هل يمكن أن يكون المرء غنيًا ولا ينسى الله؟

نعم، يمكن للمرء أن يكون غنيًا ولا ينسى الله؛ فالقرآن يرى الثروة وسيلة للخير أو الشر، ويؤكد على الكسب الحلال والإنفاق والشكر وذكر الله الدائم لتحويل الثروة إلى وسيلة للتقرب الإلهي.

إجابة القرآن

هل يمكن أن يكون المرء غنيًا ولا ينسى الله؟

الإجابة على هذا السؤال، من منظور القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية، هي إيجابية تمامًا: نعم، يمكن للمرء أن يكون غنيًا ولا ينسى الله، بل ويمكن للمرء أن يحقق مستويات أعلى من التقوى والعبودية من خلال ثروته. لم يدن القرآن الكريم الثروة بحد ذاتها أبدًا. بل إن نظرة الإسلام إلى المال والثروة هي نظرة متوازنة وواقعية. ففي المنظور الإسلامي، الثروة في حد ذاتها ليست مذمومة ولا ممدوحة، بل هي وسيلة تعود قيمتها إلى كيفية اكتسابها وكيفية إنفاقها. يمكن أن تكون الثروة وسيلة للفساد والطغيان ونسيان الله، كما يمكن أن تكون أداة للوصول إلى القرب الإلهي، ومساعدة الآخرين، ونشر الخير والصلاح في المجتمع. يشير القرآن الكريم إلى المال والأولاد على أنهما "زينة الحياة الدنيا"، لكنه يضيف بعد ذلك أن "والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا" (سورة الكهف، الآية 46). هذه الآية تعبر بجمال عن أن متاع الدنيا زائل، وأن ما هو باقٍ وذو قيمة هو الأعمال الصالحة التي تُنجز به، والتي تحافظ على ذكر الله حيًا في القلب. إن نسيان الله لا ينشأ عادة من مجرد امتلاك المال، بل من التعلق المفرط والجشع به؛ أي عندما يتقدم حب الدنيا على حب الآخرة وحب الله، يقع الإنسان في الغفلة. من أهم التعاليم القرآنية في هذا الصدد، نظرة "الثروة كأمانة واختبار إلهي". ففي آيات عديدة، يشير الله إلى أن المال والممتلكات التي توضع تحت تصرف الإنسان هي أمانة من لدنه، ويُختبر العباد في كيفية استخدام هذه الأمانة. يشمل هذا الاختبار كيفية اكتساب الثروة (من خلال الطرق الحلال والمشروعة)، وكيفية المحافظة عليها، وخاصة كيفية إنفاقها. هل ينفق الإنسان ماله في سبيل الله ومساعدة المحتاجين؟ هل يؤدي الحقوق الواجبة لله كالزكاة والخمس؟ هل يتجنب الإسراف والتبذير؟ هل يهتم بالفقراء والمساكين؟ هذه هي الأسئلة التي تحدد مسار الاستخدام الصحيح للثروة. يحذر القرآن صراحة من أن المال والأولاد يجب ألا يلهوا عن ذكر الله. ففي سورة المنافقون، الآية 9، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ". هذه الآية تحذير صريح من أن نسيان الله بسبب الانشغال المفرط بالمال والأولاد لا يؤدي إلا إلى الخسارة الأبدية. لذا، فالمشكلة ليست في الثروة بحد ذاتها، بل في الغفلة التي قد تنشأ عنها. المؤمن الثري هو الذي يبقى قلبه منشغلاً بذكر الله دائمًا، حتى في أوج الرخاء والثراء، ويعتبر المال ليس غاية نهائية، بل وسيلة لتحقيق أهداف سامية. استراتيجيات قرآنية للجمع بين الثروة وذكر الله: 1. الكسب الحلال وتجنب الحرام: يشدد الإسلام بشدة على كسب الرزق الحلال. فالثروة التي تُكتسب بوسائل مشروعة وأخلاقية، تكون مباركة وأقل عرضة لدفع الإنسان نحو الطغيان. إن التقوى في المعاملات التجارية هي شرط أساسي للحفاظ على ذكر الله إلى جانب الثروة. 