نعم، يحذر القرآن صراحة من الآثار السلبية للتعلق المفرط بالثروة على العلاقات الإنسانية. تشمل هذه التحذيرات إهمال الواجبات، وتوليد الغرور والظلم، وإضعاف العدالة الاجتماعية، ما لم تستخدم الثروة في سبيل الخير وبمراعاة حقوق الآخرين.
نعم، لقد حذر القرآن الكريم بوضوح وصراحة من تأثير الثروة على العلاقات الإنسانية. بنظرة عميقة وواقعية لطبيعة المال والممتلكات، لا يعتبر هذا الكتاب السماوي الثروة شراً مطلقاً ولا خيراً بلا قيود، بل هي وسيلة لاختبار الإنسان وأداة يمكن أن تؤدي إلى السعادة والرفاهية أو إلى الفساد والهلاك. يمكن دراسة تحذيرات القرآن في هذا السياق من عدة جوانب، وتشمل أبعاداً مختلفة لتأثير المال على الفرد والمجتمع، وبالتالي على العلاقات الإنسانية. أولاً، ولعل الأهم، هو تحذير القرآن من الوقوع في فخ الزينة الدنيوية وتفضيلها على القيم الروحية والأخروية. يؤكد القرآن مراراً أن الحياة الدنيا وزينتها، بما في ذلك الثروة، زائلة ومؤقتة، وينبغي ألا تلهي الإنسان عن الهدف الأساسي من الخلق، وهو عبادة الله ونيل رضاه. في العديد من الآيات، يوصف المال والأولاد بأنهم «زينة» و «فتنة» (اختبار). وهذا يعني أن التعلق المفرط بالثروة يمكن أن يصرف الإنسان عن ذكر الله وعن واجباته تجاه الأسرة والأقارب والمجتمع. عندما يجعل الإنسان الثروة الأولوية القصوى في حياته، قد يضحي بعلاقاته مع من حوله دون قصد من أجل كسب المزيد من المال. يمكن أن يتجلى هذا التضحية في تجاهل حقوق الآخرين، أو قطع صلة الرحم، أو حتى الظلم والاضطهاد لتحقيق أهداف مالية. يحذر القرآن من أن هذا الميل يمكن أن يؤدي إلى إضعاف الروابط العاطفية والأخلاقية، ويدفع الإنسان نحو الفردية والأنانية. ثانياً، يحذر القرآن من خطر الغرور والتكبر الناتج عن الثروة. فالذين يشعرون بالقوة والتفوق لمجرد ثرائهم، دون شكر أو اهتمام بالمصدر الحقيقي للنعم، غالباً ما يتسمون بالتكبر واحتقار الآخرين في علاقاتهم الإنسانية. هذا الغرور يمكن أن يدفع الأغنياء إلى تجاهل الفقراء والمحتاجين، والتعدي على حقوقهم، وحتى السخرية منهم. مثل هذا النهج يضعف الروابط الاجتماعية بشدة، ويزرع العداوة والكراهية في قلوب المحرومين. يدين القرآن بشدة هذا النوع من السلوك، ويحذر من عاقبة مؤلمة لأولئك الذين يجعلون الثروة سبباً للتكبر والفساد. قصة قارون في القرآن هي مثال واضح لهذا التحذير، حيث يظهر كيف دفعته ثروته الهائلة إلى الغرور والتمرد، وانتهت بهلاكته. هذه القصة تذكير للجميع بألا تكون الثروة حجاباً بينهم وبين الناس، فتمنعهم من إدراك حقائق الحياة ومعاناة الآخرين. ثالثاً، تتناول تحذيرات القرآن تأثير الثروة على العدالة الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية. يعارض القرآن بشدة تكدس الثروة في أيدي قلة مع حرمان الأغلبية. هذا التوزيع غير العادل للثروة هو أساس العديد من الاختلالات والظلم في المجتمع الذي يؤثر بشكل مباشر على العلاقات الإنسانية. عندما تتعمق الفجوة الطبقية، يزداد الشعور بالتمييز والحسد والغضب في المجتمع، مما يهدد التماسك الاجتماعي. من خلال التأكيد على الزكاة والصدقات والإنفاق وتجنب الربا والاحتكار، يسعى القرآن إلى ضمان تداول الثروة في المجتمع ومنع تركزها في أيدي أفراد معينين، بحيث تُبنى العلاقات الإنسانية على أساس العدل والتعاطف. الاهتمام بحقوق الفقراء والمساكين، وإقامة العدل والإنصاف في المعاملات، وتجنب الغش والفساد المالي، كلها من تعاليم القرآن التي تعود مباشرة إلى سلامة العلاقات الاجتماعية والإنسانية. في الواقع، العديد من النزاعات والخلافات بين الأفراد والعائلات تعود جذورها إلى القضايا المالية والطمع، والقرآن بتحذيراته، يشير إلى طريق علاجها. في الختام، يطلب القرآن من الإنسان أن يجعل الثروة وسيلة لتحقيق أهداف أسمى ونيل رضى الله، لا أن يعتبر الثروة نفسها هي الهدف والغاية النهائية. يجب استخدام الثروة في سبيل الخير وصلاح المجتمع ومساعدة المحتاجين. فالذين ينفقون من أموالهم في سبيل الله، لا ينالون أجراً أخروياً فحسب، بل تتحسن علاقاتهم مع الناس في الدنيا أيضاً، ويكتسبون شعبية واحتراماً بسبب هذا العمل الصالح. وعلى العكس من ذلك، فإن الذين يكنزون المال ويبخلون بإنفاقه، بالإضافة إلى وعيد الله لهم، يُحرمون من محبة الناس في الدنيا، وربما يتعرضون لعداوتهم وحقدهم. لذلك، يحذر القرآن بوضوح أن الحب المفرط للمال يمكن أن يكون جذر العديد من الفساد الأخلاقي والاجتماعي، وبالتالي مدمراً للعلاقات الإنسانية، ما لم يقترن بالإيمان والتقوى ومراعاة حقوق الآخرين. وهكذا، يعتمد تأثير الثروة على العلاقات الإنسانية بشكل كامل على موقف الإنسان وسلوكه تجاهها؛ فقد يكون بناءً أو مدمراً، والقرآن يوضح طريق النجاة في الاعتدال وتفضيل القيم الإلهية والإنسانية.
جاء في گلستان سعدي أن أحد الأثرياء كانت له صداقة مع درويش. كان الثري يعطي المال للدرويش ويرعاه. وفي يوم من الأيام، حاز الثري مالاً وفيراً وازدهرت أعماله. بهذا الثراء الجديد، بدأ يبتعد تدريجياً عن ذلك الدرويش وأصدقائه القدامى، واختار مجالسة الأثرياء الآخرين. حزن الدرويش وقال: «يا صديقي، قبل هذا كان مالك قليلاً وقلبك واسعاً؛ أما الآن وقد كثر مالك، فقد ضاق قلبك!» تذكرنا هذه القصة بأن الثروة يمكن أن تؤثر على الصداقات والعلاقات النقية، وقد تؤدي أحياناً إلى البعد والفتور، إذا تعلق قلب الإنسان بمال الدنيا ونسي القيم الحقيقية.