لماذا أشعر دائمًا أنني قليل الأهمية للآخرين؟ القيمة الإنسانية الحقيقية في منظور القرآن

الشعور بالضآلة يتناقض مع القرآن، الذي يؤكد كرامة الإنسان المتأصلة من الله، وأن القيمة الحقيقية تكمن في التقوى وعلاقة الفرد بالله، لا في تأييد الآخرين. التركيز على عبادة الله والأعمال الصادقة يجلب السلام الداخلي والأهمية الحقيقية.

إجابة القرآن

لماذا أشعر دائمًا أنني قليل الأهمية للآخرين؟ القيمة الإنسانية الحقيقية في منظور القرآن

الشعور بالضآلة أو التجاهل من قبل الآخرين هو تجربة إنسانية شائعة ومؤلمة أحيانًا، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على تقدير الذات والراحة الداخلية. غالبًا ما يزداد هذا الإحساس عندما يسعى الإنسان إلى إيجاد قيمته وتأكيده بشكل أساسي من مصادر خارجية، لا سيما آراء الآخرين واعترافهم. ومع ذلك، يقدم القرآن الكريم، بنظرته العميقة والشاملة لمكانة الإنسان، إطارًا مختلفًا جذريًا لفهم القيمة الحقيقية للإنسان، يمكن أن يكون بلسمًا لهذا الانزعاج الداخلي. ففي منظور القرآن، لا تتوقف قيمة الفرد على موافقة الآخرين؛ بل تتجذر في الخلق الإلهي، والهدف الأسمى لوجوده، وأفعاله. النقطة الأولى والأكثر أهمية التي يؤكد عليها القرآن هي الكرامة المتأصلة والقيمة العظيمة لكل إنسان. يقول الله تعالى في سورة الإسراء (17:70): «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»؛ أي: «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا». هذه الآية تعلن بشكل لا لبس فيه أن البشرية، بطبيعتها الجوهرية، بغض النظر عن الوضع الاجتماعي أو الثروة أو الجمال أو أحكام الآخرين، هي خلق كريم ومحترم، أنعم الله عليها بكرامة متأصلة. تشمل هذه الكرامة صفات إنسانية فريدة مثل العقل، والإرادة الحرة، والقدرة على التمييز بين الحق والباطل، والقدرة على اختيار مسار حياتهم. لذلك، فإن الخطوة الأولى نحو تحرير النفس من مشاعر الضآلة هي فهم هذه الحقيقة القرآنية الأساسية: لقد خُلقت ذا قيمة ومحترمًا منذ البداية، ولا يمكن لأي إنسان، من خلال سلوكياته أو تصوراته السلبية، أن يسلبك هذه القيمة المتأصلة. علاوة على ذلك، يقدم القرآن معيارًا دقيقًا لقياس التفوق والأهمية الحقيقية: التقوى. في سورة الحجرات (49:13)، يعلن الله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»؛ أي: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير». هذه الآية تنص صراحة على أن معيار الشرف والأهمية في نظر الله ليس العرق ولا المال ولا الجمال ولا المكانة الاجتماعية، بل هو التقوى. لا تشمل التقوى الامتناع عن الذنوب فحسب، بل تجسد أيضًا النزاهة الأخلاقية، وأداء الأعمال الصالحة، والصدق، والعدل، وخدمة الإنسانية. وكلما تقدم الفرد في طريق التقوى واقترب من الله، زادت قيمته الحقيقية في نظر الخالق، حتى لو ظلت هذه القيمة غير معترف بها في العالم السطحي. هذا المنظور الإلهي يحرر الأفراد من الأحكام المتقلبة والسطحية للمجتمع، ويمنحهم سلامًا داخليًا عميقًا. بالإضافة إلى ذلك، يحدد القرآن الهدف الأسمى لخلق الإنسان بعبادة الله وخدمته. في سورة الذاريات (51:56)، ورد: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»؛ أي: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». هذه العبودية تعني الخضوع الكامل للإرادة الإلهية والوفاء بالواجبات الفردية والمجتمعية. عندما