يؤكد القرآن الكريم على حرية الاعتقاد، ويحرم الإكراه في الدين، ويدعو إلى التعامل العادل واللطيف مع أتباع الديانات الأخرى الذين لا يعادون. كما يحث على الحوار المحترم وحماية دور العبادة لجميع الأديان.
القرآن الكريم، بصفته النص الأساسي للإسلام، يضع مبادئ عميقة تتعلق بالتعامل والعلاقة مع أتباع الأديان الأخرى. بعيدًا عن الدعوة إلى العزلة أو العداء، يروّج القرآن لإطار من الاحترام والعدالة والتعايش السلمي، متجذرًا أساسًا في مفهوم الكرامة الإنسانية وحرية الاعتقاد. إنه يقر بالتنوع البشري كإرادة إلهية ويؤكد أن الإيمان الحقيقي هو مسألة اقتناع، وليس إكراه. من أهم الآيات وأكثرها استشهاداً فيما يتعلق بالحرية الدينية هي سورة البقرة (2:256): «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ». هذه الآية تؤكد بشكل قاطع أن الإيمان لا يمكن أن يُفرض. إنها تسلط الضوء على أن الإيمان هو اختيار شخصي، رحلة اقتناع وفهم، لا يمكن اعتناقها حقًا تحت الإكراه. يشكل هذا المبدأ حجر الزاوية في التسامح الإسلامي، مما يضمن أن الأفراد أحرار في اختيار مسارهم الروحي دون تهديد أو إكراه. تاريخيًا، فسر علماء الإسلام هذه الآية كدليل قانوني وأخلاقي أساسي، أثر على الفقه الإسلامي وضمن حماية الأقليات الدينية داخل الأراضي ذات الأغلبية المسلمة، مما وفر لهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية والحفاظ على قوانينهم الشخصية، طالما أنهم لا يشكلون تهديدًا للنظام العام أو يشنون حربًا ضد المسلمين. هذا المفهوم يتجاوز مجرد التسامح؛ إنه اعتراف فعّال بقدسية الاختيار الفردي في مسائل الاعتقاد. علاوة على ذلك، يتناول القرآن مباشرة مسألة الهويات الدينية المتميزة مع الدعوة إلى الفصل السلمي دون عداء. سورة الكافرون (109:6) تعلن: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ». هذا البيان الموجز والقوي يجسد مبدأ أساسيًا من الاحترام المتبادل والهوية المتميزة. إنه ليس تأييدًا للتعددية اللاهوتية، بل هو مبدأ توجيهي عملي للتعايش السلمي حيث يحتفظ كل طرف بمعتقداته دون التدخل في مبادئ أو ممارسات الطرف الآخر الأساسية. يعلم هذا أن الاختلافات اللاهوتية موجودة ومعترف بها، لكنها يجب ألا تكون سببًا للنزاع أو العدوان. تحدد هذه الآية حدًا، وتمنع التحول القسري أو الاستيعاب الثقافي، وتعزز نموذجًا مجتمعيًا حيث يمكن لأنظمة المعتقدات المتنوعة أن توجد جنبًا إلى جنب دون حل وسط لاهوتي من أي من الجانبين. وتؤكد على أن المساءلة الروحية تعود في النهاية إلى الله وحده، وبالتالي، لا ينبغي للبشر أن يحكموا أو يكرهوا الآخرين على اعتناق دينهم. يوفر القرآن أيضًا أوامر صريحة بالتعامل العادل واللطيف مع أتباع الديانات الأخرى، شريطة ألا يكونوا معادين بشكل فعّال. تنص سورة الممتحنة (60:8) على: «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ». تحدد هذه الآية تمييزًا حاسمًا: فبينما يجب مواجهة العدوان بالدفاع، يجب بسط السلام والعدل على أولئك الذين لا يشنون حربًا ضد المسلمين أو يضطهدونهم بسبب دينهم. المصطلحات «بر» (الصلاح، اللطف) و «قسط» (العدل، الإنصاف) المستخدمة هنا شاملة. يشير «بر» إلى حسن السلوك، والخير، والرحمة، ويتجاوز مجرد التسامح إلى فعل الخير النشط. يتطلب «قسط» الإنصاف، والنزاهة، والتمسك بالحقوق، بغض النظر عن الانتماء الديني. هذا يعني أن المسلمين مأمورون بالتعامل الأخلاقي والعادل مع غير المسلمين في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما يعكس التطبيق العالمي للعدالة في الإسلام. يسلط هذا الأمر الضوء على رؤية القرآن لمجتمع تكون فيه اللطف والعدالة فضائل عالمية، لا تقتصر على أتباع الدين الواحد. تجاوزًا لمجرد التسامح، يشجع القرآن