لماذا يريد بعض الناس الله فقط لأجل الدنيا؟

يريد بعض الناس الله فقط لمنافع الدنيا بسبب الغفلة عن حقيقة الآخرة ووساوس الدنيا. يؤكد القرآن على فناء الدنيا وضرورة السعي للآخرة، ويعتبر هذا التوجه مذموماً.

إجابة القرآن

لماذا يريد بعض الناس الله فقط لأجل الدنيا؟

من منظور القرآن الكريم، فإن ميل الإنسان إلى الدنيا والتعلق المفرط بمظاهرها له جذور عميقة في الطبيعة البشرية. ظاهرة سعي بعض الأفراد إلى الله فقط لتحقيق المنافع والمكاسب الدنيوية، تعكس سوء فهم أساسي لهدف الخلق ومكانة العبودية. لقد تناول القرآن الكريم هذا الموضوع مرارًا وتكرارًا، مقدماً تحذيرات صريحة بشأن مخاطر حب الدنيا وتفضيلها على الآخرة. غالباً ما ينبع هذا النهج من الغفلة عن حقيقة الحياة، والطبيعة الفانية لهذه الدنيا، وواقع الحياة بعد الموت. ينجذب البشر، بسبب قيودهم الإدراكية وميولهم الطبيعية، أحيانًا نحو ما هو ملموس ومتاح، أي الملذات والنجاحات الدنيوية، ناسين أن هذه الدنيا مجرد ممر للوصول إلى الدار الأبدية. هذه النظرة المادية تخفض من شأن الله، الخالق والمعبود المطلق، إلى مجرد وسيلة لتحقيق أهداف شخصية، مثل الثروة والسلطة والشهرة أو الصحة. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الحياة الدنيا خادعة ومؤقتة، بينما الحياة الآخرة باقية وأبدية. في سورة الأعلى (الآيتان 16 و 17) نقرأ: «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ»؛ أي: «بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى». توضح هذه الآيات بوضوح الخطأ الفادح في أولويات البشر. بعض الأفراد، بسبب ضعف الإيمان، أو عدم اليقين بالمعاد، أو وساوس الشيطان، ينحرفون عن المسار الصحيح ويعتبرون هدف عبادة الله هو فقط تحقيق المكاسب المادية. قد يصلون، ويدعون، أو يقومون بأعمال صالحة، ولكن ليس من نية خالصة وتقرب إلى الله، بل أملاً في الحصول على مكافآت دنيوية سريعة وملموسة. إذا لم تتحقق هذه المكافآت، قد يصابون باليأس والشك، وقد يتركون دينهم، لأنهم لا يمتلكون فهماً صحيحاً لمفهوم الابتلاء الإلهي والحكمة وراء الأحداث. يبين القرآن الكريم بوضوح أن من يريد الحياة الدنيا فقط، فإنه سيحصل على جزاء أعماله في هذه الدنيا، ولن يكون له في الآخرة نصيب إلا العذاب. في سورة هود (الآيتان 15 و 16) يقول: «مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»؛ أي: «من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون». تظهر هذه الآيات أن الله عادل ويجازي حتى النوايا الدنيوية في هذه الحياة، لكنها تؤكد أن هذا النهج يحرم الإنسان من الأجر الأبدي والرضا الإلهي. هؤلاء الأفراد، بنظرة محدودة وسطحية، يفوتهم عمق الروحانية ومتعة الاتصال بالله. من أسباب هذا الميل، وساوس الشيطان وزخرف الدنيا الذي يعمي بصر الإنسان ويصرفه عن الحقيقة. يسعى الشيطان باستمرار لدفع الإنسان نحو الملذات الزائلة وإغفاله عن ذكر الله ويوم القيامة. كما أن الضغوط والتوقعات المجتمعية المبنية على المادية والنجاحات الظاهرية يمكن أن تغذي هذا الميل. قد يشعر الأفراد أنهم، لكي يكونوا مقبولين أو يكتسبوا الاحترام، يجب أن يكونوا أغنياء وأقوياء، وقد يستخدمون الدين كدرج للوصول إلى هذه الأهداف. ومع ذلك، ينصح القرآن بألا نغفل عن الدنيا، بل أن نستخدمها كوسيلة للوصول إلى الآخرة. في سورة القصص (الآية 77) نقرأ: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»؛ أي: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين». تدل هذه الآية على أن الإسلام ليس دين إفراط ولا تفريط؛ بل يوصي بالتوازن بين الدنيا والآخرة. المؤمن الحقيقي هو من يرى الدنيا مزرعة للآخرة ويستخدم إمكانياتها لكسب رضا الله، ومساعدة المحتاجين، ونشر العدل، لا أن يجعلها هدفه النهائي. يجب أن يكون الهدف الأساسي دائماً هو رضا الله وتحقيق السعادة الأبدية. وبناءً على ذلك، فإن السبب الرئيسي للسعي إلى الدنيا من الله ليس فقط في ضعف الإيمان، بل في عدم فهم صحيح لفلسفة الحياة وعلاقة الإنسان بربه. يرى هؤلاء الأفراد الله كجهة مانحة للقوة أو موفرة للاحتياجات المادية، لا كالمعبود الذي الهدف النهائي من الخلق والعبودية هو الوصول إلى قربه والخلاص الأخروي. هذه النظرة قصيرة النظر تحرم الإنسان من الطمأنينة الحقيقية والسكينة القلبية التي لا تتحقق إلا بالتوكل الصادق والعبودية المخلصة، وتوقعه في دوامة لا نهاية لها من الجشع والطمع في الأمور الدنيوية. في النهاية، طريق الخلاص من هذا الفخ هو تعميق المعرفة بالله، والتأمل في آيات القرآن، وتذكر حقيقة الموت والآخرة، وتقوية الارتباط القلبي بالخالق، حتى يسعى الإنسان بدلاً من المنافع الزائلة، إلى الرضا الأبدي والجنة النعيم.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في كتاب گلستان لسعدي، يُروى أن تاجراً كان يجمع المال، غرقت سفينته. كان هذا التاجر قد أمضى حياته كلها في جمع الثروات، فكان يبكي ليلاً ونهاراً حزناً على ماله الضائع، ولا يطلب من الله إلا عودة ثروته. رآه أحد الصالحين فقال له: «يا أخي، لقد قضيت عمرك تفكر في هذه الدنيا الفانية وغفلت عن الآخرة، والآن وقد فقدت مالك، لم لا تتعلق بالخالق الذي هو الرزاق نفسه ولا يفنى؟ المال يذهب ويجيء، أما الإيمان الذي تطلب به رضا الله فهو باقٍ ويوصلك إلى الدار الأبدية». انتبه التاجر عند سماعه هذا الكلام وفهم أن الغاية من طلب الله ليست الدنيا فحسب، بل هي الوصول إلى سلامة وراحة قلبه الأبدية ورضاه.

الأسئلة ذات الصلة