يؤكد القرآن الكريم بشدة على الوحدة والأخوة بين المسلمين، ويعتبر الفرقة سببًا للضعف والزوال. هذه الوحدة متجذرة في التوحيد والتمسك بحبل الله، وهي ضمانة لقوة الأمة ونجاتها.
القرآن الكريم، كتاب الهداية الإلهية، يؤكد مرارًا وتكرارًا وبإلحاح شديد على أهمية ومكانة الوحدة والتكاتف في المجتمع الإسلامي. هذا المفهوم ليس مجرد توصية أخلاقية، بل هو أمر إلهي وأحد الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء الأمة الإسلامية. من منظور القرآن، الفرقة والاختلاف عاملان مدمران يؤديان إلى الضعف والزوال، بينما الوحدة والتلاحم ضمانة للقوة والتقدم والنجاة في الدنيا والآخرة. تدعو آيات عديدة صراحة المؤمنين إلى التمسك بحبل الله والابتعاد عن التفرق، معتبرة ذلك نعمة عظيمة من الله. من أبرز الآيات في هذا السياق هي الآية 103 من سورة آل عمران التي تقول: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا...» (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا...). هذه الآية تؤكد بوضوح على التمسك الجماعي بـ «حبل الله»، الذي قدمت له تفسيرات مختلفة، بما في ذلك القرآن الكريم نفسه، دين الإسلام، النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأهل بيته، أو أي وسيلة اتصال تربط الإنسان بالله. المهم هو أن هذا الحبل يمثل محورًا للتلاحم والابتعاد عن التشتت. كما أن تذكير الله بنعمته في تأليف القلوب بعد فترة العداوة والنزاع، يظهر أهمية هذه الوحدة في تغيير مصير المجتمعات. يعتبر القرآن المؤمنين إخوة لبعضهم البعض، كما جاء في الآية 10 من سورة الحجرات: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ...» (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم...). يتجاوز مبدأ الأخوة هذا أي تمييزات عرقية أو لغوية أو قبلية أو طبقية، ويحوّل المجتمع الإسلامي إلى جسد واحد. تستلزم الأخوة الإيمانية حقوقًا ومسؤوليات متبادلة، بما في ذلك المحبة والتعاطف، ودعم بعضهم البعض في الشدائد، والحفاظ على الشرف، والابتعاد عن الغيبة والنميمة، والسعي لإزالة الأحقاد وإقامة الصلح. يضمن هذا الرابط الروحي القوة الداخلية للمجتمع ويمنع نشوب النزاعات والانقسامات. بالإضافة إلى ذلك، ينهى القرآن بشدة عن التفرقة والانقسام، معتبرًا إياها من عوامل الضعف وزوال هيبة وقوة المجتمع. تقول الآية 46 من سورة الأنفال: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين). توضح هذه الآية بوضوح أن طاعة الله ورسوله وتجنب النزاع هما شرطان أساسيان للحفاظ على قوة المجتمع واستقراره. النزاع والصراع الداخلي يفرغان المجتمع من داخله ويجعلانه عرضة للخطر أمام الأعداء الخارجيين. يحذر القرآن أيضًا من أن يصبح المسلمون مثل الأمم السابقة التي انقسمت واختلفت بعدما جاءتهم البينات الواضحة (آل عمران، الآية 105). ترتكز أسس الوحدة في القرآن على عدة مبادئ أساسية. المبدأ الأول والأكثر أهمية هو التوحيد أو وحدانية الله. الإيمان بالله الواحد يجمع جميع المؤمنين تحت راية إلهية واحدة ويجعل لديهم أهدافًا وقيمًا وقبلة واحدة. هذه الوحدة في الهدف والاعتقاد تمهد الطريق لوحدة العمل والتعاطف. الأساس الثاني هو التمسك بالكتاب والسنة. القرآن والسنة النبوية هما المصدران الرئيسيان للهداية اللذان يوفران مرجعية مشتركة لجميع المسلمين ويقللان من الخلافات إلى الحد الأدنى. الأساس الثالث هو العدل والقسط. إقامة العدل في جميع مستويات المجتمع يمنع تشكل حالات عدم الرضا والفجوات الاجتماعية التي هي أصل العديد من الانقسامات. الأساس الرابع هو التشجيع على الشورى واحترام القرارات الجماعية. تعزز الشورى والتفكير الجماعي روح المشاركة والمسؤولية الجماعية وتؤدي إلى التوافق، وهو عامل بحد ذاته في تعزيز الوحدة. باختصار، يعتبر القرآن الكريم الوحدة ليس مجرد مثال أعلى، بل ضرورة حيوية للأمة الإسلامية. هذه الوحدة متجذرة في التوحيد، والأخوة الإيمانية، والالتزام بالتوجيهات الإلهية، وهي ضمانة لبقاء المجتمع المسلم وقوته وازدهاره. أمر الله تعالى المسلمين بالتمسك بحبله، وتجنب الفرقة، والسعي في طريق التقدم والتميز. رسالة الوحدة هذه، تتجاوز الزمان والمكان، وتبقى دائمًا مبدأً أساسيًا لأي مجتمع إسلامي يرغب في العزة والسعادة.
ذات يوم، بينما كان سعدي الشيرازي يجول في روضته، جاء إليه رجل يشكو من النزاعات والفرقة بين أبنائه. ابتسم سعدي بلطف وقال: «يا رجل، سمعت حكاية من الأقدمين قد تكون بلسمًا لآلامك. أب على فراش الموت دعا أبنائه وطلب من كل واحد منهم أن يكسر عصا رفيعة. كسرها كل واحد منهم بسهولة. ثم ربط الأب حزمة من نفس العصي معًا وأعطاها لأبنائه قائلاً: «الآن، اكسروا هذه الحزمة.» لم يتمكن أحد منهم من كسرها. قال الأب: «يا أبنائي، هذا مثلكم. كل واحد منكم، بمفرده، ضعيف وسهل الكسر، ولكن عندما تكونون معًا، لا توجد قوة يمكن أن تفصلكم. الوحدة كالخيط القوي الذي لا ينقطع أبدًا.» تعلم الأبناء الدرس، ومنذ ذلك الحين، امتلأت حياتهم بالوئام والبركة.