نعم، يمكن للمرء أن يحافظ على العفة في عالم اليوم؛ بتقوية الإيمان والتقوى، وغض البصر، والالتزام باللباس المناسب، وتجنب بيئات المعصية، والاعتماد على الزواج وذكر الله الدائم. يقدم القرآن الكريم حلولاً عملية لذلك، مما يجعل العفة قابلة للتحقيق.
هذا سؤال عميق وفي محله يواجهه الكثير من الناس، وخاصة الشباب، في عالم اليوم المليء بالتحديات. الإجابة القاطعة والواضحة المستمدة من تعاليم القرآن الكريم وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هي: نعم، بالتأكيد يمكن. فالعفة والطهارة ليسا فقط قيمتين نبيلتين وممكنتين في الإسلام، بل هما واجب وطريق للوصول إلى السلام الداخلي والسعادة الحقيقية في كل زمان ومكان. القرآن الكريم، بصفته نور الهداية للبشرية، يقدم حلولاً عملية وشاملة للحفاظ على العفة، والتي وإن نزلت قبل أربعة عشر قرناً، إلا أنها لا تزال قابلة للتطبيق تماماً وتقدم حلاً للإنسان المعاصر. الخطوة الأولى والأكثر أساسية للحفاظ على العفة هي تهذيب النفس وتقوية الإيمان والتقوى. يؤكد القرآن مراراً على أهمية التقوى، أي خشية الله والورع. تمنح التقوى الإنسان قوة لمقاومة الإغراءات والجاذبيات الدنيوية الزائفة. عندما يعلم الإنسان أن الله يراقبه دائماً، وأن كل نظرة، وكل كلمة، وكل فعل مسجل، فإن هذا الوعي يمنعه من المعصية ويدفعه نحو الطهارة. في سورة النور، الآيتين 30 و 31، يعطي الله أوامر صريحة للرجال والنساء المؤمنين بشأن غض البصر وحفظ الفروج. لا تؤكد هذه الآيات على غض البصر (خفض البصر عن المحرمات) فحسب، بل تؤكد أيضاً على حفظ الفرج (الأعضاء التناسلية). وهذا يعني أن العفة ليست مجرد الامتناع عن الزنا، بل تشمل أيضاً التحكم في البصر والأفكار وحتى الكلام والسلوك. في عالم اليوم، حيث توفر وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية صوراً ومحتويات غير مناسبة بسهولة، أصبح التحكم في البصر جهاداً عظيماً. لكن هذه الآيات نفسها تشير إلى أن هذا التحكم ليس ممكناً فحسب، بل هو "أزكى لهم" أي "أطهر لكم"، ويؤدي إلى تطهير الروح والنفس. الحل الثاني هو الاهتمام باللباس والحجاب المناسب. في الآيات نفسها من سورة النور، وكذلك في سورة الأحزاب (الآية 59)، يأمر القرآن الكريم النساء المؤمنات بألا يبدين زينتهن وأن يرتدين اللباس المناسب. يلعب هذا اللباس، الذي يهدف إلى الحفاظ على الخصوصية الشخصية والاجتماعية ومنع إثارة غير المحارم، دوراً مهماً في خلق بيئة صحية وعفيفة. في عصر يتم فيه الترويج للأزياء والملابس غير اللائقة من خلال وسائل الإعلام المختلفة، يتطلب الالتزام باللباس الإسلامي إرادة قوية وبصيرة عميقة. لكن هذا يساعد النساء على البقاء في مأمن من النظرات الشهوانية وإظهار كرامتهن وشخصيتهن الحقيقية، وليس مجرد المظهر الخادع. وبالنسبة للرجال أيضاً، فإن ارتداء الملابس المناسبة والابتعاد عن الملابس المثيرة والضيقة جزء من مفهوم اللباس العفيف. الإرشاد الثالث والحيوي هو تجنب مقدمات المعصية والبيئات الفاسدة. في سورة الإسراء، الآية 32، يقول القرآن الكريم: "وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ کَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِیلاً"، أي: "ولا تقربوا الزنا، إنه كان فاحشة وساء سبيلاً". لا تنهى هذه الآية عن الزنا فحسب، بل تنهى أيضاً عن الاقتراب منه، أي عن أي نشاط يمكن أن يؤدي إليه. ويشمل ذلك الخلوة مع غير