يعتبر القرآن الكريم حسن الخلق ركيزة الإيمان، وطريقًا للكمال الإنساني، وعاملًا للخلاص الفردي والمجتمعي. يؤكد الكتاب الإلهي على فضائل مثل الصبر والعفو والعدل والإحسان، ويقدم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كمثال أعلى لذلك، لتحقيق الفلاح للفرد والمجتمع.
يعتبر القرآن الكريم، الكلمة الإلهية النورانية، حسن الخلق ليس مجرد صفة محمودة، بل هو العمود الفقري للإيمان والعامل الأساسي للخلاص الفردي والمجتمعي. في المنظور القرآني، الأخلاق الحسنة ليست مجرد مجموعة من الآداب والعادات الاجتماعية، بل هي تجلي عميق للإيمان بالله، ومعرفته، وإدراك مكانة الإنسان في الوجود. هذا الكتاب الإلهي يرشد المؤمنين نحو مجموعة من الفضائل الأخلاقية التي تمزج الحياة الدنيوية بالسلام والروحانية، وتوفر كنزاً ثميناً للآخرة. من أوضح إشارات القرآن إلى أهمية حسن الخلق، وصفه لشخصية النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم). يقول الله تعالى في سورة القلم، الآية 4: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ»؛ أي: «وإنك لعلى خلق عظيم». هذه الآية تبين أن النبي (ص) هو النموذج الكامل والشامل لجميع مكارم الأخلاق، وسيرته هي المعيار والقدوة لجميع المؤمنين للوصول إلى حسن الخلق. أخلاق النبي، لم تكن فقط في العبادات الفردية بل في التفاعلات الاجتماعية، أمام الأصدقاء والأعداء، في أوقات النصر والهزيمة، كانت دائماً مبنية على الرحمة، العدل، اللطف، والمغفرة. يعدد القرآن الكريم فضائل أخلاقية عديدة بالتفصيل، ويعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الإيمان. الصبر هو أحد أهمها. الصبر يعني تحمل المشقات، الثبات أمام الذنوب، والاستقامة في طريق طاعة الله. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 153: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»؛ أي: «يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين». الصبر ليس فقط تحمل المصاعب الخارجية، بل يشمل أيضاً التحكم بالنفس وضبط الذات أمام المغريات والرغبات النفسية، وهو من أركان حسن الخلق. العفو والصفح من أبرز السمات الأخرى للأخلاق القرآنية. يأمر القرآن الكريم المؤمنين ليس فقط بكظم الغيظ، بل بتجاوز أخطاء الآخرين أيضاً. في سورة آل عمران، الآية 134، نقرأ: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»؛ أي: «الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين». هذه الآية تبين بجمال أن التسامح والتحكم بالغضب، علامة على الإحسان والخير الذي ينال محبة الله. العفو لا يجلب السلام النفسي للفرد فحسب، بل يزرع بذور السلام والصداقة في المجتمع. العدل والإحسان هما أيضاً من المبادئ المحورية للأخلاق القرآنية. يصدر الله تعالى في سورة النحل، الآية 90، أمراً جامعاً: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»؛ أي: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون». تعتبر هذه الآية أشمل آية أخلاقية في القرآن، لأنها تأمر بالفضائل الأساسية (العدل، الإحسان، صلة الرحم) وتنهى عن الرذائل الكبرى (الفحشاء، المنكر، البغي). العدل يعني وضع كل شيء في مكانه الصحيح وإعطاء كل ذي حق حقه؛ والإحسان يعني فعل ما يتجاوز العدل، أي فعل الخير دون انتظار مكافأة، وهو قمة السخاء ونبل الروح. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن بشدة على الصدق وتجنب الكذب والخداع، والتواضع أمام الخلق والخالق والابتعاد عن الكبر، والحياء والعفة في القول والفعل، واللطف واللين في التعامل مع الناس، والوفاء بالعهد. كما ينهى بشدة عن الرذائل مثل الغيبة، والبهتان، وسوء الظن، والسخرية، والحقد، والحسد، والبخل. هذه النواهي ترجع إلى أن هذه الصفات لا تضر بالعلاقات الإنسانية فحسب، بل تلوث روح الفرد أيضاً وتبعده عن طريق القرب من الله. باختصار، يعتبر القرآن الكريم حسن الخلق جزءاً لا يتجزأ من الإيمان والعبودية. الأخلاق الحميدة هي انعكاس للتوحيد الحقيقي؛ فالشخص الذي يعرف الله حق المعرفة ويؤمن بوحدانيته، لا يمكن أن يكون متكبراً. ومن يؤمن بالعدل الإلهي، لا يمكن أن يظلم الآخرين. حسن الخلق لا يجلب للفرد السلام والسعادة فحسب، بل يبني مجتمعاً صحياً، نشطاً، مبنياً على المحبة والثقة. يطلب القرآن من المؤمنين أن يتزينوا بالأخلاق الحسنة، ليس فقط لإكمال عباداتهم، بل ليكونوا رمزاً للإسلام الحقيقي، يجذبون الآخرين إلى القيم الإلهية السامية. لذا، يلعب حسن الخلق دوراً محورياً وأساسياً في التعاليم القرآنية، وهو طريق واضح للنجاح في الدارين.
ذات يوم، طلب ملك نصيحة من درويش. فقال الدرويش بابتسامة دافئة: «يا ملك، اكسب القلوب بالإحسان وحسن الخلق، لا بالقوة والثراء. فمن كان حسن الخلق أحبه الخاص والعام، حتى لو لم يكن ملكًا. أما من كان سيء الطبع وسيء السلوك، فسوف ينفر الناس منه، حتى لو جلس على عرش السلطنة. تذكر ما قاله سعدي: 'ليس كل من له قوام وجمال، ولا كل من له يد بليغة وطبع يجلب السرور.' وهكذا، فإن القيمة الحقيقية تكمن في الأدب واللطف، لا في المكانة والجاه.» استمع الملك لنصيحة الدرويش وأدرك أن حسن الخلق أثمن من أي كنز. ومنذ ذلك الحين، مال أكثر إلى اللطف والأدب، وبقي اسمه الجميل خالدًا في التاريخ.