لماذا أشعر بالتخلف رغم التقدم؟

الشعور بالتخلف ينبع من مقارنة الذات بالآخرين والتعلق المفرط بالدنيا. الحل القرآني يكمن في تغيير الأولويات، التركيز على النمو الروحي، وذكر الله لتحقيق الطمأنينة القلبية.

إجابة القرآن

لماذا أشعر بالتخلف رغم التقدم؟

إن الشعور بالتخلف، على الرغم من الإنجازات والتقدم الشخصي والاجتماعي، هو تجربة شائعة في عالم اليوم. في عصر الاتصالات والعروض المتواصلة للحياة المثالية الظاهرية للآخرين، تبدو المقارنة أمرًا لا مفر منه، ويمكن أن تؤدي إلى الشعور بعدم الكفاية. ولكن هل لهذه المشاعر جذور أعمق أشار إليها القرآن الكريم؟ وهل معيارنا لـ "التقدم" و "التخلف" هو معيار إلهي أم دنيوي بحت؟ يتناول القرآن الكريم، بفهم عميق لطبيعة الإنسان وهدف الحياة، ويمكنه أن يساعدنا في فهم هذا الشعور والتغلب عليه. من التعاليم الأساسية في القرآن التفريق بين النجاح الظاهري في الدنيا والخلاص الحقيقي الأبدي. كثير منا، دون وعي، يقيس التقدم بالمعايير المادية والاجتماعية السائدة: وظيفة أفضل، دخل أعلى، ممتلكات فاخرة، شبكات اجتماعية أوسع، وشهرة. بينما قد تكون هذه جزءًا من الحياة، يحذرنا القرآن من أنها ليست الهدف الأساسي، والتشبث بها يمكن أن يؤدي إلى اليأس والشعور بالفراغ. يوضح الله تعالى هذا المعنى بجمال في سورة الحديد، الآية 20: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ." هذه الآية تبين أن الحياة الدنيا مجرد لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد. هذا الوصف يوضح بجلاء أن المعيار الأساسي للدنيا هو التفاخر والتكاثر، مما قد يؤدي إلى الشعور بالمنافسة والتخلف، حتى لو كنا نحرز تقدمًا. جذر العديد من هذه المشاعر هو المقارنة. في عالم نعرض فيه باستمرار أفضل لحظات حياة الآخرين، نقارن أنفسنا بهم دون وعي، وهذه المقارنة غالبًا ما تكون غير عادلة. نحن نرى فقط ظاهر حياة الآخرين ونجهل ما وراء الستار من معاناتهم ومشاكلهم. يحذرنا القرآن في سورة النساء، الآية 32، صراحة من مثل هذه المقارنات: "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا." أي: ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض. للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن. واسألوا الله من فضله. إن الله كان بكل شيء عليمًا. تعلمنا هذه الآية أن لكل إنسان رزقه ونعمه الخاصة به، ويجب ألا نطمع فيما يملكه الآخرون. التركيز على فضل الله والسعي لكسب الرزق الحلال، بدون حسد أو مقارنة، هو مفتاح السلام الداخلي. الحل القرآني للتغلب على هذا الشعور هو تغيير نظرتنا إلى الحياة وترتيب أولوياتنا. إذا كان هدفنا الأساسي هو رضا الله، والنمو الروحي، وجمع الزاد للآخرة، فإننا سنرى التقدم الحقيقي في الأعمال الصالحة، والأخلاق الحميدة، والعلم النافع، وخدمة الخلق. في سورة الأعلى، الآيتين 16 و 17، جاء: "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ." أي: بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى. تؤكد هذه الآيات أن التعلق المفرط بالدنيا ونسيان الآخرة يمنع من الوصول إلى السعادة الحقيقية. عندما يكون تركيزنا على الأبدية ورضا الله، فإن الإنجازات الدنيوية، وإن كانت مهمة، تتخذ مكانة ثانوية، وفقدانها أو قلتها لم يعد يؤدي إلى الشعور بالتخلف. علاوة على ذلك، فإن الطمأنينة القلبية، وهي نقيض الشعور بالتخلف، لا تتحقق إلا بذكر الله. يقول سبحانه في سورة الرعد، الآية 28: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ." أي: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله. ألا بذكر الله تطمئن القلوب. تقدم هذه الآية علاجًا قاطعًا للقلق والهم وأي شعور بعدم الكفاية. عندما يطمئن القلب بذكر الله، تتلاشى القيم الخارجية، ويصل الفرد إلى شعور بالغنى الداخلي الذي لا يمكن لأي تقدم مادي أن يحل محله. ذكر الله، والشكر على النعم الموجودة، والقناعة بما لدينا، يمكن أن يكون حاجزًا كبيرًا ضد فخ المقارنة والشعور بالتخلف. في الختام، إن الشعور بالتخلف على الرغم من التقدم الدنيوي، هو ناقوس خطر يدعونا إلى إعادة تقييم قيمنا وأهدافنا. يعلمنا القرآن أن المعيار الحقيقي للنجاح ليس في التنافس مع الآخرين على متاع الدنيا، بل في التنافس مع أنفسنا للتقرب إلى الله وكسب رضاه. كل يوم نخطو فيه خطوة نحو معرفة أكبر، وأخلاق أفضل، وعمل صالح، هو تقدم حقيقي، حتى لو لم يره أحد أو لم يلقَ الثناء. هذا المسار هو مسار السلام، والقناعة، والرضا الداخلي الذي يتجاوز أي تقدم ظاهري ويتحقق فقط بالاعتماد على التعاليم الإلهية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلًا كان يمر بحي الفقراء وهو في حالة من الكرب. كان يقول لنفسه: "يا للحسرة، لماذا لا أملك ثروة وممتلكات مثل فلان؟ لماذا حياتي بسيطة وخالية من الرفاهية؟" وبينما هو غارق في هذه الأفكار، صادف امرأة عجوزًا كانت، على الرغم من فقرها وضعفها، تبتسم وتذكر الله بصمت. سألها الرجل: "يا أمي، مع كل هذا الفقر والشيخوخة، كيف أنتِ هادئة وسعيدة هكذا؟" فأجابت العجوز: "يا بني، السعادة والهدوء ليسا فيما تملك، بل فيما لا تكون وما لا ترغب فيه. أنا راضية بما أعطاني الله، ولا أتعلق قلبي بما لم يعطني. أليس أفضل أن يكون قلبي خاليًا من حب الدنيا حتى لا يتألم لعدم امتلاكها؟" أدرك الرجل من هذا القول أن التقدم الحقيقي هو سلامة القلب والرضا بقضاء الله، وليس جمع ممتلكات الدنيا.

الأسئلة ذات الصلة