لا يستخدم القرآن مصطلح «الوجدان» مباشرة، لكنه يؤكد بشدة على مفاهيمه من خلال «النفس اللوامة» (الذات اللائمة)، و«الفطرة» (الفطرة الإلهية)، ودور «القلب» كمركز للإدراك الأخلاقي. الثقة بهذه القوة الداخلية، جنبًا إلى جنب مع الهداية الإلهية، أمر بالغ الأهمية للتطور الأخلاقي والروحي للإنسان.
في القرآن الكريم، لا يرد مصطلح «الوجدان» بمعناه النفسي الحديث بشكل مباشر، لكن القرآن يؤكد بشكل عميق على مفاهيم وتعاليم تصف بدقة وظيفة وأهمية «المرشد الأخلاقي الداخلي» أو ما نفهمه اليوم بالوجدان. وبدلًا من كلمة واحدة، يقدم القرآن مجموعة من الأبعاد والقدرات الداخلية للإنسان التي تؤدي مجتمعة دور الوجدان. تشمل هذه المفاهيم «النفس اللوامة»، و«الفطرة»، ودور «القلب» كمركز للفهم والبصيرة الأخلاقية، وكلها تؤكد على أهمية الاستماع إلى صوت الذات الداخلية ومحاسبة النفس. من أكثر المفاهيم القرآنية وضوحًا وقربًا من الوجدان هي «النفس اللوامة»، التي يقسم بها الله تعالى في سورة القيامة، الآية 2: «وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ» (وأقسم بالنفس اللوامة). هذه النفس اللوامة هي الضمير الحي الذي يلوم الإنسان ويعاتبه بعد ارتكاب الخطأ، ويدفعه نحو الندم والعودة عن الذنب. هذا اللوم الداخلي هو علامة على سلامة الروح ويقظة الضمير، الذي أكرمه الله تعالى وأقسم به. إن وجود هذه القوة في فطرة الإنسان هو دليل قاطع على مسؤولية الإنسان وقدرته على تمييز الخير من الشر، والصواب من الخطأ. هذه «النفس اللوامة» هي في الحقيقة المرحلة الأولى من الردع الداخلي ضد المعصية ومبتدأ طريق التوبة والإصلاح؛ قوة تمكن الإنسان من نقد أفعاله والتعلم من أخطائه. مفهوم آخر يشير إلى الوجدان هو «الفطرة». ففي سورة الروم، الآية 30، يقول تعالى: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (فأقم وجهك للدين حنيفًا؛ فطرة الله التي فطر الناس عليها؛ لا تبديل لخلق الله؛ ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون). الفطرة هي الطبيعة النقية الأصلية التي خلق الله الإنسان عليها—ميل فطري إلى التوحيد والحق والخير. هذه الطبيعة الداخلية تدرك الخير بطبيعتها وتنفر من الشر. الثقة بالوجدان في هذا السياق تعني الاستماع إلى هذا الصوت الفطري والإلهي الذي يدعو الإنسان دائمًا إلى الله والعدل والأخلاق الحميدة. إن الانحراف عن سبيل الحق هو في الواقع تجاهل لهذا النداء الفطري، الذي أُرسل الأنبياء لإيقاظه وتذكيره. هذه الفطرة هي مرشد أخلاقي داخلي، وإذا لم تتشوه بعوامل خارجية أو تربية خاطئة، فإنها دائمًا ما تميل إلى ما هو صحيح وحق. بالإضافة إلى ذلك، فإن «القلب» في المنظور القرآني ليس مجرد عضو جسدي، بل هو مركز الإدراك والإيمان والعقل والبصيرة الأخلاقية. تشير آيات عديدة إلى أهمية القلب السليم وبصيرته. فمثلًا، في سورة الحج، الآية 46، يقول تعالى: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها؛ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). القلب الطاهر واليقظ يعمل بمثابة وجدان واضح يدرك الحقائق ويهدي الإنسان إلى القرارات الصائبة. إن مرض القلب، مثل عمى البصيرة والغفلة، يؤدي إلى عدم سماع الإنسان لنداء وجدانه والسير في طريق الخطأ. يؤكد القرآن على تزكية النفس وتطهير القلب لكي يتمكن هذا المركز الإدراكي من العمل بشكل صحيح ويحافظ على يقظة الوجدان. باختصار، يؤكد القرآن على الأهمية العميقة لمرشد أخلاقي داخلي، حتى لو لم يستخدم مصطلح «الوجدان». يعمل هذا المرشد من خلال «النفس اللوامة» التي تلوم الإنسان على أخطائه، و«الفطرة» التي هي الميل الفطري نحو الخير والحق، و«القلب» الذي هو مركز الإدراك والبصيرة الأخلاقية. إن الثقة بهذه القوة الداخلية، إلى جانب التوجيهات الإلهية من القرآن والسنة، تدفع الإنسان نحو الصراط المستقيم وحياة ذات معنى ومسؤولية. تظهر هذه المفاهيم أن الله قد وضع الأدوات اللازمة لتمييز الخير من الشر في داخل الإنسان نفسه، ويطلب منه أن يستمع إلى هذه النداءات الداخلية وأن ينميها ويستخدمها بمساعدة الوحي، ليبلغ السعادة في الدنيا والآخرة. وبالتالي، فإن الثقة بالوجدان، في سياق التعاليم القرآنية، تعني الاستماع إلى هذه الأدوات الإلهية الداخلية واتباعها، مما يؤدي في النهاية إلى التقوى وحياة مليئة بالخير والعدل. هذا المرشد الداخلي هو عمود راسخ في رحلة الإنسان الروحية، يهديه نحو النمو والكمال، ولا ينبغي أبدًا تجاهل صوته، لأنه علامة على الوجود الإلهي في أعماق وجودنا.
يروى أنه في عهد ملك عادل، جاء رجل إلى قاضي المدينة وقال: «يا قاضي، لقد اتهمت بخطأ لم أرتكبه. ضميري مرتاح، وأعلم أنني بريء». توقف القاضي، الذي كان رجلًا حكيمًا يؤمن بالنور الداخلي والفطرة الإلهية، للحظة. قال: «يا رجل، أحيانًا تكون البصيرة الداخلية ووجدان الإنسان أصدق شاهد. أخبرني، ما الذي جعلك مطمئنًا في داخلك وواثقًا من براءتك؟» شرح الرجل بصدق كيف أن صوتًا داخليًا منعه في لحظة تردد من ارتكاب خطيئة عظيمة، على الرغم من أنه لم يكن هناك من يراه. عند سماع هذا، أصدر القاضي حكم البراءة، ليس بناءً على الظاهر، بل بناءً على نقاء باطن الرجل ويقين وجدانه، وقال: «من يسمع نداء نفسه اللوامة ويثق بفطرته النقية، فلن يضل أبدًا. نقاء الوجدان كنز أثمن من كل الشهادات». تذكرنا هذه القصة كيف وضع الله في الإنسان مصباحًا من البصيرة والهداية، الذي إذا استمعنا إليه، سيرشدنا إلى الطريق الصحيح ويحمينا من الأخطاء.