إن المظهر الخالي من المشاعر لدى بعض المؤمنين غالبًا ما ينبع من السلام الداخلي، والتوكل على الله، والصبر على الشدائد، وعدم التعلق المفرط بالدنيا، وليس نقصًا في المشاعر. إنه يعكس إدارة عميقة للعواطف والتركيز على الأبدية.
إن السؤال حول سبب ظهور بعض المؤمنين بمظهر لا مبالٍ أو بلا مشاعر هو سؤال دقيق يتطلب فهمًا عميقًا للتعاليم القرآنية وعلم النفس البشري. من الضروري التوضيح أن القرآن الكريم لا يدعو أبدًا إلى انعدام المشاعر أو الحياد تجاه أحداث الحياة. بل يؤكد على الإدارة السليمة للعواطف وتوجيهها نحو رضا الله. إذا بدا بعض المؤمنين بلا مشاعر ظاهريًا، فهذا عادة لا يكون مؤشرًا على فقدان العواطف، بل هو انعكاس لحالات داخلية أعمق وفضائل أخلاقية يؤكد عليها القرآن بشدة. تشمل هذه الحالات التوكل على الله، والصبر، والزهد، والتقوى، والتي ستتم مناقشتها بالتفصيل. أولاً، وربما الأهم، مفهوم "التوكل" أو الاعتماد الكلي على الله يمكن أن يؤدي إلى هذا التصور. التوكل يعني وضع ثقة كاملة وغير مشروطة في تدبير الله وقدرته في جميع جوانب الحياة. عندما يصل المؤمن إلى هذا المستوى من التوكل، فإن الهموم الدنيوية، أو الخوف من المستقبل، أو الحزن على الخسائر لم يعد بإمكانه أن يزعجه بشدة. إنه يدرك أن كل شيء في يد الله، وأن كل ما يحدث فيه خير وحكمة، حتى لو بدا غير مرغوب فيه ظاهريًا. هذا السلام الداخلي وعدم الاضطراب الشديد قد يُفسر من قبل المراقب الخارجي على أنه انعدام للمشاعر، بينما هو في الواقع قمة اليقين الروحي وسكينة الروح. يذكر القرآن التوكل في عدة آيات. على سبيل المثال، في سورة آل عمران، الآية 159، يقول تعالى: "...فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ". يمنح هذا التوكل المؤمن قوة للوقوف بثبات ورسوخ في مواجهة الشدائد، وهذا الثبات يُفهم أحيانًا بالخطأ على أنه لامبالاة. ثانيًا، تلعب فضيلة "الصبر" دورًا حيويًا. الصبر في الإسلام ليس مجرد تحمل سلبي للمصاعب، بل هو مثابرة ونشاط في مواجهة الشدائد، والحفاظ على ضبط النفس في أوقات الكوارث، والاستمرار في طاعة الله. المؤمن الصبور، في أوقات البلاء والمحنة، لا يتذمر كثيرًا ولا يظهر جزعًا شديدًا. فبدلاً من التعبير عن عدم الرضا الشديد، يتذكر الله ويطلب منه العون. هذا الانضباط الذاتي والهدوء في مواجهة المحن، النابع من قوة الإيمان والأمل في الجزاء الإلهي، يمكن أن يعطي انطباعًا بأن الشخص عديم المشاعر. في سورة البقرة، الآية 155، نقرأ: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ". تشير هذه الآية إلى أن الابتلاءات جزء لا يتجزأ من طريق الإيمان، وأن الصبر سمة مميزة للمؤمنين. الصابرون الحقيقيون يديرون أحزانهم وآلامهم داخليًا، ويبحثون عن الحلول بالتوكل على الله، بدلاً من إظهارها بشكل مفرط. ثالثًا، يساهم "الزهد" أو عدم التعلق المفرط بالدنيا في هذا التصور. الزهد في الإسلام لا يعني الانسحاب الكامل من الدنيا وملذاتها. بل يعني عدم السماح للقلب بالتعلق الشديد بالماديات وفهم الحقيقة أن هذه الدنيا مجرد معبر وليست مستقرًا دائمًا. المؤمن الذي بلغ درجة من الزهد لا يفرح كثيرًا عند اكتساب ثروة دنيوية أو مكانة، ولا يحزن حزنًا عميقًا عند فقدانها. وذلك لأنه يدرك القيمة الحقيقية للأمور