لماذا أشعر أن الله صامت؟

شعور صمت الله ينبع من إدراكنا، لا غيابه. فهو يتواصل عبر آياته وحكمة الدعاء والابتلاءات. والذكر والصبر مفتاح التغلب على هذا الإحساس.

إجابة القرآن

لماذا أشعر أن الله صامت؟

يُعدّ الشعور بـ «صمت الله» أحد التحديات العميقة والمؤلمة أحيانًا في الرحلة الروحية للإنسان. قد يختبر الكثير من المؤمنين هذا الإحساس في لحظات معينة من حياتهم، خاصة عند مواجهة الصعوبات، أو المعاناة، أو الدعوات التي تبدو وكأنها لم تستجب. هذا الشعور يمكن أن يؤدي إلى سوء فهم عميق لطبيعة علاقتنا بالله وطريقة تواصله مع عباده، وقد يؤدي أحيانًا إلى اليأس والقنوط. ومع ذلك، من منظور القرآن الكريم، فإن الله ليس صامتًا أبدًا؛ بل هو دائمًا حاضر، ومراقب، وسميع، وعليم، ورحيم غاية الرحمة، ويتحدث مع عباده بطرق متنوعة. وما نعتبره أحيانًا «صمتًا» قد يكون في الواقع نتيجة لعدم فهمنا للغة الإلهية، أو عجلتنا في الاستجابة، أو غفلتنا عن آياته المستمرة. هذا الإحساس هو حالة داخلية وإدراكية أكثر منه حقيقة خارجية. فالله تعالى دائمًا في حوار مع مخلوقاته، ولكننا نحن الذين، أحيانًا بسبب الحجب النفسانية أو عدم الانتباه الكافي، نفشل في فهم هذا الحوار. يعلمنا القرآن أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد. ففي سورة ق، الآية 16، يقول تعالى: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ». هذه الآية تشير بوضوح إلى أن المسافة بيننا وبين الله ليست مسافة مادية أو مكانية، بل هي مسافة إدراكية وروحية. إن شعور الصمت غالبًا لا ينبع من غياب الله، بل من الحجب التي نضعها بأنفسنا بيننا وبينه؛ حجب الذنوب، والغفلة، والتعلق المفرط بالدنيا، وعدم التدبر في آياته. أحيانًا يكون هذا الشعور بسبب توقعاتنا لكيفية استجابة الله؛ فنحن نتوقع أن يتحدث إلينا أو يستجيب لدعواتنا بطريقة معينة، بينما الله يتواصل معنا بآلاف اللغات والأشكال التي قد لا ندركها. فالله تعالى يتحدث معنا دائمًا من خلال آياته وعلاماته في الآفاق وفي أنفسنا. كل ورقة شجر ترقص في مهب الريح، وكل قطرة مطر تروي الأرض العطشى، وشروق الشمس وغروبها بلا خلل، والنظام الفريد للكون من أصغر الذرات إلى أوسع المجرات، وحتى التعقيد المذهل لوجودنا، كلها آيات تصيح بحضوره وقوته، وحكمته ورحمته. في سورة فصّلت، الآية 53، يقول سبحانه: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ». هذه الآيات هي لغة الله للتواصل معنا، وهي دائمًا مفهومة لمن كانت قلوبهم مفتوحة للقبول. سبب آخر لشعور صمت الله هو عدم فهمنا للحكمة الإلهية في استجابة الدعوات. في كثير من الأحيان، نطلب من الله شيئًا نظن أنه خير وصلاح لنا، ولكن الله، لعلمه المطلق بجميع أبعاد الأمور ونتائجها، قد يستجيب بطريقة أخرى، أو يؤجل الاستجابة لوقت آخر، أو حتى يمنحنا شيئًا أفضل وأبقى لم نكن نعلمه. في سورة البقرة، الآية 216، يقول تعالى: «وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ». هذه الآية تبين بوضوح أن حكمة الله تتجاوز إدراكنا المحدود. إذا بدت دعواتنا غير مستجابة على الفور أو لم تستجب بسرعة، فلا ينبغي أن نعتبرها علامة على صمت الله، أو عدم اهتمامه، أو نسيانه. بل يجب أن نعتبرها مظهرًا لحكمته ورحمته اللامتناهية. في بعض الأحيان، يكون عدم الاستجابة المباشرة هو بحد ذاته نوع من الاستجابة التي نغفل عنها. قد يدفع الله عنا بلاءً عظيمًا لم نكن نعلم بوجوده، أو يدخر لنا أجرًا عظيمًا وذخرًا في الآخرة تفوق قيمته بكثير رغباتنا الدنيوية. في الواقع، كل دعاء في حضرة الله له ثلاثة أنواع من الاستجابة: إما أن يستجاب فورًا، أو يؤجل لِيَصِلَنا في وقت أنسب وبشكل أفضل، أو يُدخر لنا بدله خير أعظم في الآخرة. الابتلاءات والمصائب أيضًا هي من طرق تواصل الله مع عبده، والتي غالبًا ما تُفسر خطأً على أنها «صمت». في