هل للأعمال الصالحة التي تُفعل بدافع الشهرة قيمة؟

لا، ففعل الخير بدافع الشهرة لا قيمة له في نظر القرآن. قيمة الأعمال تكمن في إخلاص النية وفعلها فقط لرضا الله.

إجابة القرآن

هل للأعمال الصالحة التي تُفعل بدافع الشهرة قيمة؟

في تعاليم القرآن الكريم الغنية والعميقة، يُعد مفهوم 'النية' من المفاهيم الأساسية والمحورية التي تحدد قيمة الأعمال الصالحة وقبولها. النية هي روح وجوهر كل فعل؛ وبدونها، يفقد العمل، مهما بدا عظيماً وصالحاً في ظاهره، قيمته الحقيقية. يؤكد القرآن صراحة على أن العمل لا يكون ذا قيمة ومقبولاً عند الله إلا إذا تم بإخلاص كامل، أي لطلب رضا الله تعالى وحده، دون أي شائبة من الرياء أو التظاهر أو السعي وراء الشهرة أو كسب مدح الناس. بعبارة أخرى، الدافع وراء فعل الخير هو المحدد الرئيسي لقيمته الروحية ومكافأته الأخروية. يدين القرآن الكريم الرياء والتظاهر بشدة، ويعتبرهما نقيض الإخلاص. وقد ورد في عدة آيات بوضوح أن الأعمال التي تُفعل ليراها الناس، وإن جلبت إعجاباً ومدحاً في الدنيا، فإنها ستكون بلا قيمة وبلا ثمر في الآخرة. هذا التعليم ليس مجرد حكم فقهي، بل هو مبدأ تربوي عميق يدعو الإنسان إلى تطهير باطنه وتهذيب نفسه من أي شرك خفي (شرك أصغر). الشرك الأصغر في هذا السياق يعني أن نجعل شريكاً لله في عمل خالص يجب أن يكون لله وحده، حتى لو كان هذا الشريك هو الرغبة في الشهرة أو مدح الناس. على سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية 264، يضرب الله مثلاً بليغاً في هذا الصدد: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى، كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر. فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا. لا يقدرون على شيء مما كسبوا، والله لا يهدي القوم الكافرين). هذه الآية تبين بوضوح أن عمل الخير كالصدقة، إذا كان مصحوباً بدافع الرياء والتظاهر، فلن يكون له أي قيمة أو أجر عند الله، وهو كالتراب على الصخرة الذي يزول بأول مطر غزير، ولا يبقى سوى الصخرة الجرداء. هذا التشبيه يقدم صورة واضحة جداً عن عقم الأعمال التي تُفعل للرياء في الآخرة. كذلك، في سورة الكهف، الآية 110، يخاطب الله النبي (ص) قائلاً: "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً). هذا الجزء من الآية، "وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً"، لا يؤكد على توحيد العبادة فحسب، بل على توحيد النية أيضاً. أي أن الأعمال الصالحة يجب أن تُفعل بإخلاص ولله وحده، ولا ينبغي أن يكون هناك شريك في نيتها، حتى لو كان ذلك الشريك هو الرغبة في الشهرة أو مدح الناس. هذه الآية تحدد نقاء النية وعدم الإشراك بالله في فعل الأعمال الصالحة كمعيار أساسي لقبولها. كما أن سورة الماعون من السور التي تتناول بحدة قضية الرياء في العبادات. الآيات من 4 إلى 6 من هذه السورة تقول: "فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ" (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون). هذه الآيات تبين بوضوح أن أداء فريضة مهمة كالصلاة، إذا كانت مصحوبة بنية الرياء والتظاهر، لا تكتسب قيمة فحسب، بل قد تؤدي إلى الهلاك والعذاب. هذا البيان القرآني يضع الإخلاص كشرط حيوي لا يمكن التنازل عنه لقبول أي عبادة. لذلك، من يصلي ليُقال عنه متدين، أو يتصدق ليُعرف عنه بأنه كريم، يكون قد أضاع الهدف الأساسي من العمل ودمر قيمته الروحية. بشكل عام، يؤكد القرآن أن القيمة الحقيقية للعمل الصالح لا تكمن في مظهره الخارجي، بل في باطنه والدافع الحقيقي لمن يقوم به. إذا قام الإنسان بعمل بقصد كسب رضا الله تعالى، فإنه يكتسب قيمة لا تقدر بثمن عند الله، ويجلب له ثواباً أخروياً عظيماً، حتى لو بدا صغيراً أو تافهاً. أما إذا تم القيام بأكبر أعمال الخير بدوافع الشهرة أو مدح الناس أو أي دافع دنيوي آخر، فإنها ستكون باطلة ولا قيمة لها من منظور إلهي. الهدف من الدين هو تربية أفراد ذوي قلوب نقية ونوايا خالصة، يتوجهون في جميع أعمالهم إلى الله وحده، ويتجنبون أي شكل من أشكال الشرك، سواء كان ظاهراً أو خفياً. هذا الإخلاص هو حجر الزاوية في بناء علاقة عميقة ودائمة مع الخالق ويؤدي إلى الفلاح في الدنيا والآخرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن رجلاً عابداً كان كل يوم، بقصد التظاهر وكسب انتباه الناس، يبلل الأرض المحيطة بالمسجد بماء وضوئه ليُظهر مدى اجتهاده في العبادة. في أحد الأيام، مرّ الشاعر سعدي الشيرازي، صاحب الكلام العذب، من هناك. فسأله الرجل العابد بغرور: "يا شيخ، هل أعمالي مقبولة عند الحق؟" ابتسم سعدي وقال: "يا أخي، لو وصلت قطرة من تلك المياه إلى قلبك وتوجهت بها بنية خالصة نحو ربك، لكان ذلك خيراً من أن تبلل الأرض كلها لتُظهرها للناس. إن الله ينظر إلى النوايا، لا إلى العروض." تذكرنا هذه القصة الجميلة أن القيمة الحقيقية للأعمال لا تكمن في عظم مظهرها ولا في مدح الناس وثناءهم، بل في النية النقية والمخلصة التي تُفعل بها الأعمال ابتغاء رضا الله وحده. فلنُطهر قلوبنا من شهوة الشهرة والطمع بها، ولننظُر فقط إلى محيط اللطف الإلهي اللامحدود.

الأسئلة ذات الصلة