يؤكد القرآن على مسؤولية الإنسان تجاه الحيوانات، معتبراً إياها "أممًا" كالبشر، ويدعو إلى اللطف بها، وتجنب إيذائها، وتلبية احتياجاتها كجزء من العدل والإحسان في الأرض.
في القرآن الكريم، تتناول آيات الله سبحانه وتعالى مسؤولية الإنسان تجاه الحيوانات بشكل مباشر وغير مباشر، ولكن بوضوح وعمق كبيرين. إن النظرة القرآنية للحيوانات هي نظرة شاملة، أخلاقية، وتستند إلى فهم مكانتها الرفيعة في الخلق الإلهي. لا ينظر القرآن إلى الحيوانات على أنها مجرد كائنات غير مهمة أو مجرد أدوات لاستخدام الإنسان؛ بل يقدمها كمخلوقات ذكية، تمتلك مجتمعات خاصة بها، والأهم من ذلك، كآيات حية من قدرة الله وحكمته ورحمته اللامتناهية. هذا المنظور الإلهي الأساسي يضع مسؤولية كبيرة على عاتق البشر، بصفتهم خلفاء ووكلاء على الأرض، وهي مسؤولية تتجاوز مجرد الاستفادة وتشمل أبعادًا أخلاقية وروحية واسعة. من المبادئ الأساسية والعميقة التي يعبر عنها القرآن بخصوص الحيوانات هو أنها "أمم أمثالكم" أي مجتمعات شبيهة بالإنسان. في سورة الأنعام، الآية 38، يقول الحق تبارك وتعالى صراحة: «وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ». هذه الآية تشير بوضوح إلى وجود شكل من أشكال الوعي، والهياكل الاجتماعية، والقيمة الذاتية في حياة الحيوانات. عندما يصفها الله بأنها "أمم أمثالكم"، فإن هذا يحمل مفهومًا عميقًا للتعايش والاحترام المتبادل. هذا يعني أن للحيوانات حقوقًا يجب على الإنسان مراعاتها، حقوقًا تنبع من وضعها كمخلوقات لله. وتأكيد الآية على أنه "ثم إلى ربهم يحشرون" يزيد من هذا المعنى، حيث يشير إلى أن الحيوانات ستشهد أيضًا نوعًا من الحضور والعودة إلى خالقها في عالم ما بعد هذا العالم، مما قد يشير إلى المساءلة الإلهية والعدل حتى فيما يتعلق بتعامل البشر معها. هذا المنظور يبطل أي شكل من أشكال القسوة أو الظلم أو عدم الاحترام تجاه الحيوانات. القرآن الكريم، بالإضافة إلى اعتباره الحيوانات أممًا مستقلة، يشير أيضًا إلى الفوائد والمنافع المتعددة التي تقدمها للبشر. ومع ذلك، فإن هذه المنافع لا تعتبر أبدًا ترخيصًا للظلم أو الإساءة؛ بل هي فرص للشكر والامتنان لنعم الله. في سورة النحل، الآيات 5 إلى 8، يقول الله تعالى: «وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٥﴾ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴿٦﴾ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿٧﴾ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨﴾». توضح هذه الآيات أن الحيوانات خُلقت بحكمة خاصة لخدمة البشر، وتوفير الغذاء والملابس والنقل، وحتى المتعة الجمالية. لكن هذه الخدمة يجب أن تكون مصحوبة بالرعاية واللطف والالتزام بالمبادئ الأخلاقية. إن الإشارة إلى "الجمال" في هذه الآيات مهمة جدًا؛ فهي تدل على أنه حتى الجوانب غير النفعية والجمالية للحيوانات يجب تقديرها والاستمتاع بها، بدلاً من معاملتها على أنها مجرد أدوات لا روح فيها. علاوة على ذلك، يؤكد القرآن بشكل عام على مبادئ "العدل والإحسان" وتجنب "الفساد في الأرض"، والتي تنطبق بلا شك على معاملة الحيوانات. فأي شكل من أشكال المضايقة، أو التعذيب، أو التجويع، أو التعطيش، أو الحبس غير المبرر، أو أي عمل يسبب معاناة لا داعي لها للحيوان، يتناقض بشكل مباشر مع تعاليم القرآن. على الرغم من أنه قد لا توجد