ينتقد القرآن التكبر بشدة لأنه أصل معصية إبليس، ويتنافى مع التوحيد، ويعيق الهداية. والمتكبرون يتعرضون لغضب الله في الدنيا وللخزي وجهنم في الآخرة.
ينتقد القرآن الكريم، وهو كلام الله، مراراً وتكراراً وبشدة صفة التكبر والمتكبرين. هذا الانتقاد الشديد له جذور عميقة في الرؤية التوحيدية للإسلام، ويمكن ذكر أسباب عديدة لذلك. فالتكبر، بمعنى التعالي والعجب بالنفس والنظر إلى الآخرين بازدراء، هو نقيض التواضع والعبودية، اللذين يعتبران جوهر الإيمان بالله تعالى. ومن المنظور القرآني، ليس التكبر مجرد رذيلة أخلاقية فحسب، بل هو نوع من العصيان والتمرد على عظمة الله وجبروته، وهو يسد الطريق أمام الهداية والخلاص. هذه الصفة المذمومة هي مصدر العديد من الشرور والفساد الفردي والاجتماعي، ولهذا السبب، فإنها تتعرض لغضب الله. أحد أهم أسباب انتقاد القرآن للمتكبرين هو الجذور التاريخية والقرآنية لهذه الصفة في عصيان إبليس. كان أول وأعظم عصيان لأمر إلهي هو تكبر إبليس. عندما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، سجدوا كلهم إلا إبليس، الذي امتنع عن هذا الأمر تكبراً واستعلاءً، قائلاً: "أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" (الأعراف: 12). يظهر هذا الحدث أن التكبر كان أول خطيئة حدثت في عالم الخلق، وأدت إلى طرد إبليس من رحمة الله وتحوله إلى الشيطان الرجيم. لذا، فالتكبر ليس مجرد خطأ صغير، بل هو الجذر الأساسي للطغيان والكفر الذي يخرج الإنسان عن مسار العبودية والاستسلام. السبب الآخر هو تنافي التكبر مع مبدأ التوحيد. ففي الإسلام، العظمة والكبرياء المطلقة لله وحده. واسم "المتكبر" هو أحد أسماء الله الحسنى، ويعني صاحب الكبرياء والعظمة اللامتناهية. عندما يدّعي الإنسان التكبر، فإنه في الواقع يرى نفسه في مكانة الله ويحاول اغتصاب صفة لا تليق إلا بالذات الإلهية المقدسة. وهذا العمل هو نوع من الشرك الخفي أو حتى الجلي، لأن المتكبر يظن نفسه محور الكون وأعلى من الآخرين، بل وحتى من الأوامر الإلهية. ويصرح الله تعالى في القرآن الكريم أنه لا يحب المتكبرين (النحل: 23). وهذا عدم المحبة الإلهية يرجع إلى إنكار المتكبر لمكانته الحقيقية أمام خالقه. فالإنسان في جوهره فقير ومحتاج إلى الله، وكل ما يملكه من قوة أو علم أو ثروة هو عطاء من الله. فالتكبر هو كفران بهذه النعم ونسيان لهذه الحقيقة الأساسية. يعتبر التكبر أيضاً حاجزاً كبيراً أمام الهداية وقبول الحق. فالشخص المتكبر، بسبب رؤيته لنفسه أنه أعلى من الآخرين، لا يرضى بالاستماع إلى كلمة الحق من لسان من يراه أقل منه. إنه يقاوم الأدلة والبراهين المنطقية، ويُختم على قلبه بالنسبة للآيات الإلهية. يقول القرآن: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا" (الأعراف: 146). تظهر هذه الآية أن التكبر في حد ذاته حجاب يفصل بين الإنسان وإدراك الحقيقة، ويمنعه من رؤية آيات الله. فقد هلكت العديد من الأمم السابقة، بما في ذلك قوم فرعون، بسبب تكبرهم وتمردهم على الأنبياء والآيات الإلهية. فقد وقف فرعون بتكبره ضد موسى (ع) وغرق في النهاية؛ أما قارون، فقد ابتلعته الأرض هو وأمواله بسبب تكبره على ثروته. هذه أمثلة قرآنية واضحة على المصير المشؤوم للمتكبرين. من الناحية الاجتماعية، يؤدي التكبر إلى الفساد والخراب. فالشخص المتكبر لا يستطيع إقامة علاقات صحية ومبنية على الاحترام مع الآخرين. إنه يتعدى على حقوق الآخرين، ويظلم الضعفاء، ولا يستطيع الاعتراف بخطئه أو الاعتذار. تتسبب هذه الصفة في إيجاد الشقاق والحسد والعداوة في المجتمع، وتقوض أسس التكافل والتعاطف. وفي وصايا لقمان الحكيم لابنه، يحذره من التكبر قائلاً: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (لقمان: 18). تشير هذه الآية إلى الجانب السلوكي للتكبر وكيف يظهر في مشية الفرد ونظرته، وتأثيره السلبي على العلاقات الاجتماعية. وأخيراً، فإن مصير المتكبرين في الآخرة موصوف بأنه مؤلم للغاية. يعلن الله صراحة أن جهنم هي مأوى المتكبرين. "قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ" (الزمر: 72). في يوم القيامة، يُحشر المتكبرون في ذل ومهانة، ووجوههم مسودة وعابسة، ولا ملجأ لهم. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الأجر العظيم للتواضع؛ فالجنة مُعدَّة للعباد المتواضعين والخاضعين. لذا، فإن انتقاد القرآن الشديد للتكبر هو تحذير جاد للبشرية لتجنب هذه الصفة المدمرة، واتخاذ طريق الخلاص والتحرك نحو الكمال من خلال التواضع أمام الله ومحبة عباده.
في زمان قديم جداً، كان هناك ملك ذو قوة وثروة عظيمة، لكنه كان غارقاً في عظمته وثروته لدرجة أن خطواته على الأرض لم تكن من تواضع بل من كبرياء وغرور. كان يرى نفسه أعلى من الجميع، وينظر إلى الفقراء والدراويش بازدراء، غافلاً عن أن العظمة الحقيقية تليق بالخالق وحده. في أحد الأيام، جاء درويش مسن، عرف بحكمته العميقة، إلى بلاط الملك. سأل الملك، بنظرة ملؤها التكبر: "أيها الدرويش، كيف لك، مع كل هذا الفقر، أن تمتلك هذا الهدوء، بينما أنا، مع كل عظمتي، أظل في اضطراب؟" أجاب الدرويش بابتسامة لطيفة: "أيها الملك، اضطرابك ينبع من توقعاتك الكبيرة من الدنيا وكبريائك بما تملك. أنت ترى نفسك عظيماً، في حين أن العظمة الحقيقية تليق بالخالق وحده. من يدرك عبوديته ويعلم أن كل شيء منه يجد السلام. فالعظمة الحقيقية هي التواضع أمام الأعظم." الملك، على الرغم من انزعاجه الأولي من هذه الكلمات، وجدها تنبت كبذرة في قلبه. وبعد فترة وجيزة، ضرب جفاف شديد أرضه، ولم تستطع أي من قواه الدنيوية أن تجد حلاً. رأى شعبه يتألم، وحقوله تذبل، وتكبره يتهاوى. في تلك اللحظة من الهزيمة والتواضع، تذكر كلمات الدرويش، وخفض نظره، وتوجه إلى الله بتواضع، فوجد سلاماً لم يختبره أبداً خلال أيام كبريائه.