامل القرآن بحكمة وبصيرة مع هذا الجانب من الوجود الإنساني، ويقدم إرشادات حول كيفية إدارة وتوجيه هذا الميل المتجذر. في البداية، يؤكد القرآن صراحة أن الإنسان يميل بفطرته إلى المال وزينة الحياة الدنيا. يقول تعالى في سورة آل عمران، الآية 14: «زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ». تُبيِّن هذه الآية أن حب هذه الأمور جزء من التكوين النفسي للإنسان. هذا الميل ليس سيئًا في جوهره، بل هو اختبار للبشر ليروا كيف يتعاملون مع هذه المتع، وهل يستطيعون توظيفها في سبيل الحق ونيل رضا الله أم لا. أحد الأسباب الرئيسية لهذه الرغبة غير المحدودة هو «التكاثر» الذي أشارت إليه سورة التكاثر. يقول تعالى: «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ». تُظهر هذه السورة بوضوح أن التنافس في زيادة المال والثروة، أو حتى الأولاد والأتباع، يلهي الإنسان عن الأهداف الأساسية للحياة، ويحتجزه حتى الموت في دوامة لا نهاية لها من طلب المزيد. تتحول هذه الحالة إلى آفة عندما تصبح الهدف الأساسي للحياة، وتُغفل الإنسان عن ذكر الله ويوم المعاد. إن شعور التفوق والمقارنة الدائمة بالنفس بالآخرين يغذي هذا الميل. فالإنسان، عندما يرى ما يمتلكه الآخرون، يشعر بالنقص، ويسعى لتعويض هذا الشعور بتكديس المزيد، غافلاً عن أن هذا التنافس لا نهاية له. يؤكد القرآن أيضاً بشدة على طبيعة الحياة الدنيا المؤقتة والزائلة لمنع الناس من الوقوع في فخ هذه الرغبة الزائدة. في سورة الحديد، الآية 20، يقول تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيچُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ». تُقدم هذه الآية صورة حية لعدم استقرار الدنيا والوهم الذي تخلقه الرغبة في الازدياد. فالحياة الدنيا تشبه زرعًا يبدأ نضرًا ولكنه في النهاية يذبل ويُدمَّر. يجب أن تكون هذه الحقيقة بمثابة إنذار للإنسان ليتوقف عن مطاردة سراب «امتلاك المزيد». سبب آخر لهذا الميل هو الوساوس الشيطانية. فالشيطان يدعو الإنسان دائمًا إلى زينة الدنيا ويذكره بالفقر والحرمان ليقوده نحو الجشع والطمع. يشير القرآن مرارًا إلى دور الشيطان في خداع الإنسان. كذلك، فإن الغفلة عن ذكر الله والآخرة تهيئ الأرضية لسيطرة الميول المادية. فعندما يفرغ القلب من ذكر الله، تملأه الأشياء المادية، ولا يرتوي العطش لها أبدًا. يرى القرآن أن شفاء هذا العطش يكمن في الذكر وذكر الله. «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (سورة الرعد، الآية 28). تُبين هذه الآية الحل الأساسي للوصول إلى السلام الداخلي والتحرر من قيود هذه الرغبات التي لا تتوقف. فالسلام الحقيقي لا يكمن في زيادة الممتلكات، بل في الاتصال بالمصدر الإلهي اللامتناهي. لذلك، لإدارة هذا الميل الطبيعي ولكن المدمر المحتمل، يقدم القرآن حلولًا عملية: القناعة، والشكر، والإنفاق، والاهتمام بالآخرة. القناعة لا تعني التوقف عن السعي، بل تعني الرضا بما قسمه الله والتحرر من التعلق بالازدياد. الشكر على النعم الموجودة يمنح الإنسان شعورًا بالغنى والاكتفاء. الإنفاق من ما نملك لا يقلل من تعلقنا بالدنيا فحسب، بل يسبب البركة والنمو الروحي. والأهم من ذلك كله، التذكير الدائم بالهدف الأساسي للخلق والحياة بعد الموت، أي الآخرة. بهذه النظرة، تصبح الدنيا مزرعة لزرع الأعمال الصالحة التي ستُجنى ثمارها في العالم الأبدي، لا مجرد وجهة لتكديس الممتلكات بشكل مفرط. في الختام، إذا لم يتم توجيه هذه الرغبة في «امتلاك المزيد» بشكل صحيح، فقد تتحول إلى مرض روحي يزعزع السلام الداخلي للفرد والمجتمع. ولكن إذا تم النظر إليها بحكمة وبصيرة قرآنية، يمكن أن تتحول إلى دافع للنمو والارتقاء؛ سعيًا للحصول على «المزيد» من رضا الله، والمزيد من الخيرات، والمزيد من العلم، والمزيد من التقوى. يدعونا القرآن لتوجيه هذا العطش الداخلي نحو الحقيقة والقيم الخالدة، بعيدًا عن سراب الدنيا المخادع الذي لا ينتهي ولا يثمر إلا الحسرة والندم. فالحياة بهذا النهج ستكون غنية حقًا ومليئة بسلام عميق لا يمكن لأي مال أو مكانة أن يوفره.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في يوم من الأيام، التقى تاجر ثري، كان يسعى دائمًا لتوسيع تجارته وزيادة ثروته، بدرويش قنوع. تباهى التاجر قائلاً: «كلما اكتسبت المزيد، زاد قلبي رغبة. هذا الجوع الذي لا يشبع يدفعني نحو إنجازات أعظم!» فرد الدرويش بابتسامة هادئة: «يا صديقي، الكنز الحقيقي لا يكمن في جبال الذهب، بل في القلب القنوع. فبطن الطماع لا يمتلئ إلا بتراب القبر، أما القلب الذي يرضى بالقليل فهو دائمًا شبعان ومرتاح.» فكر التاجر في هذا، ولأول مرة، أدرك أن الهدوء لا يكمن في «امتلاك المزيد»، بل في «الرضا».

الأسئلة ذات الصلة