2. الإنفاق والعطاء في سبيل الله: يشجع القرآن المؤمنين مرارًا على الإنفاق. يشمل الإنفاق الزكاة الواجبة، الصدقات المستحبة، مساعدة الأقارب، الأيتام، والمحتاجين. الإنفاق لا يطهر المال ويزيده بركة فحسب، بل يحرر القلب من التعلقات الدنيوية ويقربه إلى الله. ففي سورة البقرة، الآية 261، يقول تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ". هذه الآية توضح الأجر العظيم للإنفاق، الذي له جانبان: مادي (البركة في المال) ومعنوي (رضا الله). 3. الشكر والامتنان: المؤمن الثري يشكر دائمًا نعم الله، ويعلم أن كل ما لديه هو من فضل الله. هذا الشكر يمنع الغرور والطغيان ويدعو الإنسان إلى التواضع والعبودية. فشكر النعمة يزيدها، ويبعد الإنسان عن الغفلة. 4. ذكر الله في جميع الأحوال (الذكر الدائم): المؤمن الحقيقي، سواء كان في فقر أو غنى، في شدة أو رخاء، يحافظ على ذكر الله في قلبه ولسانه. ذكر الله، الصلاة، تلاوة القرآن، والتفكر في آيات الله، كلها تشكل درعًا يحمي الإنسان من فخ النسيان والتعلق المفرط بالدنيا. 5. الاعتدال والتوازن في الحياة: يؤكد القرآن الكريم على ضرورة الحفاظ على التوازن بين الدنيا والآخرة. ففي سورة القصص، الآية 77، يقول تعالى: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا". هذه الآية توضح بجمال أن الإسلام لا يدعو إلى الرهبنة ويسمح بالاستمتاع بنصيب من الدنيا، لكنه يضع الأولوية للآخرة ورضا الله. تاريخ الإسلام مليء بالأمثلة المشرقة لأثرياء لم يغفلوا أبدًا عن ذكر الله. فصحابة مثل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وخديجة الكبرى، كانوا من أبرز التجار والأثرياء في زمانهم، ومع ذلك جاهدوا بأموالهم في سبيل الإسلام، وأغاثوا المحتاجين، ولم تلههم الدنيا عن ذكر الله أبدًا. إنهم قدوات توضح أن الثروة لا يمكن أن تكون عقبة أمام الروحانية فحسب، بل يمكن أن تصبح منصة للانطلاق نحو الكمالات الإلهية، شريطة ألا يرتبط قلب الإنسان بالدنيا وأن يظل دائمًا متوجهًا إلى مصدر الوجود. في الختام، إنها خيار كل فرد كيف يتعامل مع ثروته. الثروة مثل الماء الجاري؛ إذا وُجِّهت في المسار الصحيح، جلبت الرخاء والحياة، ولكن إذا حُجِزت أو جرت في اتجاه غير مناسب، أحدثت الدمار والفساد. والمؤمن اليقظ هو الذي لا يغفل أبدًا عن غايته الأساسية، وهي لقاء الله، رغم النعم الدنيوية، ويستخدم الثروة في طريق مرضاة الخالق.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن تاجراً ثرياً كان يملك أموالاً لا حصر لها، وبيوتًا وحدائق وقوافل. لكن قلبه كان دائمًا قلقًا من أن تزول ثروته يومًا ما، وهذا القلق حرمه النوم والراحة. وكلما زار شيخًا حكيمًا، كان يسأله: 'يا حكيم، كيف يمكنني أن أجد السلام مع كل هذه الثروة ولا أنسى الله؟' ابتسم الشيخ الحكيم وقال: 'يا بني، الثروة مثل ماء البحر؛ كلما شربت أكثر، ازددت عطشًا. ولكن إذا أخذت منها بقدر حاجتك وأنفقت بسخاء على الآخرين، فلن يرتوي عطشك فحسب، بل ستبقى نقيًا وصافيًا، وسيمتلئ قلبك بذكر الحق.' تأثر التاجر بكلام الشيخ. بدأ بمساعدة المحتاجين، وبناء المدارس والمستشفيات، وأنفق من أرباح تجارته في سبيل الله. لم يمض وقت طويل حتى اطمأن قلبه، وبين كثرة المال، لم ينس الله. أدرك أن السعادة الحقيقية ليست في تكديس الثروة، بل في العطاء والشكر.

الأسئلة ذات الصلة