لماذا أشعر ببعد قلبي عن الله؟

الشعور بالبعد عن الله غالبًا ما ينبع من الغفلة والذنوب والتعلق بالدنيا، بينما الله قريب منا دائمًا. للتغلب على هذا، يجب اللجوء إلى ذكر الله والتوبة والعبادات الصادقة والأعمال الصالحة لتحقيق الطمأنينة والقرب الحقيقي.

إجابة القرآن

لماذا أشعر ببعد قلبي عن الله؟

إن الشعور بالبعد عن الله تجربة يواجهها العديد من الأفراد في رحلتهم الروحية. هذا الشعور، في جوهره، هو علامة على يقظة القلب والرغبة الفطرية للإنسان نحو الكمال المطلق وخالق الوجود. يؤكد القرآن الكريم باستمرار على قرب الله من البشرية، موضحاً بوضوح أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد. هذا يعني أن مصدر البعد المتصور ينبع من الإنسان نفسه، وليس من الله سبحانه وتعالى. كما جاء في سورة البقرة، الآية 186: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"؛ هذه الآية تظهر بوضوح أن طريق القرب من الله مفتوح، ولا يتطلب سوى خطوة إلى الأمام من الإنسان. أحد أهم الأسباب التي تجعل الإنسان يشعر بالبعد عن الله هو الغفلة ونسيان ذكره. ففي زحام الحياة العصرية، قد يؤدي الانشغال بالأمور الدنيوية والمهام اليومية إلى إغفال الإنسان للهدف الأساسي من خلقه ولعلاقته بمبدأ الوجود. يقول القرآن في سورة الرعد، الآية 28: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"؛ هذه الآية تشير إلى أن الطمأنينة الحقيقية والقرب من الله يتوقفان على ذكره الدائم. عندما يغيب ذكر الله عن الحياة، يصاب قلب الإنسان بالقلق والاضطراب، ويشعر تدريجياً بالبعد والوحدة. كما أن الذنوب والمعاصي هي من العوائق الرئيسية للقرب الإلهي. كل ذنب يكون بمثابة حجاب بين الإنسان والله، ويطفئ النور الإلهي في القلب. التوبة والاستغفار هما السبيلان اللذان يقدمهما القرآن لإزالة هذه الحجب والعودة إلى الله. يقول الله في سورة النساء، الآية 17: "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا"؛ هذه الآية تمنحنا الأمل بأنه حتى بعد ارتكاب الذنوب، باب العودة والمغفرة مفتوح دائمًا، شريطة أن تكون التوبة صادقة ومن أعماق الوجود. التعلق المفرط بالدنيا وملذاتها المادية يمكن أن يكون أيضًا سببًا للبعد عن الله. عندما يكون هم الإنسان وشغله الشاغل هو جمع المال، واكتساب المكانة، والانغماس في ملذات الدنيا الزائلة، يغفل قلبه تدريجياً عن تذكر الآخرة والهدف الأسمى للحياة. يشير القرآن في العديد من الآيات، بما في ذلك سورة الكهف الآية 46، إلى أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا فقط، وأن الباقيات الصالحات (الأعمال الصالحة الدائمة) لها ثواب وأمل أكبر عند الله. هذا لا يعني رفض الدنيا بالكلية، بل يعني عدم التعلق الكامل بها وعدم نسيان الهدف الأساسي من الخلق. للتغلب على هذا الشعور بالبعد وتحقيق القرب الإلهي، ذكرت العديد من الطرق العملية في القرآن والسنة النبوية: أولاً، الاهتمام بالصلاة والعبادات بحضور قلب؛ فالصلاة معراج المؤمن وأقرب حالات العبد لربه. ثانياً، تلاوة القرآن وتدبر آياته؛ فكلام الله نور يضيء القلوب ويمهد الطريق للقرب الإلهي. ثالثاً، الدعاء والتضرع الصادق ومناجاة الله؛ فقد قال الله إنه قريب من الداعين ويستجيب دعاءهم. رابعاً، القيام بالأعمال الصالحة وخدمة الخلق؛ فالإحسان إلى الآخرين ومد يد العون للمحتاجين من أفضل الطرق لنيل رضا الله والشعور بالقرب منه. خامساً، الابتعاد عن الذنوب والتوبة المستمرة. سادساً، التفكر والتدبر في خلق الله وعلاماته في الكون؛ فهذا التفكر يجعل الإنسان يدرك عظمة خالقه وحكمته، ويعزز فيه الشعور بالخشوع والقرب. في النهاية، يجب أن ندرك أن شعور البعد ليس دائمًا سيئًا؛ ففي بعض الأحيان يكون هذا الشعور بمثابة تنبيه من الله ليعود الإنسان إلى رشده، ويتراجع عن طريق الغفلة، ويسارع إليه من جديد. هذه دعوة، وليست رفضًا. فالله دائمًا ينتظر عودة عباده ويرحب بالتائبين. لذا، اعتبر هذا الشعور فرصة لإعادة تقييم حياتك الروحية والمضي قدمًا بخطوات أكثر ثباتًا نحو الحبيب الحقيقي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى في بستان سعدي أن ملكًا غنيًا ولكنه قلق ومضطرب، قابل درويشًا فقيرًا ولكنه كان سعيدًا وهادئًا. فسأله الملك بحسرة: "كيف لي أن أمتلك كل هذا الثراء والسلطة وقلبي مضطرب، بينما أنت، رغم فقرك، بهذا القدر من الطمأنينة؟" أجاب الدرويش بابتسامة: "يا ملك، طمأنينة القلب مرهونة بالتحرر من قيود الدنيا وتعلقاتها. أنت دائمًا في قلق خوفًا من فقدان ما تملك، أما أنا، فليس لدي ما أخشى فقده، لذلك أنا غارق في الطمأنينة وذكر الله. قلبي خفيف من كل حمل، وهذه الخفة تقربني من المحبوب الحقيقي." هذه القصة تذكرنا أن أحيانًا ثقل التعلقات الدنيوية يصبح حجابًا بيننا وبين السلام الإلهي، ويجعلنا نشعر بالبعد.

الأسئلة ذات الصلة