سورة البقرة، الآية 155، نقرأ: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ». هذه الاختبارات ليست بأي حال من الأحوال دليلًا على صمت الله أو لامبالاته؛ بل على العكس، إنها تدل على اهتمامه الخاص بعبده. فالبلاء والصعاب هي وسائل للنمو الروحي، وتطهير الذنوب، ورفع الدرجات والمكانة، وتعميق صلة الإنسان بربه. ففي خضم هذه الصعوبات يدرك الإنسان ضعفه المطلق، ويجد ملجأه الحقيقي الوحيد في الله، ويتوجه إليه بكل كيانه. هذه اللحظات هي ذروة الاتصال الروحي والإخلاص، وليست لحظات صمت. من خلال هذه الابتلاءات، يصقل الله إيماننا، ويختبر صبرنا، ويرشدنا نحو الكمال وفهم أعمق لذواتنا وللوجود. إنها رسائل منه تدعونا إلى إعادة تقييم حياتنا، والتوبة، وزيادة صبرنا وشكرنا، وتمنحنا فرصة للخروج من قوقعة الغفلة وإدراك جوهر وجودنا. للتغلب على شعور الصمت، يجب على الإنسان أن يسعى بنشاط لسماع صوت الله. هذا «الاستماع» يعني الإصغاء إلى آياته في الكون الفسيح، والتدبر العميق في آيات القرآن الكريم (وهو كلامه المباشر)، والتأمل في أحداث حياتنا والدروس التي نستلهمها منها. ذكر الله (كالصلاة، وتلاوة القرآن، والتسبيح) هو أحد أقوى الوسائل لملء الفراغ الناتج عن هذا الشعور وإقامة اتصال مع القلب. في سورة الرعد، الآية 28، يقول سبحانه: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». كلما أكثرنا من ذكره، كلما ازداد قلبنا ألفة بحضوره، وشعرنا بمزيد من الطمأنينة والاتصال. الدعاء هو حوار مباشر وحميم مع الله. حتى لو لم نرَ النتيجة التي نتوقعها فورًا، فإن فعل الدعاء نفسه، والتعبير عن حاجاتنا ورغباتنا أمامه، هو اتصال عميق ومبارك. الاستمرار في الدعاء، حتى في أوج اليأس وعندما لا نرى سبيلًا غير الله، يدل على التوكل والثقة الكاملة به، وهذا التوكل نفسه يجلب أفضل استجابة وأعلى طمأنينة. يجب أن نتعلم أن نؤمن به، حتى عندما يكون المسار غامضًا، فإن حكمته تفوق تصورنا. في الختام، إن فهمنا أن الله يتحدث إلينا دائمًا، ولكن هل لدينا آذان صاغية؟ هل فتحنا أعيننا لرؤية آياته؟ هل قلوبنا مستعدة لفهم حكمته؟ للتغلب على هذا الشعور، من الضروري أن نتجه إلى داخلنا، وأن نبتعد عن الذنوب (لأن الذنوب حجاب يحول دون إدراك حضوره)، وأن نهتم بالعبادة والذكر، وأن نتفكر في الآيات الإلهية، وأن ننتظر حكمته بالصبر والتوكل. يجب أن نعلم أن الله تعالى هو أرحم الراحمين ولا يترك عباده أبدًا، وأن كل حدث في حياتنا، حتى ما يبدو مريرًا وغير سار، يحمل رسالة منه وتجليًا لحكمته اللامتناهية. هذا اليقين القلبي، كالنور في الظلام، يبدد شعور الصمت ويحل محله طمأنينة الحضور الإلهي الدائم. إنه حاضر وسميع وعليم دائمًا؛ نحن من يجب أن نتعلم كيف نسمع وكيف نرى، وكيف نشعر بحضوره الرحيم والحكيم في كل لحظة من لحظات الحياة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمنة القديمة، كان درويش يعيش في صحراء قاحلة، وقد بلغ به الضيق والوحدة مبلغًا جعله يصرخ في قلبه: "إلهي! لماذا لا أسمع منك صوتًا؟ هل نسيتني؟" في إحدى الليالي، وفي تلك الصحراء الجافة، سقط على الأرض من شدة العطش والجوع، وقد خارت قواه. فجأة، بدأت نسمة باردة تهب، وحملت رائحة زكية إلى أنفه. بصعوبة بالغة، رفع رأسه ورأى نورًا في الأفق البعيد. زحف بصعوبة نحو ذلك النور، حتى وصل إلى بئر ماء زلال وشجرة مثمرة. في تلك اللحظة، انهمرت دمعة من عينيه، وقال لنفسه: "هذه النسمة، وهذا النور، وهذا البئر، وهذه الفاكهة؛ أليست كلها منه؟ لم يكن صامتًا قط، بل كنت أنا الذي لا أملك أذنًا صاغية وعينًا مبصرة. حكمته كانت في تأخير الاستجابة وفي إخفاء الرزق، حتى أقدره وأجده في أمس الحاجة إليه." في تلك الليلة، نام الدرويش بقلب مليء بالشكر واليقين، وقد أدرك أن لطف الله دائم الجريان، حتى في الصمت الظاهري.

الأسئلة ذات الصلة