آية صريحة تقول: "لا تؤذوا الحيوانات" أو "احترموا حقوق الحيوان"، إلا أن الروح العامة للرسالة القرآنية مبنية على الشفقة والرحمة والوقاية من جميع أشكال الظلم والفساد في الأرض. فالله لا يحب "المفسدين" (سورة القصص، الآية 77)، ويمكن أن يشمل الفساد تدمير البيئة والصيد الجائر وسوء معاملة الكائنات الحية. وقد قدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان المفسر والمطبق العملي للقرآن، أمثلة لا تعد ولا تحصى من اللطف والرحمة تجاه الحيوانات طوال حياته، والتي استمدت من هذه المبادئ القرآنية نفسها وتعتبر تفسيرًا عمليًا لها. تشمل مسؤولية الإنسان تجاه الحيوانات أيضًا توفير ظروف معيشية مناسبة لها. وهذا يعني أنه إذا كان الحيوان تحت رعاية الإنسان، فيجب توفير الغذاء الكافي، والماء النظيف، والمأوى المناسب له لحمايته من قسوة الطقس والمخاطر. علاوة على ذلك، فإن استخدام الحيوانات لأغراض مثل النقل، أو العمل، أو حتى البحث العلمي (إذا لزم الأمر وتم إجراؤه بشكل أخلاقي)، يجب أن يتم بطريقة تراعي قدراتها، وتجنب إثقالها بأكثر مما تطيق، وتمنع المعاناة غير الضرورية. حتى فيما يتعلق بذبح الحيوانات من أجل الطعام، يقدم القرآن (والسنة النبوية) تعليمات دقيقة للغاية تهدف إلى تقليل معاناة الحيوان والحفاظ على كرامته حتى اللحظة الأخيرة. تشمل هذه التعليمات استخدام أدوات حادة، وذبح سريع وإنساني، وتجنب ذبح حيوان أمام حيوان آخر - وكلها تسلط الضوء على اهتمام الإسلام العميق بمراعاة حقوق الحيوانات. في الختام، يمكن القول إن مسؤولية الإنسان تجاه الحيوانات جزء لا يتجزأ من الرؤية الإسلامية والقرآنية للعالم. فالعدوان على الحيوانات أو إهمالها أو عدم الاكتراث بها ليس مجرد عمل غير أخلاقي، بل هو تعدٍّ على حقوق مخلوقات الله التي خلقها وأبدعها. ليست الحيوانات مجرد كائنات للاستغلال؛ بل هي جزء من النظام الإلهي للخلق، وتمتلك حقوقًا. إن العناية بها وإظهار اللطف تجاهها هو في حد ذاته عمل عبادة، وتعبير عن الشكر للخالق، وخطوة نحو تحقيق دور الإنسانية كخلفاء لله على الأرض. هذه المسؤولية تشمل جميع الحيوانات، سواء كانت أليفة أو برية، وتذكر البشر بأنهم ليسوا سكان الأرض الوحيدين. يجب عليهم التفاعل مع جميع مخلوقات الله بالشفقة والعدل والالتزام بالحفاظ على التوازن. هذا النهج الشامل والأخلاقي لا يساهم فقط في الحفاظ على التنوع البيولوجي والتوازن البيئي، ولكنه ينمي أيضًا الفضائل الأخلاقية مثل التعاطف والرحمة والمسؤولية في البشر، مما يؤدي إلى مجتمع أكثر إنسانية ورحمة. لذلك، يمكن التأكيد بشكل قاطع أن القرآن الكريم يشدد على مسؤولية الإنسان تجاه الحيوانات، ويعتبر هذه المسؤولية مكونًا لا ينفصل عن الإيمان والأعمال الصالحة.
سمعت أن رجلاً عطش في صحراء فوجد بئرًا. فلما شرب وارتوى، رأى كلبًا يلهث من شدة العطش، يخرج لسانه ويلعق التراب. فقال الرجل لنفسه: "هذا الكلب عطشان أيضًا، وإذا لم أسقه، سيموت." فعاد إلى البئر، وملأ حذاءه بالماء، وسقاه للكلب حتى ارتوى. وبسبب هذا العمل الصالح، غفر الله تعالى ذنوب ذلك الرجل وأنقذه. قال سعدي العذب: "من يظهر الشفقة على الخلق، فإن الله تعالى يظهر له اللطف." تعلمنا هذه الحكاية اللطيفة مدى قيمة إظهار اللطف تجاه أي مخلوق، حتى حيوان عطشان، في نظر الله تعالى، وكيف يمكن أن يكون مفتاحًا للخلاص والمغفرة.