لا يستخدم القرآن مصطلح "الأشخاص السامين" صراحة، لكنه يقدم إرشادات واسعة للتعامل مع الأفراد الصعبين. تؤكد هذه التعاليم على الصبر، العفو، مقابلة السيئة بالحسنة، تجنب اللغو، والتوكل على الله للحفاظ على السلام الداخلي والراحة الروحية.
القرآن الكريم، بصفته كلام الله الهادي ومنارة للبشرية في جميع جوانب الحياة، يقدم تعاليم عميقة وشاملة حول كيفية التعامل مع أنواع مختلفة من الأفراد، بما في ذلك أولئك الذين قد يظهرون سلوكيات سلبية، مزعجة، أو مدمرة - ما يشار إليهم اليوم عادة بـ "الأشخاص السامّين". وعلى الرغم من أن مصطلح "الشخص السام" بحد ذاته لا يستخدم صراحة في القرآن، فإن آياته الكثيرة توفر مبادئ خالدة ترتكز على أسس أخلاقية وروحية، تهدف إلى الحفاظ على السلام الداخلي للمؤمن، وتعزيز الخير، والتخفيف من الشر في المجتمع. في جوهرها، يقدم القرآن استراتيجيات شاملة وفعالة للتعامل مع أي تحدٍ في العلاقات الإنسانية، بما في ذلك العلاقات مع الأفراد الذين يوصفون اليوم بأنهم "سامّون". تساعدنا هذه التوجيهات على المضي في عالم مليء بالتحديات البشرية بحكمة ووقار، وحماية أنفسنا من الضرر الروحي والنفسي، مع إبقاء الباب مفتوحًا دائمًا للهداية والإصلاح للآخرين. هذه الإرشادات ليست فقط للحفاظ على الذات، بل لرفع المستوى العام للأخلاق والعلاقات في المجتمع الإسلامي. هذا النهج هو طريقة فعالة وسلمية لإدارة النزاعات والحفاظ على الرفاهية العقلية الفردية والجماعية. من أبرز وأهم التعاليم القرآنية في هذا الصدد هو التأكيد على "الصبر" و"المداراة". يدعو الله تعالى المؤمنين في آيات عديدة إلى التحلي بالصبر في مواجهة المصاعب، الأذى، وسوء المعاملة. الصبر، في هذا السياق، ليس مجرد تحمل سلبي، بل هو ثبات فعال على طريق الحق، وضبط النفس تجاه الاستفزازات، وعدم مقابلة السيئة بالسيئة. هذا النوع من الصبر هو أداة قوية لتحييد الطاقات السلبية ومنع تصعيد العداوات. في سورة فصلت (41:34)، يقول الله تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ". تضع هذه الآية قاعدة ذهبية في التفاعلات الاجتماعية: مقابلة السلوك السام بالإحسان يمكن أن يغير طبيعة العلاقة ويحول العدو إلى صديق حميم. هذا النهج لا يمنع المزيد من الضرر فحسب، بل يفتح الباب أيضًا لإمكانية هداية الطرف الآخر وإصلاحه، ويمنح المؤمن القوة ليظل قوياً وثابتاً داخلياً عند مواجهة الضيق. الصبر والتحمل لا يعنيان قبول الظلم، بل يعنيان عدم الاستجابة العاطفية والفورية التي قد تزيد الوضع سوءًا؛ بل يوفران فرصة لإيجاد أفضل استجابة في هدوء. بالإضافة إلى الصبر والمداراة، يؤكد القرآن بشدة على "العفو" و"الصفح". فمسامحة الأخطاء وتجاوز الجهالات من صفات المؤمنين الصادقين. هذا لا يعني التغاضي عن الظلم، بل يعني إظهار الكرامة والتخلص من قيود الحقد والضغينة، التي يمكن أن تكون هي نفسها من أشد الحالات الروحية سمية للفرد. يعلمنا القرآن أن ثقل الحقد والانتقام يضر الفرد أكثر من أي شيء آخر. في سورة الأعراف (7:199)، يأمر الله النبي: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ". هذا التوجيه الثلاثي هو خريطة طريق عملية للتعامل مع الأشخاص الجاهلين أو سيئي الخلق: العفو (وهي فضيلة أخلاقية)، والأمر بالمعروف (الذي يمكن أن يشمل النصيحة الحسنة التي تهدف