القرآن لا يذكر صراحة «الضغط الاجتماعي من أجل النجاح»، لكنه يحذر بشدة من التعلق المفرط بالدنيا، والمنافسة المادية، والاتباع الأعمى للمعايير الاجتماعية السطحية. إنه يعتبر النجاح الحقيقي في التقوى، رضا الله، والقيم الأخروية، التي تحرر الإنسان من هذه الضغوط.
القرآن الكريم، ككتاب هداية للبشرية، لا يستخدم مصطلح «الضغط الاجتماعي من أجل النجاح» بشكل مباشر، ولكنه يتناول بعمق وشمول جوانب مختلفة من حياة الإنسان يمكن أن تشمل ظاهرة الضغط الاجتماعي لتحقيق النجاحات الدنيوية، ويقدم تحذيرات جادة في هذا الصدد. في الحقيقة، يركز القرآن، بدلاً من تعريف النجاح بمجرد إطار مادي أو اجتماعي، على النجاح الحقيقي والدائم الذي يعتمد على القرب من الله، والتقوى، والعمل الصالح. هذا المنظور القرآني، يقدم حلاً شاملاً للتحرر من الضغوط الخارجية والتعريف الخاطئ للنجاح. أحد أهم المفاهيم التي يتناولها القرآن في هذا السياق هو «حب الدنيا» أو التعلق المفرط بالحياة الدنيا وزينتها. تنبع العديد من الضغوط الاجتماعية لتحقيق النجاح من هذه الرغبة في جمع المال والمكانة والشهرة، التي تعتبر معايير للنجاح في المجتمع. يحذر القرآن بشدة من هذا الإغراء. في سورة الحديد الآية 20، يقول الله تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ». هذه الآية تبين بوضوح أن طبيعة المنافسات الدنيوية والتباهي، التي غالباً ما تحدث تحت الضغط الاجتماعي، هي أمر سطحي وخادع ولا يحمل قيمة حقيقية. هذا التنافس في المكاثرة هو جذر العديد من الضغوط النفسية التي يتحملها الأفراد للتفوق على الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن الكريم على خطر اتباع الأغلبية أو التقاليد الجاهلية التي تتناقض مع الحق. هذه النقطة تشير بشكل غير مباشر إلى الضغط الاجتماعي للتوافق مع الجماعة واتباع المعايير السائدة في المجتمع. في سورة الأنعام الآية 116 نقرأ: «وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ». هذه الآية تحذير لمن ينحرف عن الطريق الصحيح تحت تأثير الرأي العام ومعايير المجتمع. في العديد من المجتمعات، يتم تعريف «النجاح» على أنه جمع الثروة والسلطة والمكانة، وكل من يخرج عن هذا المسار قد يتعرض للضغط أو حتى النبذ. القرآن يعارض هذا الرأي السطحي، ويرى أن طريق السعادة يكمن في اتباع الحقيقة والقيم الإلهية، وليس في القبول الاجتماعي الزائل. قصة قارون في سورة القصص (الآيات 79 إلى 82) هي مثال صارخ على تحذيرات القرآن بشأن جاذبية الثروة والمكانة الدنيوية والضغوط الاجتماعية الناجمة عنها. تكبر قارون بثروته الطائلة بين قومه، وفي النهاية، بسبب هذا التكبر وعدم الشكر، خسف الله به وبداره الأرض. تقول الآية 79: «فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ». هذه الآية تظهر بوضوح شوق وحسرة الناس على ثروة قارون، وهو بحد ذاته نوع من الضغط الاجتماعي للوصول إلى هذا المكانة. ولكن الآية التالية، 80، تعبر على الفور عن رأي أهل العلم والبصيرة: «وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ». هذا التضاد في وجهات النظر يشكل جوهر تحذير القرآن: القيم الإلهية والأخروية أسمى من زينة الدنيا، واتباع القيم الاجتماعية التي تؤدي إلى الغفلة عن الله أمر خطير. الأفراد الذين يسعون تحت الضغط الاجتماعي لتحقيق نجاحات مادية بحتة، غالباً ما يصابون بالقلق والاضطراب، لأن معايير المجتمع تتغير باستمرار والرضا عنها مؤقت. يدعو القرآن بدلاً من التنافس في الدنيا، إلى التنافس في الخيرات والمسارعة إلى الأعمال الصالحة. هذا النوع من التنافس ليس ضاراً فحسب، بل هو مصدر للنمو الروحي والأخلاقي للأفراد. في سورة البقرة الآية 148 يقول: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ». هذا التنافس مبني على التقوى وخدمة الخلق، وليس على اكتساب الشهرة والثروة للتفاخر. هذه النظرة تختلف تماماً عن الضغوط الاجتماعية التي تدفع الفرد نحو نجاحات قد تتعارض مع مبادئه الأخلاقية والروحية. لذلك، يمكن القول إن القرآن الكريم بشكل غير مباشر ولكن عميق جداً، يحذر من الضغوط الاجتماعية لتحقيق النجاحات الدنيوية. تأتي هذه التحذيرات من خلال التأكيد على حقيقة الحياة الدنيا كمعبر مؤقت، وذم الكبر والتباهي، وتقديم التعريف الحقيقي للنجاح (الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة). يوجه القرآن الإنسان نحو قياس قيمته بناءً على ما هو عند الله، وليس ما يحظى بإعجاب الناس وحسدهم. هذه التعاليم تساعد الإنسان على التحرر من قيود الضغوط الاجتماعية وتحقيق السلام الحقيقي والسعادة الدائمة. الحياة التي تبنى على التقوى ورضا الله، بغض النظر عن المعايير المادية للمجتمع، ستكون مليئة بالبركة والطمأنينة. يعتبر القرآن أن الهدف الأساسي من الحياة هو العبادة والوصول إلى رضوان الله، ويذم أي جهد يبعد الإنسان عن هذا المسار، حتى لو كان في شكل «نجاحات» دنيوية. هذا يعني أن النجاح الحقيقي يكمن في التوازن بين الدنيا والآخرة وفي التغلب على النفس الأمارة ووساوس الشيطان، وليس في جلب الانتباه والإعجاب من الآخرين أو تكديس أكثر مما هو ضروري، وهو ما ينبع غالباً من المقارنة والضغط الاجتماعي.
روي أن ملكاً سأل عالماً ذات يوم: «لماذا أنت، رغم مظهرك المتواضع، سعيد ومطمئن بهذا القدر، بينما أنا، بكل هذا الجاه والعظمة، لا أجد لحظة راحة؟» ابتسم العالم وقال: «أيها الملك، أنت تسعى لزيادة ممتلكاتك ولا تغفل عما ينقصك. أما أنا، فأنا شاكر لما أملك، ولا أتعلق بما لا أملك. أنت تسعى لإظهار تفوقك للآخرين وتعاني من المقارنات، بينما أرى التفوق في التقوى والقناعة، لا في وفرة المال والمكانة. هذا الطمأنينة هي نتيجة تحرير قلبي من زينة الدنيا، وأنا أطلب رضا الله وحده. لذلك، فإن ضغوط الدنيا ونظرة الناس لا تشغلني».