لماذا أشعر أحيانًا بعدم الجدوى؟

يؤكد القرآن أن الإنسان خُلق لغاية نبيلة ويتمتع بكرامة متأصلة. كل عمل صالح، مهما صغر، له قيمة عظيمة، والتوكل على الله وذكره يجلب الطمأنينة والمعنى، متغلبًا على مشاعر عدم الجدوى.

إجابة القرآن

لماذا أشعر أحيانًا بعدم الجدوى؟

الشعور بعدم الجدوى هو تجربة إنسانية عميقة، ومؤلمة أحيانًا، يمر بها الكثير منا على مدار حياتهم. يمكن أن ينبع هذا الإحساس من عوامل مختلفة، بما في ذلك مقارنة الذات بالآخرين، والضغوط الاجتماعية، والفشل في تحقيق الأهداف، أو مواجهة تحديات الحياة الحتمية. ولكن من منظور القرآن الكريم، هذا الشعور هو في الأغلب سوء فهم للمكانة الحقيقية للإنسان والهدف الأسمى من الخلق. فالقرآن يوضح بجلاء ووضوح القيمة التي لا تقدر بثمن للإنسان وهدفه النبيل، ويقدم حلولاً عميقة للتغلب على هذه المشاعر المدمرة. النقطة الأولى والأكثر أهمية التي يؤكد عليها القرآن هي الهدفية من خلق الإنسان. في آيات عديدة، يوضح الله سبحانه وتعالى أن الإنسان لم يُخلق عبثًا. ففي سورة الذاريات، الآية 56، يقول تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ». هذه الآية المحورية تدل على أن وجودنا له غاية سامية وإلهية: عبادة الله. ولكن العبادة في الإسلام لا تقتصر فقط على أداء الشعائر والفرائض؛ بل كل عمل يُؤدى بنية خالصة ابتغاء مرضات الله يمكن أن يُعتبر عبادة. وهذا يشمل طلب العلم، والعمل بجد لكسب الرزق الحلال، ومساعدة الآخرين، والإحسان إلى الوالدين، وحتى الابتسامة البسيطة. عندما يدرك الإنسان أن كل لحظة من حياته يمكن أن تتحول إلى عمل عبادي، وأنه يؤدي دورًا حيويًا في الخطة الإلهية للخلق، فإن شعور عدم الجدوى يفسح المجال لشعور عميق بالهدف والقيمة الذاتية. حتى عندما يكون الفرد غير قادر على القيام بمهام عظيمة بسبب المرض أو الشيخوخة أو ظروف معينة، فإن مجرد وجوده وارتباطه القلبي بالله يحمل قيمة هائلة. جوهر الإيمان والسعي الجاد لنيل رضا الله يمنح الحياة معنى واتجاهًا. النقطة الثانية هي الكرامة والشرف الكامنين في الإنسان. يقول الله تعالى في سورة الإسراء، الآية 70: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا». هذه الآية تؤكد بوضوح أن البشر كائنات مكرمة بالفطرة. هذه الكرامة هبة إلهية، لا ترتبط بالنجاحات الدنيوية، أو المكانة الاجتماعية، أو الثروة، أو حتى القدرات الجسدية. مجرد كونك إنسانًا هو نعمة عظيمة. عندما يشعر الشخص بعدم الجدوى، فقد يكون قد غفل عن هذه الكرامة المتأصلة أو نسيها. القرآن يذكرنا بأننا خُلقنا بيد الله القادرة، ونُفخت فينا روحه؛ فكيف يمكن أن نكون بلا قيمة؟ هذا الوعي الذاتي بقيمة الوجود يشكل حجر الأساس للتغلب على مشاعر عدم الجدوى. فكل إنسان، بغض النظر عن ظروفه الخارجية، يمتلك قيمة إلهية لا ينبغي الاستهانة بها أو التقليل من شأنها. النهج القرآني الثالث لمواجهة مشاعر عدم الجدوى هو التركيز على مفهوم الابتلاء والامتحانات في الحياة. يصف القرآن الحياة الدنيا بأنها دار اختبار وابتلاء. في سورة البقرة، الآية 155، يقول الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ». المشاكل والتحديات، وحتى لحظات الضعف والعجز، هي جزء لا يتجزأ من هذا الاختبار الإلهي. وشعور عدم الجدوى نفسه يمكن أن