إلى الإصلاح)، وأخيراً، الإعراض عن أولئك الذين لا يقصدون سوى الجدل والإزعاج. الإعراض هنا يعني الابتعاد عن الجدالات العبثية والحفاظ على السلام الروحي. هذا الامتناع عن الجدال العبثي يدل على الحكمة والنضج الذي يسمح للإنسان بتكريس طاقته لأمور أكثر فائدة. نقطة أخرى حاسمة هي تجنب "اللغو" و"المجالس الباطلة". يحذر القرآن المؤمنين من التجمعات والمحادثات التي يسودها اللغو، السخرية، الغيبة، والنميمة. هذه البيئات السامة، لا تهدر وقت الفرد وطاقته فحسب، بل تلوث روحه وعقله أيضاً. في سورة الفرقان (25:72)، من صفات "عباد الرحمن" (بندگان الرحمن) أنهم: "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا". هذا يعني أن المؤمنين يجب أن يكونوا يقظين ويبتعدوا عن البيئات السامة والمدمرة. هذا الابتعاد ليس من ضعف، بل من حكمة وللحفاظ على نقاء الروح والعقل. إذا كان الفرد يشع سلبية باستمرار، يغتاب، يحقر، أو يزعج الآخرين بكلماته، فإن القرآن يعلمنا أن نبتعد عن مثل هذه البيئات بوقار وكرامة وألا نسمح لسمومهم اللفظية والسلوكية أن تؤذينا. هذا "الابتعاد" يمكن أن يشمل تقليل التواصل، أو حتى قطع العلاقات في الحالات شديدة السوء، مع الالتزام بالمبادئ الأخلاقية ودون ظلم. فصون الصحة النفسية والروحية هو واجب شرعي، وهذا الابتعاد هو وسيلة لتحقيق ذلك. ويؤكد القرآن أيضًا على "القول اللين" و"الجدال الأحسن". حتى عند مواجهة الخصوم، يوصي بالرفق واستخدام المنطق السليم والحجة المقنعة، وليس العدوان أو الإهانة. هذا المبدأ لا ينطبق فقط على الدعوة إلى الحق، بل يوصى به في التفاعلات العادية أيضًا. الهدف هو أنه حتى لو لم يكن بالإمكان تغيير الشخص السام، فبالحد الأدنى يمكن منع تدهور الوضع بالقول اللين، وإبقاء الباب مفتوحًا للتأثير الإيجابي في المستقبل. فاللين في الكلام، حتى مع من يساء إلينا منهم، يغلق الباب أمام تصعيد العداوة ويمكن أن يوفر فرصة لإعادة التفكير والإصلاح. هذا في حد ذاته نوع من الصبر والحكمة في العمل. أخيراً، الاعتماد على الله والتوكل عليه هو الحل الأساسي عند مواجهة أي تحدٍ، بما في ذلك العلاقات الإنسانية الصعبة. عندما يواجه الإنسان شخصًا يبدو أنه لا يقصد سوى الأذى واليأس، فإن ذكر الله والدعاء إليه يمكن أن يجلب راحة نفسية عظيمة. يؤكد القرآن للمؤمنين أن الله هو خير معين وحافظ، وكلما تصرف الإنسان بنية حسنة وتوكل عليه، فإن عون الله سيشمله. هذا التوكل يمنح الإنسان قوة هائلة للتخلص من العبء الثقيل للضغوط النفسية الناتجة عن التعامل مع الأشخاص السامين وتجربة الطمأنينة الحقيقية.
من إحدى حكايات گلستان سعدي، التي تُظهر بجمال درس التعامل مع الأشخاص الصعبين، قصة رجل كان يسيء الكلام إلى صوفي طيب القلب. قال الرجل للصوفي كل ما أراد من شتائم، لكن الصوفي استمع إليه بوجه بشوش وصمت. عندما انتهى الرجل من كلامه، سأل بتعجب: "لماذا لا ترد؟ ألا تسمع كل هذه الكلمات القبيحة؟" فأجاب الصوفي بهدوء: "يا رجل، لدي في قلبي بستان من الخير، ولا أريد أن أملأه بشوكك وأشواكك. كل شخص يعطي ما لديه في جعبته؛ أنا أقدم لك فقط ما في قلبي، وهو السلام والصمت." تعلمنا هذه القصة أنه في مواجهة الكلام السام، يكون أفضل رد أحيانًا هو الصمت والكرامة الذاتية، ويجب ألا ندع سوء نية الآخرين يعكر صفو هدوئنا وحسن خلقنا.