المحارم، والمحادثات المثيرة، ومشاهدة المحتوى الفاحش، والتواجد في بيئات فاسدة. في عالم اليوم، حيث تضاءلت حواجز الاتصال بشكل كبير ويسهّل الوصول إلى الأفراد من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، يتطلب الامتناع عن هذه المقدمات ضبطاً ذاتياً قوياً للغاية واتخاذ قرارات واعية. هذا يعني أنه يجب علينا أن نختار بذكاء من نقضي وقتنا معه، وفي أي بيئات، وما هو المحتوى الذي نستهلكه. الحل الرابع هو الزواج وتكوين الأسرة. يقدم الإسلام الزواج على أنه الطريق الحلال والمشروع لإشباع الغرائز الجنسية والحفاظ على العفة. في سورة النور، الآية 32، يأمر الله المؤمنين بتزويج العزاب المستحقين، ويتعهد بأنه إذا كانوا فقراء، فإن الله سيغنيهم من فضله. الزواج، إلى جانب توفيره للهدوء الروحي والجسدي، يمنع الوقوع في فخ الخطايا الجنسية. في عالم اليوم، حيث جعلت العوائق الاقتصادية والاجتماعية الزواج أكثر صعوبة، فإن الجهود لتسهيل الزواج والترويج له كقيمة إلهية، هي طريقة مهمة لمكافحة الفاحشة. أما من لا يستطيع الزواج، فيمكنه أن يتحكم في نفسه بالصيام وتقوية الإرادة. الجانب الخامس، وربما الأكثر أهمية، هو يقظة القلب والذكر الدائم لله. يعلمنا القرآن الكريم أن السلام الحقيقي يكمن في ذكر الله. "أَلاَ بِذِکْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد، 28). عندما يطمئن قلب الإنسان بذكر الله وتتضاءل فيه التعلقات الدنيوية، فإن الميول النفسية تتعدل أيضاً. المشاركة في صلوات الجماعة، تلاوة القرآن، الدعاء والمناجاة، ومراقبة السلوك والأفعال، كلها تساعد على تقوية هذه اليقظة القلبية. في مواجهة سيل المعلومات والإغراءات في العالم الحديث، يعمل هذا الارتباط الروحي كمرساة إنقاذ تحافظ على سفينة وجود الإنسان ثابتة في العواصف. في الختام، فإن الحفاظ على العفة في عالم اليوم، وإن بدا صعباً، إلا أنه ممكن تماماً ويمكن تحقيقه بالاستناد إلى التعاليم الإلهية وإرادة قوية. هذا المسار لا يؤدي إلى العفة الفردية فحسب، بل يساهم أيضاً في صحة المجتمع ويمهد الطريق للسعادة الأبدية. لقد وعدنا القرآن الكريم بأن من يتقي الله ويتجنب المحرمات، فإن الله سيجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب. هذا الوعد الإلهي هو أكبر حافز للسعي في طريق العفة والطهارة.
يُروى أن شابًا في مدينة مضطربة، حيث تميل القلوب بسهولة إلى كل إغراء، سعى للحفاظ على طهارته وعفته. كان قلبه يخفق بشدة، وكانت وسوسة نفسه تجره في كل اتجاه. ذات يوم، اقترب من حكيم جالس يراقب من زاوية، وقال له: "يا شيخ الحكيم، في هذا الزمان الذي تنتشر فيه شباك الشهوة في كل حي وزقاق، كيف يمكن للمرء أن يحافظ على طهارته ويُبعد قلبه عن النجاسات؟" فأجاب الحكيم بابتسامة دافئة: "يا شاب، جوهرة العفة تسكن في صدفة قلوب المؤمنين. كلما هبت ريح الوسوسة، أغلق نوافذ قلبك بستار التقوى، واشعل مصباح الإيمان أكثر. من كان قلبه مرتبطًا بذكر الحبيب (الله)، فلن تقع عينه على كل نقش وزخرفة، ولن تنزلق قدمه في كل طريق. لن يطلب الماء النقي إلا إذا ذهب إلى نبع التقوى الصافي، ولن يجد الطمأنينة إلا إذا استراح في ظل الرضا الإلهي. اعلم أن من يحافظ على نفسه بالعفة والطهارة، فإن الله سيحفظه من شر كل ما هو نجس." أخذ الشاب بنصيحة الحكيم، وبالتوكل على الله وتقواه، اتبع طريق العفة، وحرر نفسه من نجاسات زمانه، وحقق السلام الداخلي الحقيقي.