يكون جزءًا من هذا الابتلاء، المصمم لقياس صبرنا وتوكلنا وثباتنا. من هذا المنظور، حتى اللحظات الصعبة والتحديات يمكن أن تصبح مصادر للنمو والارتقاء الروحي، وليست أسبابًا للشعور بعدم القيمة. فكل خطوة نخطوها في مواجهة الصعاب، وكل نية صادقة نتحلى بها لتجاوزها، تُسجل في ميزان الله وتزيد من قيمتنا. هذا المنظور يحدث تحولاً عميقًا في نظرتنا إلى الصعوبات، ويحولها إلى فرص للإثراء الروحي. النقطة الرابعة المهمة هي عدم الاستخفاف بالعمل الصالح وتجنب اليأس. أحيانًا ينشأ الشعور بعدم الجدوى لأننا نعتقد أن مساهماتنا ليست كبيرة بما يكفي أو تفتقر إلى التأثير المطلوب. يؤكد لنا القرآن، في سورة الزلزلة، الآيات 7 و 8: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ». هذه الآيات توفر راحة نفسية هائلة، مؤكدة أن أي عمل صالح، مهما كان ضئيلاً، لا يغيب عن علم الله ويحتفظ بقيمته الكاملة. ابتسامة، كلمة طيبة مشجعة، دعاء خالص للغير، أو حتى فكرة إيجابية، يمكن أن تكون ذات قيمة عميقة. لذلك، لسنا بحاجة لأداء إنجازات خارقة لنشعر بالقيمة؛ بل هذه الأعمال اليومية الصغيرة التي تُؤدى بنوايا خالصة يمكن أن تمنح حياتنا معنى عميقًا. علاوة على ذلك، ينهى القرآن بشدة عن اليأس والقنوط. ففي سورة الزمر، الآية 53، يقول تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيرًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». هذه الآية لا تنطبق فقط على الذنوب، بل على أي شكل من أشكال اليأس، بما في ذلك اليأس من قدراتنا وقيمتنا الذاتية. رحمة الله لا حدود لها، وقد ترك دائمًا الباب مفتوحًا لعباده للعودة واستعادة قيمتهم. أخيرًا، التواصل مع الله وذكره يعمل كترياق قوي لمشاعر عدم الجدوى. فالقرآن، في سورة الرعد، الآية 28، يقول: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». عندما يغفل القلب عن ذكر الله، قد ينشأ فراغ يمكن أن يُملأ بأفكار سلبية مثل عدم القيمة. ذكر الله، سواء من خلال الصلاة، أو الدعاء، أو تلاوة القرآن، أو التفكر في الخلق، أو أي شكل من أشكال تذكر الوجود الإلهي، يمنح القلب الطمأنينة ويربط الفرد بجوهر وجوده وهدفه الأساسي. هذا الاتصال هو مصدر لا ينضب للمعنى والدافع الذي يزيل مشاعر عدم الجدوى. كلما تسرب إلينا إحساس بعدم الجدوى، يجب أن نلجأ إلى هذه الآيات ونتذكر أننا مخلوقات قيمة لله، ولنا هدف نبيل، وأن كل جهد صغير نبذله هو عظيم في عينه. بالتوكل على الله، والصبر، والجهد المستمر، يمكننا التغلب على هذا الشعور وأن نعيش حياة ذات معنى وإنجاز.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في گلستان سعدي أن درويشاً، على الرغم من فقره وحاجته، لم يشكُ قط من فقره وكان دائم الشكر. في أحد الأيام، رآه ملك وسأله: "أيها الدرويش، كيف أنت مسرور على هذا الحال؟" فأجاب الدرويش: "أيها الملك، أنا لست عديم الجدوى. ففي كل صباح أستيقظ، أعلم أن لدي يدين للدعاء وقلباً لذكر الله. ورغم أنني لا أملك كنوزًا، إلا أنني أمتلك كنزًا من الإيمان والقناعة لا يملكه أي ملك. فقيمة الإنسان تكمن في أعماله الصالحة ونيته الطاهرة، لا في ممتلكاته." أخذ الملك العبرة من كلامه وأدرك أن السلام الحقيقي يكمن في الداخل وفي الشعور بالهدف، وليس في بريق الدنيا.

الأسئلة ذات الصلة