لماذا تتغير النوايا؟

تتغير النوايا بسبب وسوسة الشيطان، والتعلق بزينة الدنيا، وميول النفس الأمارة بالسوء، وضعف الإيمان. للثبات على النية الصالحة، يجب السعي الدائم في طريق الله وتجنب المؤثرات السلبية.

إجابة القرآن

لماذا تتغير النوايا؟

تعتبر مسألة النية وتغيرها من القضايا العميقة والمهمة في فهم النفس البشرية والمسار الروحي ضمن إطار التعاليم القرآنية. القرآن الكريم، وإن لم يتناول بشكل مباشر قائمة أسباب تغير النوايا، إلا أنه يقدم إطاراً شاملاً لفهم هذه الظاهرة من خلال وصفه الدقيق للطبيعة البشرية، والتأثيرات الخارجية، والصراعات الداخلية. النية في الإسلام ليست مجرد فكرة عابرة، بل هي العزم القلبي وتوجّه الروح نحو فعل معين، وقيمة أعمال الإنسان تتوقف على نيته. وقد تجسد هذا المبدأ الأساسي في الحديث النبوي الشريف: "إنما الأعمال بالنيات". لذا، فإن فهم سبب تغير النوايا أمر حيوي لكل مسلم يسعى للتقرب من الله وتصحيح أعماله. أحد أهم العوامل التي يشير إليها القرآن الكريم ولها تأثير كبير في تغير النوايا وتزعزعها، هو وسوسة الشيطان ومكره. الشيطان، العدو اللدود للإنسان، يسعى بشتى الطرق إلى إفساد القلب وتشويه نية الإنسان. فهو يلقي في النفس الخوف من الفقر ليثبط الإنسان عن الإنفاق في سبيل الله، أو يزين له المعصية ليجذب النية الطاهرة نحو الفساد. القرآن الكريم يشير بوضوح إلى هذا الدور التخريبي للشيطان في آيات عديدة. فعلى سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية ٢٦٨، يقول تعالى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالبخل ويحسن لكم الفواحش، والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً واسعاً، والله واسع الفضل والعلم). هذه الآية تبين كيف أن الشيطان بوعوده الكاذبة وتخويفه من عواقب وهمية، يضعف النوايا الحسنة ويدفع الإنسان نحو المعصية. فنيه مساعدة المحتاج، قد تتحول إلى نية الاحتفاظ بالمال للنفس بسبب وسوسة الفقر والحاجة. العامل الثاني هو الانبهار بالحياة الدنيا وزينتها. القرآن يحذر مرارًا من طبيعة الدنيا الفانية والزائلة، ومخاطر التعلق بها. فعندما ينشغل قلب الإنسان بمتاع الدنيا الزائل - سواء كان مالاً، أو سلطة، أو شهرة - فإن نواياه الخالصة التي كانت موجهة للآخرة ورضا الله، تتغير تدريجياً لتصبح ذات طابع دنيوي. فهدف العبادة قد يتحول من طلب رضا الله إلى الرياء وجلب انتباه الناس، أو قد تتحول نية خدمة الخلق إلى سعي لكسب الشهرة والنفوذ. في سورة الحديد، الآية ٢٠، يعبر الله عن هذه الحقيقة بقوله: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۚ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل مطر أعجب الزراع نباته، ثم ييبس فتراه مصفرًا، ثم يصير حطامًا متكسرًا. وفي الآخرة عذاب شديد للمتكاثرين بها، ومغفرة من الله ورضوان لمن لم يتكاثر بها. