لماذا أشعر بالبعد عن الله رغم كثرة العبادة؟

الشعور بالبعد عن الله رغم كثرة العبادة يدل على الحاجة للتركيز على جودة العبادات وإخلاصها وحضور القلب فيها، لا مجرد كميتها. العبادة الحقيقية تجلب طمأنينة القلب والنمو الروحي وتصحيح السلوك.

إجابة القرآن

لماذا أشعر بالبعد عن الله رغم كثرة العبادة؟

الشعور بالبعد عن الله، حتى مع كثرة العبادة، هو تجربة قد يمر بها بعض المؤمنين، وقد تكون محيرة ومثبطة للعزيمة أحياناً. هذا الشعور، بدلاً من أن يشير إلى خلل في فعل العبادة نفسه، فإنه يشير بشكل أكبر إلى جودة وعمق اتصالنا الداخلي بالرب. يعلمنا القرآن الكريم أن العبادة ليست مجرد أداء سلسلة من الأعمال الظاهرية، بل هي طريق للقرب وطمأنينة القلب. وإذا لم يتحقق هذا القرب والطمأنينة، فمن الضروري العودة إلى الأبعاد الأعمق للعبادة التي أكدت عليها الآيات الإلهية.أحد أهم المفاهيم في العبادة هو "الإخلاص". يقول القرآن الكريم في سورة البينة، الآية 5: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ". هذه الآية توضح صراحة أن العباد لم يُؤمروا إلا بعبادة الله مخلصين له الدين، متنكبين عن كل شرك. الإخلاص يعني أن نيتنا الأساسية من العبادة يجب أن تكون إرضاء الله وحده، لا جذب انتباه الآخرين، ولا مجرد عادة، ولا حتى مجرد أداء الواجب أو تحقيق رغبات مادية. إذا كانت عباداتنا تفتقر إلى الإخلاص وتتجه نحو المظاهر أو الرياء، فمن الطبيعي ألا يتحقق التقارب الروحي، لأن القلب يكون مشغولاً بنيات غير إلهية ولا يستطيع امتصاص النور الإلهي.بعد آخر مهم هو "الخشوع" وحضور القلب. في سورة المؤمنون، الآيتين 1 و 2، يقول الله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ". المؤمنون الذين أفلحوا هم الذين يخشعون في صلاتهم. الخشوع يعني الهدوء والتواضع القلبي أمام عظمة الله. عندما يكون ذهننا مشغولاً بأمور الدنيا أو تشتت الانتباه أثناء الصلاة أو غيرها من العبادات، حتى لو قضينا ساعات طويلة في العبادة، فإن ذلك الاتصال الروحي لا يتحقق. العبادة بدون حضور قلب هي كالجسم بلا روح؛ لها شكل خارجي ولكن لا أثر للحياة فيها. للوصول إلى الخشوع، من الضروري تطهير القلب من المشاغل غير الضرورية قبل العبادة والتوجه إلى الله بتركيز كامل. "الذكر" وذكر الله أيضاً ركيزة أساسية تجلب الطمأنينة إلى القلب. سورة الرعد، الآية 28، تقول: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله. ألا بذكر الله تطمئن القلوب. إذا لم تؤد عباداتنا إلى ذكر الله الحقيقي – أي إذا كانت مجرد كلمات باللسان والقلب غافل عنه – فمن الطبيعي ألا تتحقق الطمأنينة، بل قد يزداد الشعور بالبعد، لأننا نبحث عن السلام في شيء أصبح مجرد شكل بلا محتوى.اتصالنا بالله ليس فقط من خلال الأعمال العبادية، بل إن جودة هذه الأعمال مهمة جداً. العبادة التي لا تؤدي إلى تغيير في سلوك الفرد وأخلاقه قد تكون مؤشراً على سطحيتها. في سورة العنكبوت، الآية 45، يقول الله تعالى: "اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ". اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر. والله يعلم ما تصنعون. إذا كانت صلاتنا أو عباداتنا الأخرى لا تنهانا عن المعاصي ولا تؤثر في إصلاح أنفسنا، يطرح السؤال: هل أدركنا حقيقة الصلاة؟أحياناً، توقعاتنا من العبادة قد تساهم في هذا الشعور بالبعد. قد نتوقع أن نشعر فوراً بالنشوة الروحية أو اتصال عميق مع كل عبادة. لكن النمو الروحي عملية تدريجية. يدعونا الله في القرآن إلى الصبر والثبات. وقد يكون الشعور بالبعد نوعاً من الابتلاء الإلهي لاختبار إخلاصنا وثباتنا. أخيراً، للتغلب على هذا الشعور، يُقترح: أولاً، الاهتمام بجودة العبادة أكثر من كميتها. ثانياً، التركيز على حضور القلب والخشوع أثناء العبادة. ثالثاً، إلى جانب العبادات الرسمية، الانخراط في "التفكر" في آيات الله في القرآن وفي خلقه. رابعاً، الابتعاد عن الذنوب والسعي لتزكية النفس. وخامساً، الدعاء والتضرع إلى الله ليُزيل الحجب عن قلبك ويُذيقك حلاوة العبادة. هذا الشعور بالبعد يمكن أن يكون إشارة من الله تدعونا إلى التعمق في عباداتنا وإصلاح نوايانا وطرقنا، وليس التخلي عن طريق الإيمان.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك عابدٌ يكرس أيامه ولياليه للعبادة، يصلي ويصوم ويتلو القرآن. لكن قلبه كان دائماً مضطرباً، ولم يذق طعم حلاوة العبادة قط. ذات يوم، صادفه شيخٌ حكيم وسأله عن حاله. تنهد العابد وقال: «لقد اجتهدت في عبادة ربي لسنوات، ولكن يبدو أن كلما زادت عبادتي، زاد شعوري بالبعد. كأن قلبي قد ملَّ من كل هذا الجهد.» ابتسم الشيخ بلطف وقال: «يا صاحبي، الماء يجب أن يُشرب من النبع، لا من المستنقع. العبادة التي تكون مجرد عادة ولا يحضر فيها القلب، هي كالمياه المأخوذة من بركة راكدة. اذهب، وللحظة في خلوة قلبك، وبإخلاص تام، تأمل في عظمة الرب. حينها سترى أن لحظة واحدة من حضور القلب أثمن من سنوات من العبادة بلا روح.» اتبع العابد نصيحة الشيخ. جلس، وتأمل بإخلاص في معنى كل كلمة يتفوه بها، وفكر في مكانته أمام خالق الكون، وطلب من أعماق وجوده، بتواضع، أن يطهر الله قلبه من الصدأ. لم يمر وقت طويل حتى أضاء نور في قلبه، ولأول مرة، شعر بحلاوة القرب الإلهي بكل كيانه. لقد فهم أن الله لا ينظر إلى كثرة الأعمال، بل إلى صفاء القلب وصدق النية.

الأسئلة ذات الصلة