لماذا أشعر أحيانًا بالفراغ بلا سبب؟

الشعور بالفراغ غالبًا ما يكون علامة على البعد عن الغاية الأساسية للخلق وذكر الله. السكينة الحقيقية تتحقق بذكر الله، والتوجه نحو الهدف الأسمى للحياة، وترسيخ الشكر وخدمة الخلق.

إجابة القرآن

لماذا أشعر أحيانًا بالفراغ بلا سبب؟

سؤالك حول الشعور بالفراغ بلا سبب يلامس واحدة من أعمق التجارب الإنسانية وأكثرها شيوعًا، وهي قضية تبدو منتشرة بشكل متزايد في العصر الحديث. بينما تُفسّر هذه المشاعر بطرق مختلفة في الثقافات المتنوعة، إلا أن المنظور القرآني يقدم لها جذورًا محددة وحلولًا شاملة. إن القرآن الكريم يُعرّف الإنسان ككائن يتمتع بروح وفطرة إلهية، يسعى بطبيعته إلى الكمال والسكينة المطلقة. الشعور بالفراغ، في جوهره، هو جرس إنذار من فطرتنا يشير إلى أن هناك شيئًا أساسيًا مفقودًا في حياتنا، حتى لو بدونا نمتلك كل شيء ظاهريًا ونعيش في رغد من العيش. هذا الفراغ الداخلي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالبعد الروحي لوجود الإنسان، وغالبًا ما يظهر عندما يغفل الإنسان عن الهدف الأساسي لخلقه، ويركز فقط على تلبية الاحتياجات المادية والسطحية. من وجهة نظر القرآن، الهدف الأساسي لخلق الإنسان هو معرفة الله وعبادته. سورة الذاريات، الآية 56، تقول: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»؛ هذه الآية تحدد خريطة الطريق لحياة الإنسان، وتوضح أن وجودنا له غاية أسمى تتجاوز الأكل والشرب والملذات العابرة للحياة الدنيا. عندما يبتعد الإنسان عن هذا الهدف الأساسي، ويقتصر حياته على السعي وراء الملذات المادية، أو جمع الثروة بلا حدود، أو السلطة، أو الشهرة، فإنه يتملك تدريجيًا إحساس بالفراغ وانعدام المعنى. هذه الملذات، على الرغم من أنها تبدو جذابة ومليئة بالحيوية في البداية، وربما تصرف الانتباه مؤقتًا، إلا أنها بسبب طبيعتها العابرة والمحدودة، لا تستطيع إرواء العطش اللامتناهي للروح البشرية نحو الكمال المطلق، وفي نهاية المطاف، تجلب الفراغ والملل بدلاً من الطمأنينة. عندها يشعر الفرد بالخواء رغم امتلاكه لكل شيء. يؤكد القرآن صراحة أن السكينة الحقيقية والدائمة تتحقق فقط بذكر الله. ففي سورة الرعد، الآية 28، نقرأ: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». هذه الآية هي المفتاح الذهبي لمواجهة الشعور بالفراغ والوصول إلى الطمأنينة القلبية. «ذكر الله» لا يعني فقط التسبيح والدعاء أو مجرد النطق بكلمات؛ بل يشمل كل أشكال الانتباه والحضور القلبي لله في جميع جوانب الحياة: تلاوة القرآن بتدبر وفهم معانيه، والتأمل في آيات الله في الكون وفي النفس (الآيات الآفاقية والأنفسية)، وأداء العبادات بحضور قلب وخشوع، والالتزام بالمبادئ الأخلاقية والعدالة في التعاملات الاجتماعية، ومساعدة خلق الله وسد حاجاتهم. عندما يضع الإنسان نفسه في هذا المسار ويقوي علاقته بالخالق من عمق وجوده، يمتلئ هذا الفراغ الداخلي تدريجيًا، ويحل سلام مستقر وعميق محل القلق والحيرة والفراغ. سبب آخر للشعور بالفراغ هو الغفلة عن حقيقة الدنيا ونسيان الآخرة. يصف القرآن الدنيا بأنها مزرعة للآخرة وجسر للوصول إلى الحياة الأبدية، ويشير إلى عدم استقرارها وفتنتها. ففي سورة العنكبوت، الآية 64، ورد: «وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ». عندما يُبالغ الإنسان في تقدير قيمة الدنيا ويُكرس كل جهده لتحقيقها وينسى الآخرة، فإنه يعاني من اليأس والفراغ عند زوالها وعدم استقرارها. بينما الإيمان بالآخرة وتحديد رضا الله كهدف أسمى، يمنح كل لحظة من الحياة معنى عميقًا ويمنع العبثية والفراغ. بهذه الرؤية، يجد الإنسان، حتى في مواجهة الصعوبات والمشاكل، معنىً ساميًا فيها، ويرى أنها أدوات للنمو والقرب من الله، لا أسبابًا للفراغ واليأس. وهذا المنظور يمنح الإنسان قوة التحمل والأمل. إضافة إلى ذلك، ينشأ الشعور بالفراغ أحيانًا من عدم الشكر وقلة التقدير للنعم الإلهية التي لا تعد ولا تحصى. عندما يركز الإنسان فقط على النواقص وما يفتقر إليه، متجاهلاً الكم الهائل من النعم التي يمتلكها (الصحة، العائلة، الأمان، وما إلى ذلك)، فإن شعورًا بالفراغ وعدم الرضا يتملكه. يؤكد القرآن مرارًا على الشكر، ويعتبره وسيلة لزيادة النعم وطمأنينة القلب. (سورة إبراهيم، الآية 7: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ...»). وأخيرًا، قد تسبب مواجهة المشاكل وامتحانات الحياة شعورًا مؤقتًا بالفراغ. يؤكد القرآن الكريم أن الحياة هي ميدان ابتلاء إلهي، وكل إنسان يتعرض للاختبار بشكل أو بآخر (سورة البقرة، الآية 155: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»). في مثل هذه الأوقات، اللجوء إلى الصبر والصلاة والتوكل على الله، هو السبيل للخروج من هذا الشعور. سورة البقرة، الآية 153، تقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ». هذه الآيات تُظهر أن المشاكل جزء لا يتجزأ من الحياة، وبالمقاربة الصحيحة، يمكن تحويلها إلى فرص للنمو وتعميق معنى الحياة، لا إلى مصادر للفراغ واليأس. هذا المنظور يمنح الأفراد القدرة على الصمود والأمل. للتحرر من هذا الشعور، تشمل الاقتراحات العملية المستندة إلى تعاليم القرآن ما يلي: 1. تقوية الصلة بالله: من خلال الصلوات الخاشعة، وتلاوة القرآن وتدبره، والدعاء والمناجاة، والذكر الدائم والواعي في جميع الأحوال. 2. إعادة تقييم أهداف الحياة: التأكد من أن أهدافك تتجاوز الماديات وتتسق مع الهدف الأساسي للخلق (نيل رضا الله). وضع الأهداف ذات المعنى يمنح الحياة اتجاهًا. 3. خدمة الخلق: مساعدة الآخرين، ومد يد العون للمحتاجين، والقيام بالأعمال الخيرية، يجلب شعورًا بالقيمة والاتصال والمعنى للحياة، مما يقلل من مشاعر الفراغ. 4. التفكير والتدبر: التأمل في عظمة الخلق والآيات الإلهية في الطبيعة وفي ذات الإنسان، يمكن أن يوقظ شعورًا بالدهشة والعجب والمعنى، ويرفع الإنسان فوق القيود الدنيوية. 5. المداومة على الشكر: تدوين قائمة النعم والتركيز على ما تملك بدلاً مما تفتقر إليه، يغير منظور الإنسان بشكل إيجابي وينقذه من الغرق في الفراغات. 6. الصبر والتوكل في مواجهة المشاكل: قبول الصعوبات كجزء من مسار الحياة والتوكل على الله لتجاوزها، مع فهم أن كل شدة تحمل حكمة. بهذا النهج الشامل، يمكن للإنسان أن يدرك المعنى الحقيقي للحياة ويحول الشعور بالفراغ إلى سكينة ورضا داخليين دائمين. هذا مسار دائم يتطلب جهدًا ومثابرة، لكن ثمرته هي السكينة التي لا يستطيع أي شيء آخر أن يحل محلها؛ سكينة تنبع من الداخل ولا تتأثر بمرور الوقت أو تغير الظروف الخارجية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

