النفور من الأحكام الدينية غالبًا ما ينبع من ضعف الإيمان، ووساوس الشيطان، والتعلق بالدنيا، وقلة فهم حكمتها. بتقوية الإيمان، وطلب العلم، والاستعاذة بالله، يمكن التغلب على هذا الشعور وإيجاد السلام الحقيقي.
الشعور بالنفور أو التردد تجاه بعض الأحكام الدينية هو تجربة إنسانية شائعة وعميقة، ومن الأهمية بمكان أن نتعامل مع هذا السؤال بتعاطف وفهم عميقين، مدركين أن مثل هذه الصراعات هي جزء لا يتجزأ من الرحلة الروحية لكثيرين. القرآن الكريم، بحكمته البالغة، يقدم لنا رؤى ثاقبة حول النفس البشرية والعوامل المختلفة التي قد تدفع الفرد ليشعر بمسافة أو مقاومة تجاه الأوامر الإلهية. من الضروري أن نتذكر أن الإسلام دين يسر لا عسر، كما يقول الله تعالى في سورة البقرة (2:185): «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ». لذا، عندما ينشأ شعور بالنفور، فإنه غالبًا ما يكون بسبب عوامل داخلية أو خارجية تحجب الجمال الكامن والفوائد الجمة لهذه القوانين الإلهية. أحد الأسباب الرئيسية لهذا النفور يمكن أن ينبع من ضعف في الإيمان أو غياب القناعة العميقة بحكمة أو خيرية الأوامر الإلهية المطلقة. فإذا كان إيمان الفرد سطحيًا أو لم يتأصل بعمق في قلبه، فإن أداء الواجبات التي تتطلب جهدًا وانضباطًا ذاتيًا أو تضحية بالمتع الدنيوية الفورية يمكن أن يبدو مرهقًا وغير جذاب. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا على أهمية الإيمان الراسخ والثابت. فعندما يكون الإيمان قويًا، لا تُرى أوامر الله كقيود، بل كإرشادات واضحة لحياة مُرضية، وطريق إلى النقاء الروحي، ووسيلة لكسب رضا الله ومكافأته الأبدية. وبدون هذه القناعة القوية، غالبًا ما تتغلب الرغبات الدنيوية والمكاسب المؤقتة، مما يجعل الالتزامات الدينية تبدو كعقبات بدلًا من فرص. قد يقاوم القلب الذي لم يسلم كليًا لإرادة الله ما يعتبره قيودًا. عامل آخر مهم يساهم في هذا الشعور هو جذابة الحياة الدنيا وملذاتها الزائلة. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا من التعلق المفرط بالعالم المادي، مذكّرًا المؤمنين بأن حياة هذه الدنيا ليست سوى متاع قليل ومؤقت مقارنة بنعيم الآخرة الأبدي. في سورة التوبة (9:24)، يتحدى الله المؤمنين بقوله: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ». توضح هذه الآية بقوة كيف أن تفضيل المتع الدنيوية يمكن أن يضل المرء عن طاعة الله. فعندما يمتلئ القلب بحب المال أو المكانة أو الراحة، تصبح الأوامر التي قد تتطلب التخلي عن بعض هذه الأشياء أو مواجهة صعوبة من أجل الله صعبة القبول والممارسة. علاوة على ذلك، تلعب وساوس الشيطان دورًا حاسمًا في تغذية هذا النفور. الشيطان هو عدو واضح للبشرية، يسعى باستمرار لإبعاد الناس عن الصراط المستقيم. إنه يوسوس بالشكوك، ويكبر الصعوبة المتصورة للأعمال الدينية، ويقلل من مكافآتها، ويزين الإغراءات الدنيوية. يجعل المعصية تبدو جذابة والطاعة صعبة أو غير ذات صلة. يتحدث القرآن عن جهود الشيطان الدؤوبة لإضلال البشرية. على سبيل المثال، في سورة الأعراف (7:27)، يحذرنا الله: «إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ». الاستعاذة بالله من وساوس الشيطان وتعزيز الدفاعات الروحية من خلال ذكر الله المستمر (الذكر) وقراءة القرآن الكريم أمران حيويان في مواجهة تأثيره. كما أن نقص المعرفة والفهم سبب شائع للنفور. فعندما لا يدرك الأفراد الحكمة العميقة والفوائد والفلسفة الأساسية وراء بعض الأحكام الدينية، قد ينظرون إليها على أنها تعسفية أو غير ذات صلة أو حتى مرهقة. الإسلام دين عقلاني وشامل، وأوامره ليست بلا هدف. لقد صممت لخير الأفراد والمجتمع، لتعزيز العدالة، والنقاء، والرحمة، والنمو الروحي. على سبيل المثال، تحريم المسكرات ليس مجرد قيد، بل هو حماية ضد عدد لا يحصى من الأمراض الاجتماعية والأضرار الشخصية. إذا استوعب المرء حقًا الفوائد الشاملة والحكمة من وراء أمر ما، فإن الرغبة في طاعته تزداد بشكل طبيعي. إن طلب العلم الشرعي، والتدبر في القرآن، والتعلم من العلماء العارفين يمكن أن يخفف من هذا النقص في الفهم. أخيرًا، تعتبر الضعف البشري والرغبة في الراحة جوانب متأصلة في طبيعتنا. يعترف الله بهذا في القرآن، قائلًا في سورة النساء (4:28): «وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا». في بعض الأحيان، يمكن أن يبدو الجهد الهائل المطلوب للالتزام المستمر بالواجبات الدينية، مثل الصلوات المنتظمة، والصيام، والحفاظ على الحشمة، مرهقًا في عالم يشجع الإشباع الفوري والعيش بدون جهد. الصراع ضد النفس هو جهاد روحي كبير. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها (سورة البقرة 2:286). إنه يمنح القوة واليسر لمن يسعون بصدق في سبيله. الصبر والمثابرة والدعاء المستمر هي فضائل حاسمة في التغلب على هذه النقاط الضعف البشرية المتأصلة. رحلة الإيمان هي عملية مستمرة من التطهير وتحسين الذات، ويمكن أن يكون النفور العرضي علامة على الحاجة إلى تأمل أعمق وجهد متجدد. من خلال رعاية الإيمان، وطلب العلم، ومقاومة الإغراءات، والاعتماد على قوة الله، يمكن للمرء أن يحول النفور إلى خضوع عميق ويجد سلامًا عظيمًا في الالتزام بالأوامر الإلهية.
يُروى أن رجلًا تقيًا كان يسلك طريقًا وعرًا، ويشكو من مشقته ومصاعبه. فرآه رجل حكيم، وقال له بنبرة دافئة وأبوية: «يا أيها الرجل الصالح، لا تظن أن الطريق المستقيم والخيري يكون سهلًا دائمًا. ففي بعض الأحيان، يجب أن تمر عبر الأشواك لتصل إلى الورود، ويجب أن تتخطى الصعوبات لتنال السلام الحقيقي. إذا أفرغت قلبك من الشك والتردد، وأثبت قدميك على طريق الحق، فسوف ترى أنه مهما بدا الأمر صعبًا، فإن وراءه راحة وسكينة أعظم. مثل الدواء المر الذي يشفي الروح، قد تبدو أحكام الدين صعبة في الظاهر، ولكن جوهرها هو شفاء الروح والسعادة الأبدية.» فاستلهم الرجل التقي من هذه الكلمات، وواصل طريقه بعزيمة أقوى، وسرعان ما ذاق حلاوة الوصول، ووجد السلام الحقيقي في اتباع الأوامر الإلهية.