الأبدية ويفهم أن متاع الدنيا زائل. هذه الحالة، التي تم التعبير عنها بجمال في سورة الحديد، الآية 23: "لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"، قد تبدو للآخرين كعدم اهتمام أو انعدام للمشاعر تجاه تقلبات الحياة الدنيا، بينما هي علامة على البصيرة والنظرة العميقة لحقائق الوجود. رابعًا، "التقوى" أو الخوف من الله عامل آخر. التقوى تعني حفظ النفس من الذنوب والخشية من الله دائمًا. المؤمن التقي، نظرًا لإحساسه الدائم بوجود الله وعلمه بالمحاسبة يوم القيامة، يميل إلى أن يكون أكثر جدية وتفكيرًا. إنه يمتنع عن أي كلام أو فعل قد يبعده عن الطريق المستقيم، وقد لا يصاحب هذه الحالة الكثير من المزاح غير الضروري أو الضحك المفرط. هذه الجدية والاتزان يمكن تفسيرها بالخطأ على أنها عدم حيوية أو انعدام للمشاعر. ومع ذلك، في قلب المؤمن التقي، حل حب الله والشوق للقائه محل أي متع عابرة، وهذا الحب يضفي عمقًا وثراءً فريدًا على روحه. علاوة على ذلك، فإن تحقيق "السكينة الداخلية" النابعة من ذكر الله يلعب دورًا مهمًا في هذا المظهر الخارجي. يقول القرآن: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (سورة الرعد، الآية 28). هذه السكينة تحمي المؤمن من التقلبات العاطفية الشديدة التي عادة ما يختبرها الأفراد الذين يفتقرون إلى سند روحي. في صعود الحياة وهبوطها، يحافظون على استقرار عاطفي ينبع من قوة إيمانهم. في الختام، يجب التأكيد على أن المؤمنين ليسوا أبدًا بلا مشاعر حقًا. فهم يختبرون الحب والعطف والرحمة والحزن والفرح، ولكن هذه المشاعر تُدار ضمن إطار التعاليم الإلهية. إنهم يحبون الآخرين، ويتأثرون بمعاناتهم، ويفرحون بانتصار الحق. ومع ذلك، بدلاً من أن تسيطر المشاعر عليهم، فإنها تكون تحت سيطرة العقل والإيمان. ما يبدو من بعيد على أنه انعدام للمشاعر هو في الواقع علامة على النضج الروحي، وقوة الإيمان، والتوكل العميق على الخالق، والسلام الداخلي الذي ينبع من الاتصال بالمصدر اللامتناهي للوجود. هذه الحالة ليست نقصًا، بل هي قمة الكمال البشري والسكينة الحقيقية التي يسعى إليها كل إنسان.
يُقال إنه في الأزمان الغابرة، كان هناك ملك ثري، على الرغم من عظمة ملكه وكثرة جيوشه، إلا أن قلبه كان دائم القلق والاضطراب. في أحد الأيام، مر بجانب خانقاه ورأى درويشًا بملابس ممزقة ووعاء فارغ، جالسًا في قمة السكينة واللامبالاة. سأل الملك بتعجب: "يا درويش، ما الذي أصابك حتى تكون بهذه القناعة والراحة على الرغم من قلة مالك، بينما أنا، مع كل هذا النعيم، لا أجد لحظة راحة؟" أجاب الدرويش بابتسامة هادئة: "يا ملك، لقد ربطت قلبك بالدنيا الزائلة وما تملك منها، لذلك أنت دائمًا تخشى الفقدان، وفرحك أيضًا غير مستقر. أما أنا فقد أسلمت قلبي لله، وأعلم أنه هو الرزاق. فلا أحزن على ما لا أملك، ولا أفرح كثيرًا بما أملك. فإني أعلم أن كل شيء زائل، وهو وحده الباقي." أخذ الملك العبرة من هذا الكلام وأدرك أن السلام الحقيقي يكمن في ربط القلب بالخالق، وليس في الأسباب الظاهرية ومتاع الدنيا. هذا الدرويش، وإن بدا ظاهريًا غير مبالٍ بالدنيا، فإن قلبه كان مفعمًا بالتوكل والاطمئنان، وهي حالة قد تُفسر من بعيد على أنها خلو من المشاعر، لكنها في الحقيقة كانت قمة الأمان والسكينة.