على الحوار المحترم وإيجاد أرضية مشتركة. في سورة العنكبوت (29:46)، ينصح: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ». تؤكد هذه الآية على أهمية التعامل المدني والمحترم، حتى عند مناقشة الاختلافات اللاهوتية العميقة. و«التي هي أحسن» تعني استخدام الحكمة، والموعظة الحسنة، والمنطق البليغ، وتجنب الإهانات أو الازدراء. كما تدعو إلى تسليط الضوء على المشتركات، مثل الإيمان بإله واحد والخضوع له، لا سيما مع اليهود والنصارى، الذين يشير إليهم القرآن بـ «أهل الكتاب». يعزز هذا النهج التفاهم المتبادل ويبني الجسور، بدلاً من توسيع الفجوات. آية أخرى قوية في هذا الصدد هي آل عمران (3:64): «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ». هذه دعوة إلى حوار مبدئي يستند إلى القواسم المشتركة التوحيدية الأساسية، سعيًا لإيجاد أساس للتعاون والأرضية الأخلاقية المشتركة. ويفترض القرآن أيضًا أن تنوع الأديان والمسارات البشرية جزء من الخطة الإلهية. تنص سورة المائدة (5:48) على: «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ». هذه الآية تشير إلى أن التعددية الدينية ليست مصادفة بل هي تصميم مقصود من الخالق. إنها تحول التركيز من النزاعات اللاهوتية إلى التنافس في الأعمال الصالحة، مع الاعتراف بأن الحكم النهائي لله وحده. يشجع هذا المنظور المسلمين على التعامل مع المجتمعات المتنوعة من خلال إظهار التميز الأخلاقي والسعي للخير في جميع جوانب الحياة، مما يعزز روح المنافسة الخيرة في السلوك الأخلاقي بدلاً من الصراع. أخيرًا، يمد القرآن حمايته حتى لأماكن عبادة الديانات الأخرى. تذكر سورة الحج (22:40): «...وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا...». هذه الآية، في سياق الإذن بقتال من يهاجم المسلمين، توفر مبررًا قويًا للدفاع عن جميع دور العبادة، وليس المساجد فقط. إنها تؤكد على مبدأ عالمي لحماية المواقع الدينية، مما يدل على احترام عميق لقدسية العبادة عبر التقاليد المختلفة. هذا يعزز أكثر نهج القرآن الشامل لاحترام التنوع الديني، ليس فقط من حيث حقوق الأفراد ولكن أيضًا الأماكن التي يمارسون فيها شعائرهم الدينية. في الختام، الخطاب القرآني حول احترام الأديان الأخرى متعدد الأوجه وقوي للغاية. إنه يدافع عن حرية المعتقد، ويفرض العدالة واللطف تجاه غير المسلمين المسالمين، ويشجع الحوار البناء القائم على المشتركات، ويعترف بالتنوع الديني كجزء من التصميم الإلهي، بل ويحمي دور العبادة لجميع الأديان. تشكل هذه المبادئ مجتمعة إطارًا أخلاقيًا شاملاً للتعايش السلمي والتفاعل المتناغم في عالم متعدد، ويدعو المسلمين ليكونوا سفراء للسلام والعدل والتفاهم، والحفاظ على الكرامة الإنسانية بغض النظر عن العقيدة. إنها دعوة للعيش بأعلى المعايير الأخلاقية، مما يدل على أن الإيمان الحقيقي يمكّن المرء من معاملة جميع خلق الله بكرامة واحترام.
يحكى أنه في الأزمنة الغابرة، حكم ملك حكيم وعادل أرضًا عاش فيها أناس من مختلف الأديان والمعتقدات جنبًا إلى جنب. في يوم من الأيام، اقترب وزير من الملك وسأله بتعجب: «يا أيها الملك العادل، كيف تعامل أتباع الديانات الأخرى بمثل هذا الكود والسماحة والعدل، وكأنهم جميعًا من دين واحد؟» ابتسم الملك بصدق وأجاب: «يا وزيري النبيه، لقد علمنا الله في كتابه أنه لا إكراه في الدين، وقد تبين الرشد من الغي. لكل إنسان طريقه ومعتقده، ونحن مأمورون بأن نتعامل مع جميع الناس، باستثناء من يرتكب الظلم والعداوة، بالعدل والإحسان. أليس كل البشر قد خلقوا من جوهر واحد وهم سواسية أمام ربهم؟» ومنذ ذلك الحين، ازداد السلام والهدوء في تلك الأرض، وعاش الناس من كل دين وعقيدة معًا باحترام ومحبة، وانتشرت قصة عدل الملك في كل مكان.