لماذا يتشتت ذهني بالأمور الدنيوية أثناء الصلاة؟

تشتت الذهن في الصلاة يعود لجاذبية الدنيا ووساوس النفس والشيطان. الحل يكمن في زيادة ذكر الله، والصبر، وتدبر الآيات، والإعداد القلبي قبل الصلاة.

إجابة القرآن

لماذا يتشتت ذهني بالأمور الدنيوية أثناء الصلاة؟

أيها الأخ أو الأخت الكريمة، أن يتشتت الذهن في الصلاة بأمور الدنيا هو تجربة مشتركة لكثير من المؤمنين، وهو مؤشر على التحديات الداخلية التي يواجهها الإنسان في مسار العبودية. القرآن الكريم لا يتناول بشكل مباشر مسألة "لماذا" يتشتت الذهن، ولكنه ضمنيًا، وفي جوهر آياته، يستكشف أسباب هذا التشتت ويقدم حلولًا عملية لتحقيق حضور القلب والخشوع في الصلاة. تعود هذه المسألة بشكل أساسي إلى سببين رئيسيين: أولاً، طبيعة الدنيا وجاذبيتها، وثانيًا، الصراع الدائم للإنسان مع النفس الأمارة بالسوء ووساوس الشيطان. بداية، يجب أن نعلم أن الدنيا بكل زيفها وزخرفها وجاذبيتها، هي مصدر إغراء للإنسان. يشير الله تعالى في آيات عديدة إلى الطبيعة الفانية والزائلة للدنيا، ويطلب من الإنسان ألا يتعلق بها وأن يجعل هدفه الأساسي هو الآخرة. فمثلاً في سورة الحديد، الآية 20، يقول الله سبحانه: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ». هذه الآية تظهر بوضوح أن التعلق بالدنيا والانخراط في ألعابها وملاهيها يمكن أن يكون عائقًا كبيرًا أمام التوجه الكامل إلى الله، حتى في اللحظات المقدسة للصلاة. عقولنا تمتلئ طوال اليوم بالهموم المادية، والخطط المستقبلية، والمخاوف المالية، والعلاقات الاجتماعية، وآلاف الأفكار الأخرى. وعندما ندخل في الصلاة، تجد هذه الأفكار، التي استقرت في لا وعينا، فرصة للظهور إلى السطح وتشتيت تركيزنا. السبب الثاني، وربما الأهم، هو وساوس الشيطان وصراع الإنسان مع النفس الأمارة بالسوء. يذكر القرآن الكريم مرارًا الشيطان كعدو مبين للإنسان، يتربص به دائمًا ليصرفه عن الطريق الحق. في سورة الناس، نقرأ أن الشيطان «يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ». هذه الوساوس يمكن أن تظهر في كل حال ومكان، والصلاة، التي هي قمة الاتصال بالخالق، هي أحد ميادين المعركة الرئيسية مع الشيطان. يسعى الشيطان لإبعاد الإنسان عن هذا المصدر من السكينة والاتصال الحقيقي، وبواسطة تشتيت الذهن، يسلب منه لذة الصلاة وأثرها. كذلك، النفس الأمارة بالسوء، التي أشير إليها في سورة يوسف، الآية 53: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ»؛ هذه النفس تميل نحو الشهوات الدنيوية والغفلة عن الآخرة، وتظهر هذه الميول أثناء الصلاة في شكل أفكار مزعجة. ولكن القرآن يقدم حلولًا للتغلب على هذا التشتت الذهني. الحل الأول والأهم هو الذكر الدائم لله. يقول الله في سورة طه، الآية 14: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي». هذه الآية تبين أن الهدف الأساسي من الصلاة هو ذكر الله. وكلما كان ذكر الله أكثر حضورًا في حياتنا اليومية، كلما كان التركيز عليه في الصلاة أسهل. لذا، فإن ممارسة الذكر المستمر، حتى خارج الصلاة، يساعد في إعداد الذهن للحضور أمام المولى سبحانه. الحل الثاني هو الاستعانة بالصبر والصلاة. في سورة البقرة، الآية 153، نقرأ: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ». هذه الآية تظهر أن الصلاة نفسها وسيلة لاكتساب الصبر والثبات في مواجهة التحديات. في الواقع، حضور القلب في الصلاة هو نوع من الصبر والمجاهدة النفسية التي تتطلب المثابرة والممارسة. فلا ينبغي اليأس من المحاولات الأولى، بل يجب الاستمرار في السعي لتحقيق الخشوع بالصبر والثبات. الحل الثالث هو فهم وتدبر معاني ما نقرأه في الصلاة. إذا كان المصلي يعرف معنى الكلمات والجمل ويتدبرها أثناء التلاوة، فإن ذهنه يجد فرصة أقل للتجول في الأفكار الدنيوية. هذا التدبر بحد ذاته هو نوع من الاتصال الأعمق بالله الذي يحول الانتباه من الدنيا إلى الآخرة ومن المخلوق إلى الخالق. الحل الرابع هو الاستعداد قبل الصلاة. لا يشير القرآن مباشرة إلى هذا الاستعداد، ولكن مفهوم التقوى والحضور في حضرة الله يتطلب أن يحاول الإنسان قبل الدخول في الصلاة أن يطهر ذهنه من الهموم غير الضرورية. الوضوء بيقظة، وإزالة عوامل التشتيت (مثل الهاتف المحمول أو التلفزيون)، وقضاء لحظات في التفكير في عظمة الله وأهمية الصلاة التي سيؤديها، يمكن أن يكون مفيدًا جدًا. أخيرًا، تذكيرنا بأن الصلاة «تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ» (العنكبوت، 45)، يوضح أن الصلاة مع حضور القلب لها تأثير عميق في إصلاح سلوك الإنسان وحياته. وكلما كانت حياتنا اليومية أكثر إلهية وأقل تلوثًا بالتعلقات الدنيوية، كلما كان الذهن في الصلاة أكثر راحة وتركيزًا. هذه عملية ذات اتجاهين؛ الصلاة الجيدة تؤدي إلى حياة جيدة، والحياة الجيدة تساعد في صلاة جيدة. لذلك، لتقليل التشتت الذهني في الصلاة، من الضروري إعادة تعريف نظرتنا إلى الدنيا والآخرة، وهدف حياتنا، ومن خلال تقوية علاقتنا بالله في جميع لحظات الحياة، يمكننا تدريجيًا تحقيق الخشوع وحضور القلب في الصلاة. هذا المسار يتطلب الصبر، والممارسة، والدعاء المستمر.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلاً ورعًا وصالحًا، كلما وقف للصلاة، كانت أفكار الدنيا تهاجم قلبه كالنمل والجراد، فتشوش عليه طمأنينته. ذات يوم، اشتكى حاله هذا لمعلم حكيم. ابتسم المعلم وقال: «يا أيها الرجل الصالح، القلب كمرآة، كل ما ينطبع عليها طوال اليوم، يظهر فيها حتى في الخلوة. إذا تركت مرآة قلبك في سوق الدنيا وتراكم عليها غبار الرغبات والحسرات، فكيف تتوقع ألا ترى سوى الغبار وقت العبادة؟» أدرك الرجل القول، ومنذ ذلك الحين، لم يسع فقط في صلاته، بل في جميع لحظاته، لإزالة غبار الدنيا عن قلبه واشتغل بذكر الله. وبعد مدة، وجد أن قلبه استقر في الصلاة، وغلب عليه ذكر الله، لأن مرآة قلبه قد تلمعت.

الأسئلة ذات الصلة