الله هو 'الرحمن' و 'الرحيم'، ورحمته تسبق غضبه. إحساس انتظار العقاب ينبع غالبًا من وساوس الشيطان وسوء فهم المغفرة الإلهية؛ فالله دائمًا ينتظر عودة عباده وتوبتهم، لا عقابهم.
إن الشعور بأن الله ينتظر معاقبتك هو إحساس قد ينشأ لدى العديد من الأفراد، وخاصة أولئك الذين لديهم ضمير يقظ وشعور بالمسؤولية تجاه أفعالهم. ينبع هذا الشعور عادة من ذنوب سابقة، أو تقصير في أداء الواجبات الدينية، أو مجرد وساوس شيطانية تسعى إلى يأس الإنسان من رحمة الله. ولكن عندما نعود إلى القرآن الكريم، يقدم لنا صورة مختلفة تمامًا وأكثر رحمة من ربنا؛ صورة تتغلب فيها الرحمة والمغفرة الإلهية على الغضب والعقاب. فقد عرف الله نفسه في القرآن بصفات لا حصر لها، أبرزها "الرحمن" و "الرحيم"، بمعنى "الواسع الرحمة والرأفة". وكل سورة من سور القرآن، باستثناء سورة واحدة، تبدأ بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، وهذا بحد ذاته علامة على شمولية الرحمة الإلهية. وهذا التكرار يحمل رسالة واضحة: رحمة الله وسعت كل شيء، وهو يحب أن يرحم عباده ويغفر لهم. يؤكد الله في آيات عديدة أنه غفور للذنوب، حتى الكبائر منها. ففي سورة الزمر، الآية 53 يقول: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"؛ قل: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم (بارتكاب الذنوب)، لا تيأسوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعًا؛ لأنه هو الغفور الرحيم. هذه الآية تنص صراحة على أن اليأس من رحمة الله ذنب عظيم بحد ذاته. هذه الآية لا تدعو إلى التوبة فحسب، بل تضمن أن الله يغفر الذنوب، بشرط أن تكون التوبة حقيقية، نابعة عن ندم صادق، وعزم على ترك الذنب. لا ينتظر الله أبدًا فرصة لمعاقبة عباده؛ بل هو يحب أن يعود عباده إليه، ويتوبوا، ويبدأوا حياة نقية. إن الهدف من إرسال الله الأنبياء والكتب السماوية كان هداية البشر إلى السعادة والتحرر من الضلال، لا إيقاعهم في الفخ للعقاب. أحيانًا، قد ينشأ الشعور بالخوف من العقاب الإلهي من فهم خاطئ لمفهوم "القضاء والقدر" أو "الامتحانات الإلهية". يضع الله في حياة البشر اختبارات يكون الهدف منها النمو والارتقاء، واختبار الإيمان والصبر، وفرصة للعودة إلى المسار الصحيح، وليس مجرد العقاب. ففي سورة البقرة، الآية 155 نقرأ: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"؛ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات؛ وبشر الصابرين. هذه الاختبارات ليست عقابًا فحسب، بل هي فرص لتكفير الذنوب وزيادة درجات الإيمان. وحتى المصائب والصعوبات التي تصيب الإنسان، تُعتبر وفقًا للروايات كفارة للذنوب، بشرط أن يصبر الإنسان عليها ويتوكل على الله. تلعب الوساوس الشيطانية أيضًا دورًا مهمًا في إحداث هذا الشعور باليأس والخوف. يسعى الشيطان دائمًا إلى أن يجعل الإنسان ييأس من رحمة الله ويشجعه على ارتكاب المزيد من الذنوب أو ترك الأعمال الصالحة، معتقدًا أنه لا سبيل للعودة وأن الله لن يغفر له. ولكن المسلم الحصيف يعلم أن الشيطان عدو مبين للإنسان ويجب اللجوء إلى الله. ففي سورة الناس، الآيات 4-6 نقرأ: "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ۙ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ۙ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ"؛ من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجن والناس. لذلك، يجب الحذر من هذه الوساوس وإبعاد هذه الأفكار السلبية بالاستغفار والتوبة وزيادة الأعمال الصالحة. بدلاً من التركيز على الخوف من العقاب، من الأفضل التركيز على صفات الله الجمالية مثل رحمته ومغفرته وعفوه ولطفه. إن الله يحب عباده ويريد لهم الخير واليسر. ففي سورة البقرة، الآية 185 يقول: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"؛ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. هذه الآية تبين أن الإرادة الإلهية مبنية على التيسير والراحة للعباد، لا على الصعوبة والعقوبة بدون سبب. فالعقوبة الإلهية تكون لمن ينحرف عمدًا وبعلم وبتمرد كامل عن سبيل الحق ويصر على ذنوبه، وليس لمن يخطئ ثم يندم ويعود إلى الله. إن السبيل للتغلب على هذا الشعور هو الفهم الأعمق للرحمة والعدل الإلهيين. يجب أن نعلم أن الله عادل ولا يظلم أحدًا أبدًا؛ فهو يعلم ما تخفيه الصدور ويعلم النوايا. إذا كانت التوبة حقيقية وعزم الإنسان على إصلاح نفسه، فإن الله لا يغفر فحسب، بل يحول السيئات إلى حسنات. ففي سورة الفرقان، الآية 70 يقول: "إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"؛ إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات؛ وكان الله غفورًا رحيمًا. لذلك، بدلاً من الخوف، اتجه إلى الأمل والسعي للتقرب إلى الله. بالتوبة، والاستغفار، وأداء الأعمال الصالحة، والثقة برحمة الله التي لا حدود لها، سيزول هذا الشعور باليأس والخوف ويحل محله السلام والاطمئنان. إن الله ينتظر دائمًا عودة عباده، وليس عقابهم.
يروى أنه كان هناك ملك صارم ومهيب، ولكن في داخله كان رحيمًا جدًا. في أحد الأيام، ارتكب أحد تابعيه خطأً فادحًا، واعتقد في نفسه أن عقابًا شديدًا ينتظره. بقلب مرتجف وندم شديد، ذهب إلى الملك وألقى بنفسه على الأرض. كان الجميع يتوقع أن يغضب الملك ويصدر أمرًا بالعقاب. لكن الملك نظر إليه بعين الرأفة وقال: "انهض يا عبدي! لست من أولئك الغاضبين الذين يفكرون في العقاب باستمرار. توبتك وندمك عندي أثمن من أي ذنب ارتكبته. اذهب وعِش حياة جديدة، واعلم أن بابنا مفتوح دائمًا للعائدين." نهض التابع بدموع الفرح، وأدرك أن عظمة الملك ورحمته تتجاوز بكثير ما كان يتصوره، وأن خوفه كان بلا جدوى.