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور). هذه الآية توضح بجلاء كيف أن الانشغال بالجوانب السطحية والفانية من الدنيا يمكن أن يحرف نوايا الإنسان الأساسية ويبعدها عن مسار الحق. العامل الثالث وربما الأكثر جذرية هو ضعف النفس وميول النفس الأمارة بالسوء. الإنسان يمتلك نفساً تميل إلى الراحة والشهوات والغرور. هذه النفس تدفع الإنسان باستمرار نحو الذنوب والأنانية، ويمكنها أن تغير النوايا الحسنة التي نشأت من فطرته النقية. الآية ٥٣ من سورة يوسف تشير إلى هذه الحقيقة المؤلمة: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (وما أبرئ نفسي من الميل إلى السوء؛ إن النفس لكثيرة الأمر بالسوء، إلا ما رحم ربي، فوفقها لطاعته. إن ربي غفور رحيم لمن تاب وأناب). إن الصراع مع هذه النفس المتمردة يسمى الجهاد الأكبر، وفي هذا الصراع، تتعرض النوايا باستمرار للاختبار والتغيير. أحياناً يبدأ الإنسان عملاً بنية خالصة، ولكن بسبب ضعف النفس أو التعب في المسير، تضعف نيته الأصلية وتحل محلها أهداف دنيوية أو حب الشهرة. ضعف الإيمان واليقين هو أيضاً من الأسباب التي تؤدي إلى تزعزع النوايا. فكلما ضعف إيمان الإنسان، أصبح قلبه أكثر عرضة للوساوس والتعلق بالدنيا. الفرد الذي لديه إيمان قوي يكون ثابتاً في مساره وتكون نواياه أقوى؛ أما من كان إيمانه ضعيفاً، فإن نواياه تتغير مع كل ريح وعاصفة، وقد ينحرف عن الصراط المستقيم. القرآن يؤكد مراراً على أهمية تقوية الإيمان والتوكل على الله، فهما درع الإنسان ضد التغيرات السلبية في النوايا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر تجارب الحياة والابتلاءات الإلهية على النوايا. في بعض الأحيان يبدأ الإنسان عملاً بنية خالصة، لكنه عندما يواجه المشاكل أو الفشل أو حتى النجاحات المفاجئة، تتغير نيته. يمكن أن يكون هذا التغيير إيجابياً (مثل زيادة الصبر والثبات) أو سلبياً (مثل اليأس أو الغرور). يقول الله في القرآن إنه يختبر عباده بالخير والشر ليكشف حقيقة نواياهم. في الختام، يجب أن نقر بأن قلب الإنسان، بحكم طبيعته الوجودية، يتغير باستمرار. هذه التغيرات قد تكون إيجابية أو سلبية. ودور المؤمن في هذا السياق هو أن يحافظ على نقاء نواياه ويوجهها نحو رضا الله باستمرار، من خلال ذكر الله، وطلب الثبات منه بالدعاء، والاستقامة على الحق، والابتعاد عن الذنوب والعوامل المغرية. هذا جهد مستمر وصراع داخلي يستمر حتى آخر لحظات الحياة. وبالتالي، فإن تغير النوايا ليس أمراً طبيعياً فحسب، بل هو جزء من ديناميكية الروح والابتلاء الإلهي، مما يوفر فرصة للنمو والتنقية المستمرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

كان في قديم الزمان درويش بسيط القلب وقانع، وقد وهب حياته للعبادة والقناعة بنية خالصة. كان راضيًا بأقل القليل، ويجد قلبه السكينة في ذكر الله. مضت الأيام حتى عثر في طريقه على صندوق مليء بالعملات الذهبية. في البداية، نوى أن ينفق هذا المال في سبيل الله، لكن وساوس النفس وزخرف الدنيا بدأت شيئاً فشيئاً تغير نيته. فبدلاً من الإنفاق، خطرت له فكرة بناء منزل فخم، ثم فكر في التجارة ليزيد من ثروته. وهكذا، نُسيت النية النقية الأولى تدريجياً. وما أجمل ما قاله سعدي: "إن التعلق بالدنيا آفة الدين وراحة القلب." وهكذا تحولت نية ذلك الدرويش من العبادة الخالصة إلى جمع مال الدنيا، ورحل السكينة من قلبه.

الأسئلة ذات الصلة