لماذا تضاءل ذكر الله في ذهني؟

يتضاءل ذكر الله بسبب الانشغال بالدنيا، ووسوسة الشيطان، وإهمال الإنسان نفسه. الحل القرآني لذلك هو الإكثار من الذكر والتأمل وتجنب المشتتات ليعود القلب إلى الطمأنينة.

إجابة القرآن

لماذا تضاءل ذكر الله في ذهني؟

إن الإحساس بتضاؤل ذكر الله في ذهن المرء تجربة يواجهها كثير من الناس خلال رحلتهم الروحية، ولا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى اليأس. يشير القرآن الكريم بوضوح إلى جذور هذه الظاهرة وحلولها. هذه الحالة، التي غالبًا ما تُعرف باسم 'الغفلة' أو 'النسيان' عن الله، تنبع أساسًا من عوامل مختلفة متأصلة بعمق في حياتنا الدنيوية وصراعاتنا الروحية. فالقرآن، بلهجة رحيمة وحازمة في الوقت نفسه، يوضح لنا هذه العوامل حتى نتمكن من إيجاد طريق العودة إلى ذكر الله المستمر، وإعادة إضاءة قلوبنا بالنور الإلهي. أحد أهم الأسباب التي تجعل ذكر الله يتضاءل في ذهن الإنسان هو الانشغال المفرط بزخارف الحياة الدنيا ومُلذّاتها. فالدنيا بمفاتنها وإغراءاتها، يمكن أن تستحوذ على قلب الإنسان وعقله لدرجة لا يبقى معها مكان لذكر الله. يقول الله تعالى في سورة الكهف، الآية 28: "وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا". هذه الآية الكريمة تبين بوضوح أن الميل إلى الماديات وزينة الحياة الدنيا، يمكن أن يؤدي إلى غفلة القلب عن ذكر الله. فعندما يكرس الإنسان كل وقته وطاقته في جمع المال، والمناصب الاجتماعية، والملذات الزائلة، والمنافسات الدنيوية، فمن الطبيعي أن تضيق المساحة الذهنية والقلبية للتأمل في الآيات الإلهية، وأداء العبادات بحضور قلب، وتذكر الرب باستمرار. هذا الانشغال الدائم بأمور الدنيا، يضع حجابًا على القلب، ويضعف اتصال الإنسان بمصدر الوجود. العامل الأساسي الثاني هو تأثير ووسوسة الشيطان. فالشيطان هو عدو الإنسان المبين، وأحد أهدافه الرئيسية هو إبعاد الإنسان عن ذكر الله. يقول الله تعالى في سورة المجادلة، الآية 19: "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ". فالشيطان، من خلال الخداع والوعود الكاذبة، وبث الخوف من الفقر، والإغراء بالمعصية، وتزيين الشر في نظر الإنسان، يدفع به نحو نسيان الله. فهو يسعى لإغلاق باب القلب أمام النور الإلهي من خلال إشغال الإنسان بأمور لا جدوى منها، أو بزرع الأفكار السلبية واليأس. فوساوسه الخفية، مثل بذور الشك والتردد أو الشهوات، يمكن أن تحل تدريجياً محل ذكر الله في القلب وتضل الإنسان. أما السبب الثالث، فهو إهمال الإنسان نفسه وغفلته. هذه الغفلة تنشأ من عدم الاستخدام الصحيح للنعم الإلهية كالعقل والقلب والعين والأذن في طريق معرفة الحق. يقول الله تعالى في سورة الأعراف، الآية 179: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ". هذه الآية تشير إلى أولئك الذين يمتلكون القدرة على الفهم والمشاهدة ولكنهم لا يستغلونها في التفكير في آيات الله وتذكر عظمة الخالق. هذا اللامبالاة وعدم التأمل في دلائل الله في الخلق وفي نفس الإنسان، يؤدي بمرور الوقت إلى تضاؤل ذكر الله، ويجعل القلب ينام. ولإعادة ذكر الله وتقويته في القلب والعقل، يقدم القرآن حلولاً عملية. المحور الأساسي لهذه الحلول هو الذكر الكثير. فالذكر لا يعني مجرد ترديد الألفاظ، بل يشمل كل تذكير قلبي ولساني وعملي بالله. الصلوات الخمس، وتلاوة القرآن بتدبر، والدعاء والمناجاة، والتسبيح والتهليل، والتفكر في عظمة الخلق، كلها من أشكال الذكر. يقول الله تعالى في سورة الرعد، الآية 28: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". هذه الآية تبين أن ذكر الله لا يقوي ذكره فحسب، بل يمنح القلب سكينَة وطمأنينة عميقة. كما أن الابتعاد عن مجالس الغفلة ومجالسة الصالحين الذين يذكرون بالله، أمر فعال للغاية. أداء الأعمال الصالحة وخدمة الخلق هي أيضًا من أشكال ذكر الله التي تبعد الإنسان عن الانشغالات الباطلة وتقرب القلب من الله. والتوبة والاستغفار المستمران هما باب لتطهير الروح والعودة إلى الله، لأن الذنوب يمكن أن تشكل حاجزًا بين الإنسان وذكر ربه. في الختام، إن تضاؤل ذكر الله هو إنذار روحي يدعونا إلى إعادة تقييم حياتنا وأولوياتنا. إنها فرصة للعودة بعزيمة أقوى إلى المصدر الأساسي للسلام والهداية، وللحفاظ على قلوبنا حية بنور الذكر والمعرفة الإلهية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن درويشًا زاهدًا، كان قلبه دائمًا مشغولًا بذكر الحق ويتجنب زينة الدنيا. ذات يوم، مر بسوق البلدة. انجذب بشدة إلى نقوش السجاد النفيس وعطر التوابل الفواح وصخب أصوات الناس، حتى نسي مرور الوقت. عندما أدرك ما حدث، وجد أن وقت صلاة العصر قد فات وأن الشمس كانت على وشك الغروب. تنهد من أعماق قلبه وقال: "ويلي! سوق الدنيا الفاني ألهاني عن ذكر السوق الباقي!" ومنذ ذلك الحين، عاهد نفسه على أن يراقب حال قلبه في كل لحظة، وألا يدع الغفلة تحجب مرآة الذكر. يقول سعدي، حلو البيان: "القلب الذي يأنس بذكر الحبيب، يتحرر من العالمين."

الأسئلة ذات الصلة