يتعب الإنسان أحيانًا من الخير بسبب طبيعته العجولة ووساوس الشيطان ونقص الإخلاص وتوقع المكافآت الفورية. ويوصي القرآن بالتغلب على هذا التعب بالصبر والصلاة وذكر الله والتركيز على الثواب الأخروي.
إن الشعور بالتعب أو الملل من فعل الخير هو تجربة قد يواجهها الكثير من الناس في رحلة حياتهم. هذا لا يُعتبر بالضرورة علامة على ضعف الإيمان، بل يمكن أن يكون جزءًا طبيعيًا من صراع الإنسان الدائم مع نفسه ووساوس الشيطان الخارجية، وهو صراع تم تناوله بالتفصيل في القرآن الكريم. يقدم لنا القرآن نظرة عميقة حول طبيعة الإنسان، وتحدياته في سبيل الحق، والحلول للتغلب على هذه العقبات. عندما يتعب الإنسان من فعل الخير، يمكن أن يكون هذا نتيجة لعدة عوامل، كل منها ينعكس بطريقة ما في الآيات الإلهية. أحد أهم الأسباب هو طبيعة الإنسان المتقلبة والعجولة. يشير القرآن الكريم إلى هذه السمة البشرية في عدة آيات. فعلى سبيل المثال، في سورة الإسراء، الآية 11، يقول: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾. هذه العجلة قد تعني أن الإنسان يتوقع أن يرى نتائج أعماله الصالحة بسرعة. وعندما لا يتلقى مكافأة فورية أو رد فعل إيجابي، أو عندما يصبح الطريق شاقًا وطويلًا، قد يصيبه اليأس والتعب. في الواقع، يتطلب طريق الخير غالبًا صبرًا ومثابرة طويلة الأمد، ومكافأته الحقيقية مضمونة في الآخرة، وليس بالضرورة في الدنيا. هذا التناقض بين توقعات الإنسان وواقع المسار يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق. وفي سورة المعارج، الآيات 19 إلى 21، يتم التطرق إلى هذه السمة البشرية أيضًا: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿١٩﴾ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴿٢٠﴾ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿٢١﴾﴾. هذه الآيات تصور كيف أن الإنسان يميل بطبيعته إلى القلق وعدم الثبات، سواء في مواجهة الشدة أو النعمة، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى تثبيط العزيمة في الأداء المستمر للأعمال الصالحة. عامل آخر يلعب دورًا محوريًا في التعب من فعل الخير هو وساوس الشيطان. الشيطان هو العدو الواضح للإنسان، ومهمته هي إبعاده عن الطريق المستقيم ومنعه من أداء الأعمال الصالحة. يقول القرآن في سورة البقرة، الآية 268: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾. يحاول الشيطان ردع الناس عن طريق زرع الخوف من فقدان المكاسب الدنيوية أو تضخيم الصعوبات والمشقات في فعل الخير. يجعل الإحسان يبدو شاقًا وعديم الفائدة، ويُظهر الملذات الدنيوية الزائلة أكثر جاذبية. هذه الوساوس يمكن أن تستنزف طاقة الإنسان الروحية والجسدية، مما يؤدي به إلى التعب والتخلي عن الأعمال الصالحة. في بعض الأحيان، ينبع التعب من فعل الخير أيضًا من نقص "الإخلاص" الكافي. إذا قام الإنسان بفعل ليس ابتغاء وجه الله، بل بدافع جذب إعجاب الناس، أو الوصول إلى مكانة، أو تحقيق مكاسب دنيوية، فعند عدم تحقيق هذه الدوافع أو مواجهة النقد واللامبالاة، قد يصيبه الإحباط واليأس. يؤكد القرآن على أهمية الإخلاص في جميع الأعمال. في سورة الزمر، الآية 2، نقرأ: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾. عندما تُؤدَّى الأعمال بإخلاص لله، حتى لو لم تسفر عن نتائج ظاهرة أو مدح بشري، فإنها تجلب سلامًا داخليًا ورضا، مما يمنع التعب؛ لأن الثواب النهائي يأتي من الذي لا ينسى أبدًا وهو خير الجزاء. