النية للذنب دون عمل لا تُعتبر ذنبًا بحد ذاتها ، لكن الله يعلم بما في الصدور.
إن موضوع النية وأعمال الإنسان هو من القضايا الحيوية التي تطرقت إليها آيات القرآن الكريم بشكل مفصل. إن القرآن لا يقتصر فقط على فقه الأفعال الظاهرة بل يتعدى ذلك إلى مقاصد القلوب ونواياها. فعندما نتحدث عن النية، ينبغي أن ندرك أنها الفكرة الأساسية التي تحدد صحة العمل من عدمه، ولهذا نجد آيات عدة تناقش هذا الموضوع بشكل يصعب تجاهله. ففي سورة البقرة، الآية 225، نجد الله سبحانه وتعالى يؤكد لنا أنه وحده العلم بما في قلوب الناس، حيث قال: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ولَهُ مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ". هذه الآية تحمل في طياتها رسالة قوية حول أهمية النية في الأعمال. إن الله يعلم ما في القلوب، مما يعني أن الأعمال السلبية التي تخرج عن النية الصحيحة قد تجر على الإنسان عواقب وخيمة. وبالتالي، تجدر الإشارة إلى أن النية الطيبة الصحية تؤدي إلى أعمال صالحة، وعلى العكس من ذلك، أي نية خبيثة قد تؤدي إلى وبال على النفس. أيضًا، نجد في سورة الأنعام الآية 164 قوله تعالى: "لَا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"، وهي تبيّن أن عقاب الإنسان يأتي نتيجة لنيته وأفعاله. فعندما يُسأل الإنسان عن أفعاله، فإن الله سبحانه وتعالى يأخذ بعين الاعتبار نيته، مما يبرز أهمية تكوين نيات طيبة. إن هذه الآية توضح بأنه لا يمكن تحميل شخص آخر ذنب ما قام به أحد، وهو ما يعزز المسؤولية الفردية التي كتبها الله علينا. إضافةً إلى ذلك، هناك حديث شريف عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول فيه: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". هذا الحديث يبرز بوضوح أن النية هي الحاكم الأساسي للأعمال. فكل عمل يقوم به الإنسان، سواء كان صالحًا أو طالحًا، فإن نية الإنسان تكون المحدد الأساسي لموقفه أمام الله. لذا فإن النية السيئة مهما كانت كانت غير مُنفذة تظل محل مخاطبة يوم القيامة. وعلى وشك الذات الإنسانية، فإننا نجد الكثير من الناس يخطئون في تقييم نواياهم، مما يؤدي بهم إلى جعل الأعمال الطيبة تتأثر سلبًا. فعندما نهدف فقط إلى القيام بالأعمال دون مراعاة النية، نفقد الجوهر الحقيقي للعمل. علينا أن نتذكر أن الأعمال المبنية على النية تتفاعل كيميائيًا مع العوامل الروحية والنفسية التي تحيط بنا. فلو كانت النية خبيثة، فإن العمل الصحيح قد يُفقد قيمته. إن الرجوع إلى نصوص القرآن الكريم يكشف الأبعاد العميقة لفهم النية. فنحن مدعوون لنكون مستعدين للدفاع عن أعمالنا ونوايانا للأجيال القادمة. يجب أن نبحث دائمًا عن نوايا حسنة، حتى عندما نواجه صعوبات نفسية أو اجتماعية تدفعنا أحيانًا إلى اتخاذ خيارات سيئة. إن الوقوع في الخطيئة ليس عذرًا للابتعاد عن حسن النية. من جانب آخر، لا يمكننا إغفال أهمية البيئة والتربية في تشكيل النية. إن النصوص القرآنية والتوجيهات النبوية تعزز من فكرة أنه ينبغي علينا توجيه أنفسنا داخل بيئة داعمة للنوايا الصالحة. فأسلوب حياة الإنسان ومحيطه يؤثران بشكل كبير على كيفية تشكل نواياه، ومن هنا تظهر أهمية التعليم والتوجيه المجتمعي. باختصار، القرآن الكريم يقدم دليلاً شاملاً للحياة الإنسانية من خلال التأكيد على أهمية النية في الأعمال. فالأعمال التي تتم بنية حسنة تعتبر مقبولة عند الله رغم الأخطاء الممكنة التي قد تحدث. ولذلك، علينا جميعًا أن نكون واعين لنياتنا وأفعالنا، راجين من الله أن يعيننا على تصحيح نياتنا ورفع مستوى أعمالنا إلى ما يرضيه. إن عذاب الآخرة والجزاء هو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بما ينوي القلب، لذا يجب أن نسعى جميعًا لرسم نوايا طيبة في قلوبنا.
في أحد الأيام كانت هناك صديقان يجلسان في حديقة. قال أحدهم: أنا أنوي أن أفعل شيئًا خاطئًا، لكن لم أقم بذلك بعد. ابتسم صديقه وأجابه: تذكر، أحيانًا تكون نياتنا أهم من أفعالنا. ذكره أن الله يعلم بالنيات ويقرر بناءً عليها. قادته هذه المحادثة للتفكير بعمق أكبر في أفكاره ونواياه، وسعى للاحتفاظ دائمًا بالنيات الطيبة.