جلس درويش ذات يوم على ضفة نهر، وقد غسل ثيابه، ونفسه في سلام، وقلبه متحرر من الدنيا. مر ملك من هناك ومعه حاشيته وكل بهائه وجلاله، فرأى الدرويش جالسًا بهذه السكينة، غير مبالٍ ببريق الدنيا. خاطبه الملك قائلًا: "أيها الدرويش، ما بك تجلس هكذا غافلًا عن الدنيا؟ ألا تخشى مصاعب الدهر والحاجات؟" ابتسم الدرويش وقال: "أيها الملك، خوفي الوحيد هو من أي شيء يلهيني عن ذكر ربي. أنت، بكل ثروتك ومكانتك وعظمتك، ربما تقضي لياليك بلا نوم خوفًا من الزوال وحسد الأعداء. أما أنا، بقلب جائع وجسد عارٍ، فأنا مرتاح كأنني أمتلك كنوز العالم. فالكنز الحقيقي في القلب، ومن يجد السكينة في الله، لا يحتاج إلى كنوز الأرض. وما جعلني مستغنيًا ليس الذهب أو الفضة، بل ذكره واسمه، ولا شيء سواه." تأمل الملك في كلمات الدرويش، وأدرك أن السلام الحقيقي يكمن في الاستغناء عن متاع الدنيا والاتصال بالخالق، وليس في جمعها.

الأسئلة ذات الصلة