المسامحة فضيلة كبيرة تتطلب التحكم في الغضب والسلوك الإيجابي.
المسامحة هي من الفضائل الأخلاقية التي تم التأكيد عليها بشكل كبير في القرآن الكريم. في الحياة اليومية، نواجه مجموعة متنوعة من الأشخاص والسلوكيات، من بينهم أفراد قد يؤذوننا أو يعاملونا بشكل غير عادل. هذا التفاعل البشري يمكن أن يسبب لنا الأذى والغضب، ولكن هناك طرق لتجاوز هذه المشاعر السلبية. ومن خلال ذلك يتضح لنا أكثر أهمية تعلم فن المسامحة. القرآن الكريم يشير إلى المسامحة كصفة من صفات المؤمنين. في سورة آل عمران، الآية 134، نجد قوله تعالى: "وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". هذه الآية تبرز كيفية أن الذين يتحكمون في غضبهم ويعفون عن الآخرين هم محبوبون من الله. إن ممارسة المسامحة تتطلب منا أن نستعيض عن مشاعر الغضب بالرحمة والمودة. وقد يكون من الصعب على البعض قبول فكرة المسامحة، خصوصًا عندما تكون الجروح عميقة. لكن من المهم أن نفهم أن المسامحة لا تعني بالضرورة تجاهل الأذى أو ما حدث، بل هي اختيار واعٍ للتخلص من الأعباء التي نحملها على كاهلنا. هناك الكثير من الأساليب التي يمكننا من خلالها تحسين قدرتنا على المسامحة. أولًا، يمكننا البدء بتذكر آيات القرآن والأحاديث النبوية التي تتحدث عن العفو. إن تذكّر أن العفو والرحمة هما من صفات الأنبياء والأولياء يمكن أن يكون دافعًا قويًا لنا لممارسة المسامحة. نحن جميعًا نخطئ ونتعرض للأذى، لذا يجب أن نبحث عن وسائل للمسامحة بدلاً من الانتقام. واحدة من الطرق الفعالة لممارسة المسامحة هي التواصل بطريقة هادئة وودية مع الشخص الآخر. يمكن أن نعبّر عن مشاعرنا دون أن نكون عدوانيين، مما يساعدنا على تحسين شعورنا الشخصي وكذلك تعزيز العلاقات. فعند الكلام بصراحة، قد نصل إلى تفاهم يمنحنا السلام الداخلي. علاوة على ذلك، من المهم أيضًا أن نتذكر أن الله هو الرحيم وأن العفو هو من صفاته العليا. موقعنا كمسلمين يدعونا إلى تقديم العفو والإحسان. لذا، عندما نتذكر النعم والأشياء الإيجابية في حياتنا، يصبح من السهل علينا أن نتجاوز الأذى ونركز على العواقب الإيجابية للمسامحة. من الجوانب المهمة أيضًا هو البحث عن مساعدة من الله في عملية المسامحة. الدعاء هو وسيلة رائعة لطلب العون في التغلب على المشاعر السلبية. عندما نتوجه إلى الله ونسأله أن يمنحنا القدرة على المسامحة، فإن ذلك يعزز من قوتنا ويزيد من ثقتنا بأن الأمور يمكن أن تتحسن. علاوة على ذلك، قد تساهم ممارسة التفكر والتأمل في تحقيق المسامحة. فالتأمل يمكن أن يساعدنا على فهم مشاعرنا بشكل أفضل ومعرفة سبب شعورنا بالغضب أو الأذى. من خلال فهم الأسباب الجذرية، نصبح أكثر استعدادًا لمسامحة الآخرين. المسامحة لها فوائد عديدة. فهي تقلل من التوتر وتجعلنا نشعر بالإيجابية وتحسن من صحتنا النفسية. عندما نسمح للغضب أو الكراهية بأن يحتلا مساحة في قلوبنا، فإننا نتسبب في ضرر لأنفسنا. ولكن عندما نتخلص من هذه المشاعر السلبية عبر المسامحة، فإننا نفتح أبوابًا جديدة للفرح والراحة. في النهاية، يجب أن نتذكر أن المسامحة هي ليست مجرد فعل، بل هي عملية مستمرة ومؤلمة في بعض الأحيان. تحتاج إلى شجاعة وعزيمة، ولكن النتائج الإيجابية التي تأتي من ذلك تفوق كل التحديات التي نواجهها. علينا جميعًا أن نتعهد بأن نكون ممن يعفون عن الآخرين ونسعى لأن نكون من المحسنين، كما ورد في القرآن. ومتى ما فعلنا، سنجد أن حياتنا ستصبح أكثر سلامًا وأقل توترًا. المسامحة تعني الحرية، فنحن نحرر أنفسنا من الأثقال النفسية ونعيد بناء علاقاتنا مع الآخرين طبقا لمبادئ الدين الحنيف.
هناك قصة من سعدي عن رجل عاد إلى المنزل ورأى جاره يعلم أطفاله. ذكّره ذلك بطفولته. قرر أن يضع جانبًا مشاعره السلبية تجاه الجار ويتحدث إليه. في النهاية ، أدت هذه المحادثة واللطف إلى التصالح بينهما ، وكان كلاهما سعيدًا بصداقة جديدة.