تذكر الموت يقرب الأفراد من واقع الحياة ويدفعهم بعيدًا عن الغفلة. هذه الذكرى تساعدهم على تصحيح سلوكياتهم الخاطئة والاتجاه نحو الأعمال الصالحة.
تُعَزَّزُ أهمية تذكر الموت في الإسلام، خصوصًا في القرآن الكريم، كدعوة مهمة تحمل في طياتها معاني عميقة ودروس قيمة. إذ يُعتبر الموت من الحقائق الثابتة التي لا مفر منها، ويُوجب على كل مسلم أن يتفكر فيه ويدرك أهميته في حياته اليومية. وقد جاء ذكر الموت في العديد من الآيات القرآنية، مما يدل على مكانته وضرورة التذكير به في كل حين. أحد الأسباب الرئيسية لتوصية الإسلام بتذكر الموت هو أنه يقرب الأفراد من واقع الحياة ويبعدهم عن الانشغالات الدنيوية التي قد تشغلهم عن ما هو أهم. حينما يتأمل الشخص في فكر الموت، يدرك أن وقته في هذه الحياة محدود، مما يمكن أن يحفزه على استغلال وقته بشكل أفضل. فعندما يعلم أن كل لحظة تحمل في ثناياها فرصة للعبادة وإحسان الأعمال، فإنه يسعى جاهدًا لتوظيف وقته فيما يُرضي الله ويجلب له الخيرات في الآخرة. وتشير سورة الجاثية، في الآية 24، إلى هذا الموضوع بشكل واضح حيث جاء فيها: "وقالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا، نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر." تُظْهِر هذه الآية أنه إذا نسي الناس الموت، فإنهم يرون الحياة مجرد أيام وشهور وسنين خالية من العمق الروحي والمعنوي. وهذا التصور قد يؤدي بهم إلى إغفال ما بعد هذه الحياة، الأمر الذي قد يجلب لهم الندم يوم القيامة. علاوة على ذلك، يُحفِّز تذكر الموت الأفراد على تقييم أنفسهم وتصحيح سلوكياتهم الخاطئة. إذ يُمكن أن يُعتبر الموت نقطة انطلاق لتغيير جذري في حياة الفرد، حيث يجعله يعيد التفكير في أعماله وتصرفاته ويتعهد بتحسينها. كما أنه يحثهم على التركيز على الأعمال الصالحة والسلوكيات الحميدة التي تقربهم إلى الله. في سورة آل عمران، الآية 185، يُذكر: "كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة..." وهذا التأكيد للآية يُذكر الأفراد بأن أفعالهم في هذه الحياة تحدد مصيرهم في الآخرة. عندما يتفكر الشخص في هذه الآيات ويستشعر معانيها، فإنه يُدرك ضرورة التحلي بالصبر والحكمة في كل أموره. فالموت لا يأتي فجأة، ولكن يأتي بعد دعوة إلى الله، ويشمل الأفعال التي قام بها الفرد طوال حياته. ذلك يعزز من أهمية العمل الصالح والسعي لتحقيق الأهداف النبيلة في هذه الحياة. فكل عمل يقوم به الإنسان يُسجل ويُحاسب عليه يوم القيامة، مما يستدعي منه التفكير الجاد في كل صغيرة وكبيرة يؤدى. بالإضافة إلى ذلك، تعزز هذه التأملات ليس فقط تصحيح سلوك الشخص ولكن أيضًا تقوية علاقته بالله. فالمؤمن هو الذي يتذكر أن كل شيء في هذه الحياة زائل، ويجب عليه التمسك بالذكر والدعاء والعبادة للاقتراب من الله. وتذكر الموت يجيده أن يشعر بمدى أهمية العمل بين يد الله، وبالتالي يسعى للحصول على رضاه. إن تذكر الموت أيضًا يُعزز من معاني الحياة الجماعية في المجتمع، حيث يُشجع الناس على التآخي والتعاون والمساعدة المتبادلة، فكل منا يُدرك أنه لا بد من مشاركة الحياة مع الآخرين، وأنّ الموت قادم لا محالة لكل فرد. لذا، ينبغي غرس مفهوم المساعدة والعطاء داخل المجتمع في نفوس الأجيال الجديدة، ليكونوا قدوة في المحبة والمداراة فيما بينهم. في الختام، تبرز أهمية تذكر الموت في الإسلام ليس فقط كدعوة لمراجعة النفس، بل كدعوة لتعزيز الروابط الإنسانية والاجتماعية. إذ أن تذكر الموت يصبح عاملاً محفزًا لنمو الفرد الروحي والأخلاقي، ويجعلنا ندرك أن حياتنا ليست مجرد لحظات عابرة بل رحلة تستحق العناء والاجتهاد. فبينما يمر الوقت بنا، يتوجب علينا أن نعيش كل لحظة كما يُرضي الله، مُدركين أن الموت هو حق مشروع يُندب له العيش بكرامة وعمل صالح.
في يوم من الأيام، كان هناك رجل حكيم يجلس مع أصدقائه، وكانوا جميعًا مشغولين في الحديث. انشغلوا بمسرات الدنيا ولم يتحدثوا عن الموت. نظر الرجل إليهم مبتسمًا وقال: "أصدقائي، هل تدركون كم أن الحياة قصيرة؟ دعونا نتذكر الموت ونحسن حياتنا من خلال الانخراط في الأعمال الصالحة." نظر أصدقاؤه إلى بعضهم البعض بتفكير، ومنذ ذلك اليوم، قرروا أن يكونوا أكثر وعيًا بالموت وأن يستغلوا وقتهم بشكل أفضل.