يضع الإنسان هدف حياته ومعناها ضمن هذا الإطار الإلهي، فإنه لم يعد بحاجة إلى تأكيد مستمر من الآخرين. فهو يدرك أن أهم جمهور ومراقب لأفعاله هو الله، وأن اهتمام الله وحده يكفيه. هذا التركيز على علاقة الفرد بالله يقوي الهوية الداخلية والثقة بالنفس. عندما تستمد قيمتك من الخالق القوي الرحيم اللانهائي، فإن التجاهل المتصور أو عدم الأهمية من البشر سيكون له تأثير ضئيل عليك. يؤكد القرآن أيضًا على علم الله المطلق، مؤكدًا أن أي عمل، مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، لا يخفى عن علمه. ففي سورة الزلزلة (99:7)، يقول: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ»؛ أي: «فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره». هذا يعني أن كل عمل صالح تقوم به، وكل خطوة إيجابية تخطوها، وكل جهد تبذله لنمو نفسك أو لمساعدة الآخرين، حتى لو لم يلاحظه أو يقدره البشر، مسجل وسيكافئه الله. هذا الوعي الإلهي مريح للغاية، فهو يطمئن الأفراد بأنهم حتى في أكثر لحظاتهم خصوصية ومساعيهم غير المعترف بها، هم ذوو قيمة وملاحظون. لذلك، بدلاً من التركيز على التوقعات أو الأحكام البشرية، التي تتغير باستمرار وغير كاملة، يجب على المرء أن يوجه نظره نحو نيل رضى الله تعالى. هو وحده يعلم قيمتك الحقيقية ويقدر جهودك. هذا التحول في المنظور لا يزيل مشاعر الضآلة فحسب، بل يغرس في الحياة معنى وهدفًا أعلى، ويرشدك على طريق النمو والكمال. ختامًا، إذا كنت تعاني من مثل هذه المشاعر، فتذكر أن هذا قد يكون اختبارًا من الله، يهدف إلى قيادتك إلى فهم أعمق لقيمتك الحقيقية والاعتماد عليه. بدلاً من الانشغال بمكانتك في نظر الآخرين، ركز على تقوية علاقتك بالله، وأداء واجباتك بنوايا خالصة، وخدمة خلقه. وبذلك، ستجد سلامًا داخليًا وثقة لا يمكن لأي شعور بالضآلة من الآخرين أن يزعزعها. قيمتك الحقيقية في يد خالقك، وقد خلقك ثمينًا ومهمًا.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في يوم من الأيام، في مدينة قديمة، عاش درويش بسيط القلب ومتواضع. كان أهل المدينة، الذين غالبًا ما ينشغلون بالمظاهر والثروة، لا يولون اهتمامًا كبيرًا له، بل وأحيانًا يتجاهلونه تمامًا. لكن هذا الدرويش لم يحزن أبدًا بسبب لامبالاتهم. لم يكن يسعى لمدح الناس ولا يخشى لومهم. كل يوم، كان يزاول عمله بجد، ويكد بيديه المتشققتين من أجل رزق حلال، ويقضي لياليه في العبادة والذكر. كان يؤمن بأن منظور الله أوسع وأعمق من أي نظرة أخرى، وأن ما يكمن في القلب ويتم في الخفاء هو وحده الذي يحمل أهمية حقيقية. يقول السعدي: «شخصان عملا عبثًا وسعيا بلا فائدة: أحدهما الذي جمع ولم يأكل، والآخر الذي تعلم ولم يعمل.» بدا هذا الدرويش تجسيدًا لهذه الحكمة؛ لم يرغب في أن يجاهد عبثًا أو أن يربط قيمته بموافقة الناس. مرت السنون، وفي يوم من الأيام، حلت مصيبة عظيمة بالمدينة، لم يعرف أحد لها حلاً. بحث الملك والنبلاء عن حلول لكنهم يئسوا. الدرويش، في غاية الهدوء، أشار على الملك بحل بسيط وصادق، نابع من عمق إيمانه. عند تطبيق نصيحته، انفرجت المصيبة، وأهل المدينة الذين كانوا يعتبرونه من قبل غير مهمين، أدركوا حينها أن الكنز الحقيقي لا يكمن في المظاهر، بل في القلوب النقية المتصلة بالله. في ذلك اليوم، فهم الجميع أن قيمة الإنسان الحقيقية ليست في عيون الآخرين، بل في ذاته وعلاقته بربه.

الأسئلة ذات الصلة