هل الظلم في الدنيا يعني غياب العدالة الإلهية؟

الظلم في الدنيا لا يعني غياب العدالة الإلهية؛ بل هو نتيجة أفعال البشر، وهذه الدنيا دار ابتلاء. العدالة الكاملة ستتحقق في يوم القيامة، حيث لا يغفل عن أي ظلم.

إجابة القرآن

هل الظلم في الدنيا يعني غياب العدالة الإلهية؟

إن رؤية التباينات والظلم في العالم هي إحدى أكثر القضايا تحديًا للعقل البشري. عندما نسأل أنفسنا لماذا يعاني الأبرياء، أو لماذا يبدو الظالمون ناجحين أحيانًا، قد يتبادر إلى الذهن سؤال عما إذا كان هذا الوضع يعني غياب العدالة الإلهية أو ضعفها. والإجابة القاطعة من منظور القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية هي: لا، فالظلم الموجود في الدنيا لا يعني بأي حال من الأحوال غياب العدالة الإلهية. بل إن الفهم الصحيح لهذه المسألة يتطلب نظرة عميقة إلى الأبعاد المختلفة للحكمة والمشيئة الإلهية، وطبيعة الدنيا كدار ابتلاء واختبار، ووعود الله ليوم الحساب. أولاً، يؤكد القرآن الكريم بصراحة وتكرار على عدل الله المطلق. فالله تعالى هو أعدل العادلين، ولا يظلم أحدًا قط. الظلم والجور ليس في ذات الله، وهو منزه عن كل نقص واعوجاج. آيات عديدة تبين هذه الحقيقة، منها الآية 44 من سورة يونس التي تقول: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»؛ أي «إن الله لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون». هذه الآية تبين بوضوح أن مصدر الكثير من الظلم هو أعمال واختيارات البشر أنفسهم، وليس إرادة إلهية للظلم. فالبشر باختياراتهم الحرة، يختارون مسارات الخير والشر، ويتحملون عواقب ذلك في الدنيا والآخرة. فالطمع والجشع والأنانية وحب السيطرة لدى البشر هي التي تؤدي إلى الظلم والجور، وليس إهمال من جانب الخالق. ثانيًا، الدنيا، وفقًا لآيات القرآن، هي دار اختبار وابتلاء، وليست دار جزاء ومكافأة كاملة. خلق الله تعالى الموت والحياة ليختبر البشر ويميز أحسنهم عملًا. ففي الآية 2 من سورة الملك يقول: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ»؛ أي «الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور». في هذا الميدان من الاختبار، يمكن أن تكون الصعوبات والآلام وحتى الظلم الذي يقع على الإنسان من الآخرين جزءًا من الابتلاء الإلهي. هذه الابتلاءات تهدف إلى صقل روح الإنسان، وإظهار صبره وإيمانه ومقاومته وإرادته. فالذين يتحلون بالصبر في مواجهة الظلم ولا ينحرفون عن طريق الحق، لهم أجر عظيم عند الله. هذا لا يعني الموافقة على الظلم، بل التأكيد على قدرة الإنسان على النمو والكمال حتى في الظروف الصعبة. ثالثًا، العدالة الإلهية الكاملة والمطلقة ستتحقق بشكل تام ونهائي في يوم القيامة، أي يوم الحساب. فالدنيا لا تستوعب هذا القدر من العدالة والتعويض. فالكثير من أعمال البشر تظل خفية في هذه الدنيا، أو لا تظهر آثارها الكاملة. لكن في يوم القيامة، تُكشف الحجب، ويرى كل إنسان ما قدمه من خير أو شر حاضرًا أمامه. يقول الله تعالى في الآية 49 من سورة الكهف: «وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا»؛ أي «ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا». هذه الآية تؤكد أن لا عمل، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، سيهمل، وأن أحدًا لن يُظلم أبدًا. فالظالمون سيجدون جزاء أعمالهم، والمظلومون سيجدون مكافأة صبرهم وتحملهم. لذا، فإن هذا العالم الفاني هو مجرد مقدمة لذلك الحساب النهائي. رابعاً، يعود جزء كبير من الظلم إلى عدم التزام البشر بالقوانين الإلهية وخروجهم عن مسار الهداية. فعندما يتجاوز الإنسان حدود الله، يتجه نحو النزاع والحرب والظلم بدلًا من السلام والعدالة. فالفساد والفقر والكثير من الكوارث الاجتماعية تعود جذورها إلى السلوكيات الظالمة للبشر. يقول الله في القرآن إنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهذا يعني إعطاء الإنسان حرية الاختيار والمسؤولية. إذا اختارت البشرية طريق الظلم والفساد، فلا يمكنها أن تلقي باللوم على العدل الإلهي. في الختام، إن وجود الظلم في الدنيا ليس أبدًا دليلاً على غياب العدالة الإلهية. بل إن هذه المظالم هي بمثابة جرس إنذار للبشر لكي يعودوا إلى رشدهم، وألا يتجاوزوا حدود الله، وأن يسعوا جاهدين لإقامة العدل بما يستطيعون، وأن يعلموا أن الحساب النهائي قادم لا محالة. هذه الفكرة تمنح الإنسان الأمل بأنه لا حق يضيع، ولا ظلم يبقى بلا رد. فالإيمان بالعدل الإلهي ليس فقط عزاء للمظلومين، بل يغرس خوفًا في قلوب الظالمين بأن لا عمل لهم سيبقى خفياً. هذه النظرة تساعد المؤمن على الصمود بالصبر والثبات أمام الشدائد، وألا ييأس أبدًا من رحمة ربه وعدله، فقد قال الله: «وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (البقرة: 216). هذه الآية تؤكد أيضًا على وجود حكمة خفية في الظواهر قد لا تكون مفهومة لنا للوهلة الأولى. لذا، لننظر إلى هذا العالم بقلب مطمئن وعين بصيرة، ولنعلم أن الله هو الأعدل ولا يظلم عباده أبدًا، وأن كل شيء في النهاية يتحرك نحو عدالته المطلقة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

جاء في بستان سعدي أن رجلاً قرويًا كان يملك قطعة أرض صغيرة يزرعها بكد وجهد كبيرين. طمع شيخ القرية الظالم في أرضه واستولى عليها بالقوة. ذهب القروي بقلب مكسور وعينين دامعتين إلى القاضي، لكن القاضي أيضًا كان يخشى الشيخ ولم يساعده. رفع القروي المظلوم رأسه إلى السماء وقال: «يا رب! أنت شاهد على الظلم الذي لحق بي. ليس لي ناصر سواك.» عاد إلى بيته وواصل عمله، يطلب رزقه الحلال بصبر وتوكل على الله. لم يمض وقت طويل حتى أصابت آفة كبيرة محاصيل الشيخ، وبدأت ثروته تتلاشى. ومن ناحية أخرى، بفضل صبر ودعاء الرجل القروي، ارتوت أرضه الجافة بمطر الرحمة وأعطت محصولاً جيداً. وفي يوم من الأيام، رأى الناس الشيخ وقد لجأ إلى نفس القروي الذي ظلمه بسبب فقره ويأسه. عندها أدرك الجميع أنه على الرغم من أن العدل الإلهي قد يكون مخفيًا أحيانًا بستار الزمن، إلا أنه لا يغيب أبدًا، وسيُظهر الحقيقة يومًا ما، ويسترد حق المظلوم من الظالم.

الأسئلة ذات الصلة