لماذا نعلم كلام الله أحيانًا ولكننا لا نعمل به؟

الإنسان أحيانًا لا يعمل بأوامر الله رغم علمه بها، بسبب غلبة الهوى ووساوس الشيطان والتعلق بالدنيا والغفلة وضعف الإيمان. والحل يكمن في تقوية ذكر الله والصبر والتوبة والثبات على الطريق الإلهي.

إجابة القرآن

لماذا نعلم كلام الله أحيانًا ولكننا لا نعمل به؟

السؤال الذي طرحته هو من أعمق وأساسية التساؤلات التي يواجهها الكثيرون في رحلتهم الروحية. إنها تجربة إنسانية شائعة أن نعلم أوامر الله وما يريده منا، ومع ذلك نقصر أحيانًا في العمل بها، أو حتى نسير في اتجاه معاكس. وقد تناول القرآن الكريم بأبعاد مختلفة هذه الظاهرة ببصيرة لا مثيل لها، موضحًا جذور هذه الفجوة بين العلم والعمل. إن فهم هذه الأسباب يمكن أن يكون نورًا يرشدنا للتغلب على هذا التحدي وتوجيه حياتنا بما يوافق ما يتوقعه منا رب العالمين. أحد الأسباب الرئيسية لهذا التناقض هو الطبيعة الوجودية للإنسان التي أشار إليها القرآن. فالإنسان، بجانب روحه السامية والإلهية، يمتلك أيضًا نفسًا أمارة بالسوء وغرائز أرضية. هذه النفس تميل إلى الراحة، واتباع الشهوات، والانجذاب إلى الملذات الزائلة من الدنيا. وقد أشار الله تعالى إلى هذا الجانب من وجود الإنسان في آيات عديدة، مثل الآية 53 من سورة يوسف: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، إن ربي غفور رحيم). وهذا الصراع الداخلي بين العقل والنفس هو أحد أهم العوائق أمام العمل بالعلم. ففي كثير من الأحيان، على الرغم من علمنا بصحة حكم إلهي، نستسلم لهوى النفس ونختار الطريق الأسهل أو الأكثر متعة (ظاهريًا). عامل آخر يؤكد عليه القرآن هو وساوس الشيطان ومكره. فالشيطان قد وصف بالعدو المبين للإنسان، وقد أقسم على إغواء البشر وصدهم عن الصراط المستقيم. إنه يزين المعاصي، ويخلق الشكوك في القلوب، ويوسوس بتأجيل التوبة والعمل الصالح، مما يمنع الإنسان من تنفيذ الأوامر الإلهية. في الآية 120 من سورة النساء جاء: «يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا» (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا). يمكن أن تكون هذه الوساوس قوية جدًا لدرجة أنها حتى بعد معرفة الحق، تجذب الإنسان نحو الباطل أو تثبط عزيمته عن أداء واجباته. حب الدنيا والتعلق بمظاهرها الفانية هو أيضًا من العوائق الكبرى التي يشير إليها القرآن. الإنسان بطبيعته يحب المال والأولاد والجاه والملذات المادية. وإذا تجاوز هذا الحب حد الاعتدال وتحول إلى عبادة للدنيا، فإنه يمكن أن يغفل الإنسان عن الهدف الأساسي من الخلق وعن طاعة الله. الآية 24 من سورة التوبة تقول بوضوح: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ». هذه الآية تبين أن الأولويات الدنيوية الزائفة تعيق أحيانًا العمل بالأحكام الإلهية؛ فمثلاً، بسبب الخوف من فقدان الوظيفة، قد يقبل أحدهم رشوة، أو لزيادة الثروة، قد يضيع حقوق الآخرين، مع علمهم أن هذه الأفعال مذمومة في التعاليم الإلهية. الغفلة والنسيان من الأسباب الهامة الأخرى التي تناولها القرآن. الحياة اليومية بكل مشاغلها وجاذبياتها، قد تغرق الإنسان فيها لدرجة أنه ينسى الله، ويوم القيامة، وهدفه الأساسي في الحياة. هذه الغفلة تجعل الإنسان ينسى ما يعلمه، ولا يولي أهمية للعمل به. الآية 179 من سورة الأعراف تشير إلى أولئك الذين لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها؛ وتصفهم في النهاية بـ 'الغافلين'. هذه الغفلة هي حالة يصبح فيها الفرد غير مبالٍ بالحقائق المؤكدة التي يعلمها، ويؤجل العمل بها أو يتخلى عنها تمامًا. ضعف الإيمان وعدم اليقين القلبي يمكن أن يكون سببًا لعدم العمل أيضًا. ففي بعض الأحيان، يكون علمنا بالأحكام الإلهية مجرد علم ذهني ونظري، ولم يصل بعد إلى مرتبة الإيمان واليقين القلبي الذي يحرك كيان الإنسان بأكمله. الإيمان الحقيقي هو الذي لا يستولي على العقل فحسب، بل على القلب والإرادة أيضًا، ويدفعه إلى العمل. إذا كان هذا الإيمان ضعيفًا، فإننا عند مواجهة الوساوس أو صعوبات العمل، نصاب بالتردد ونخرج عن المسار. لهذا السبب، يوصي القرآن المؤمنين بزيادة إيمانهم والتوكل على الله. ما هو العلاج؟ يقدم القرآن الكريم حلولاً متعددة للتغلب على هذه التحديات. أحد أهمها هو الذكر الدائم لله. فذكر الله يطمئن القلوب ويحرر الإنسان من الغفلة. الآية 28 من سورة الرعد تقول: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). كذلك، المثابرة على الصلاة والصبر، والاستعانة بالله، والتوبة والاستغفار المستمر، ومجالسة الصالحين هي من الحلول القرآنية الأخرى لتقوية الإرادة والعمل بالعلم. في النهاية، يجب أن نتذكر أن هذا صراع داخلي، وأن كل خطوة صغيرة في سبيل العمل بأوامر الله هي خطوة كبيرة نحو الكمال والسعادة الأبدية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أن حكيمًا كان له تلميذ ذكي للغاية وماهر في العلوم الدينية، لكن الكسل والتسويف كانا يتغلبان عليه دائمًا في العمل. فقال الحكيم ذات يوم: «يا بني، العلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر. فما فائدة الطبيب الذي يعلم بالدواء الشافي ولا يتناوله بنفسه؟» كان التلميذ يعلم قول الحكيم وينطقه بجمال، ولكنه كلما عزم على العمل، صرفته وساوس النفس أو مشاغل الدنيا. وذات يوم، مرض فجأة وأصبح طريح الفراش. وفي تلك اللحظات الصعبة، نظر إلى الماضي بحسرة ورأى كم من الفرص قد ضاعت بسبب قوله «سأفعل ذلك غدًا». تنهد وقال لنفسه: «ليتني كنت أعلم أن الحكمة الحقيقية تكمن في العمل بالعلم، وليس فقط في معرفته!» ومنذ ذلك الحين، وطوال حياته، كلما تعلم شيئًا، سارع إلى العمل به، وكان يقول للآخرين: «الغد» هو فخ ينصبه الشيطان في طريق عزيمة الإنسان.

الأسئلة ذات الصلة