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر المحيط والأصحاب بشكل كبير على هذا الشعور بالتعب. فالتعامل مع أفراد لا يبالون بالخير أو حتى يسخرون منه، يمكن أن يضعف إرادة الإنسان ويدفعه نحو الكسل والتعب. يؤكد القرآن على أهمية مصاحبة الصالحين والابتعاد عن مجالس اللهو والباطل، لأن هذه الرفقة يمكن أن تقوي الطاقة الإيجابية والدافع للاستمرار في طريق الخير. للتغلب على هذا التعب والإحباط، يقدم القرآن العديد من الحلول العملية والروحية. أول وأهم حل هو "الصبر والصلاة". في سورة البقرة، الآية 153، يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. الصبر يعني الثبات على طريق الحق وتحمل مشقاته، والصلاة تعني الاتصال المباشر بالله وإعادة شحن الروح. يوفر هذان الأمران مصادر هائلة للطاقة والسكينة للإنسان. "ذكر الله" هو دواء آخر للتعب. في سورة الرعد، الآية 28، جاء: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. تذكر عظمة الله ورحمته باستمرار، ومعرفة أن كل عمل خير نؤديه مسجل لديه وثوابه محفوظ، يقوي القوى الروحية للإنسان ويمنعه من اليأس. كذلك، فإن التركيز على "الأجر الأخروي" بدلاً من التوقعات الدنيوية يغير نظرة الإنسان ويثبته على طريق الخير. يشير القرآن مرارًا وتكرارًا إلى أن الحياة الدنيا فانية وغير مستقرة، وأن الثواب الحقيقي والأبدي هو في الآخرة. في سورة الأعلى، الآيتين 16 و17، نقرأ: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿١٦﴾ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴿١٧﴾﴾. بتغيير هذا النظرة والإيمان العميق بالجزاء الإلهي، يفقد التعب من فعل الخير معناه، لأن الإنسان يعلم أن كل ذرة من جهده في سبيل رضا الله محفوظة عند ربه، وستثمر نتيجة أبدية. في الختام، يُعد التعب من فعل الخير ظاهرة طبيعية في مسيرة النمو والتطور الروحي للإنسان. وقد أقر القرآن، بفهمه العميق للطبيعة البشرية، هذه التحديات وقدم حلولاً عملية وروحية للتغلب عليها. بالتوكل على الله، والصبر، والمثابرة، والإخلاص في النية، والذكر الدائم له، والأمل في الأجر الأخروي، يمكن تحويل هذا التعب إلى جسر للوصول إلى مراتب أعلى من الإيمان والقرب من الله. هذا الطريق مليء بالصعود والهبوط، ولكن بزاد القرآن والسنة النبوية، لن يكون أبدًا بلا نهاية أو بلا ثمر.
في يوم من الأيام، في قرية خضراء مزدهرة، كان يعيش مزارع اسمه فريدون. كان يعمل في أرضه كل يوم بجد ويقوم بسقي محاصيله بحب. وكان أيضًا كريمًا، يعطي دائمًا جزءًا من محصوله للفقراء والمحتاجين، وكان دائمًا في طليعة الجهود المجتمعية. ولكن في إحدى السنوات، حل الجفاف، وباءت جهوده بالفشل. لم تعد الأرض العطشى تنتج شيئًا، وفريدون، الذي كان يذهب إلى مزرعته بقلب مليء بالأمل، بدأ يتعب تدريجيًا من فعل الخير وحتى من عمله اليومي. قال في نفسه: "ما فائدة كل هذا الجهد والإحسان؟" ذات ليلة، في المنام، قال له رجل حكيم مسن: "يا فريدون، هل ترى ثمار الشجرة لحظة زراعتها؟ كل بذرة تزرعها تتطلب وقتًا وصبرًا وتوكلًا على الله، الذي منه المطر والبركات. إذا لم ترَ ثمارًا اليوم، فاعلم أن جذور صلاحك عميقة في تربة الإيمان، وفي يوم من الأيام ستؤتي ثمارها بطرق لم تتخيلها قط." استيقظ فريدون، وحمل مجرفته مرة أخرى، وبكلمات الرجل الحكيم في ذهنه وتوكلًا على الله، عاد إلى أرضه. استأنف عمله وأعماله الصالحة، بنية أن كل ما يفعله هو ابتغاء وجه الله، وليس لنتائج فورية. لم يمض وقت طويل حتى نزلت رحمة الله، وعادت أرضه إلى الحياة، فأنتجت محصولًا أكبر بكثير مما كانت عليه في السنوات السابقة. فهم فريدون أن التعب في طريق الخير هو مجرد وسوسة الشيطان ونفاد صبر الإنسان، وأن الأجر الحقيقي يكمن عند الله، وليس في المكاسب الدنيوية. مسرورًا بأن شتلة إيمانه وصبره قد أثمرت، عاش حياة أكثر بركة، ومنذ ذلك الحين، لم يتعب أبدًا من فعل الخير.