كيف نتحقق من أن الكبر لم يتغلغل فينا؟

لتحديد عدم وجود الكبر، ابحث عن علامات التواضع مثل التواضع في السلوك والكلام، وقبول الحق والنصيحة، وعدم التفاخر بالممتلكات، وخدمة الآخرين. هذه الصفات وصفت في القرآن لعباد الله الصالحين وهي نقيض الكبر.

إجابة القرآن

كيف نتحقق من أن الكبر لم يتغلغل فينا؟

الكبر أو الغرور هو أحد أخطر الأمراض الروحية والقلبية في المنظور الإسلامي والتعاليم القرآنية. هذه الصفة المذمومة هي جذر العديد من الذنوب والانحرافات، وتشكّل حاجزًا كبيرًا أمام النمو الروحي والعلاقة الصحيحة مع الخالق والخلق. لكي نتحقق مما إذا كان الكبر قد تجذر فينا أم لا، يجب علينا أن نرجع إلى العلامات والخصائص التي ذكرها القرآن الكريم للمتواضعين، وعلى النقيض، للمتكبرين. يحذر القرآن بوضوح أن الله تعالى لا يحب المتكبرين ولا يهديهم. على سبيل المثال، في سورة لقمان الآية 18 يقول: «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ»؛ أي: «ولا تُعرِضْ بوجهك عن الناس تكبرًا عليهم، ولا تمشَ في الأرض متبخترًا مفتخرًا؛ إن الله لا يحب كل متكبر فخور بنفسه وبماله وجاهه». تقدم هذه الآية معيارًا واضحًا: أي سلوك أو قول أو حتى فكر يحمل رائحة التميز، أو الغرور بالنفس، أو تحقير الآخرين، هو علامة على الكبر. لفهم أعمق، يجب أن نعود إلى جذور الكبر. الجذر الرئيسي للكبر هو الجهل؛ الجهل بعظمة الخالق، والجهل بضعف الإنسان وحاجته، والجهل بالكرامة الجوهرية لبقية عباد الله. من يرى نفسه ضئيلًا أمام القوة الإلهية اللامتناهية، ويعلم أن كل ما لديه هو من فضله ورحمته، لا يترك مكانًا للكبر في كيانه. من المنظور القرآني، من أهم علامات عدم وجود الكبر هو التواضع والسكينة. يوصف عباد الله الحقيقيون في سورة الفرقان الآية 63 بأنهم: «وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا»؛ أي: «وعباد الرحمن هم الذين يمشون على الأرض بسكينة ووقار وتواضع، وإذا خاطبهم الجاهلون بما يكرهون أجابوا بالمعروف من القول، أو سكتوا عنهم، ولم يقابلوا جهلهم بجهل مثلهم، بل يتركونهم ويسلمون عليهم». هذه الآية لا تشير فقط إلى طريقة المشي، وهي رمز لسلوك الإنسان بشكل عام، بل تتناول أيضًا كيفية التعامل مع الجاهلين والجهلة. الفرد المتواضع، عند مواجهة الإهانة أو التعامل غير اللائق، يتعامل بصبر وعظمة بدلاً من الرد بالمثل أو السعي للسيطرة. هذا يدل على أن تقديره لذاته لا يعتمد على ردود أفعال الآخرين، ولا يشعر بالحاجة إلى إثبات نفسه. معيار آخر لتقييم الكبر هو قبول الحق والنصيحة. غالبًا ما يرفض الأفراد المتكبرون الاعتراف بأخطائهم، ويفسرون أي نصيحة أو نقد على أنه عدم احترام أو إهانة. على النقيض، من لم يتجذر فيه الكبر، يبحث عن الحقيقة ويرحب بالمشورة، حتى لو جاءت من شخص أقل منه منزلة. هذه الصفة تتجلى بجمال في قصة النبي موسى والخضر (عليهما السلام) في سورة الكهف، حيث أظهر موسى (عليه السلام)، على الرغم من مكانته النبوية، تواضعًا في سعيه لطلب العلم من الخضر (عليه السلام). عدم التفاخر بالممتلكات، سواء كانت مادية أو روحية، هو علامة أخرى على التحرر من الكبر. كان قارون رمزًا للكبر بالثروة، كما ورد في سورة القصص الآية 76: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ»؛ أي: «إن قارون كان من قوم موسى، فبغى عليهم بظلمه وتكبره، وآتيناه من كنوز الأموال ما إن مفاتح خزائنه لتثقل الجماعة من الرجال الأقوياء إذا أرادوا حملها، حين قال له قومه: لا تفرح هذا الفرح المذموم، إن الله لا يحب الفرحين المختالين بمالهم، الذين لا يشكرون الله». تشير هذه الآية والآيات اللاحقة إلى مصير قارون الذي خسف به الأرض بسبب كبره. لذلك، إذا تكبر أحد على علمه أو جماله أو قوته أو ثروته أو حتى عباداته، واعتبرها من عنده وتفاخر بها أمام الآخرين، فهذا يدل على وجود الكبر. المؤمن الحقيقي يرى كل نعمة من الله ويشكرها، وليس متكبرًا. السعي لخدمة الآخرين والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع هو مؤشر آخر على عدم وجود الكبر. الفرد المتكبر يرى نفسه مركز الكون ويتوقع من الجميع خدمته، بينما ينظر الفرد المتواضع إلى الحياة بعقلية خادمة، ويعتبر نفسه خادمًا لعباد الله. لقد كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، الذي كان مثالاً كاملاً للتواضع، دائمًا في خدمة الناس ولم يعتبر نفسه أبدًا أفضل من الآخرين. أخيرًا، أحد أهم الأساليب لتشخيص وعلاج الكبر هو التزكية والمراقبة الدائمة للنفس. يجب على الإنسان أن يراجع باستمرار أفعاله ونواياه، ويرى ما إذا كان هناك أي أثر للتفوق، أو تحقير الآخرين، أو رفض للحق في سلوكه. إن تذكر الموت وزوال الدنيا، وتذكر البداية والنهاية، وعظمة الله اللامتناهية، كل ذلك يمكن أن يساعد الإنسان على التخلص من عظمته الزائفة ويخضع للحق. ولنتذكر أنه كلما زاد علم الإنسان ومعرفته بعظمة الله، تعمق شعور التواضع والخضوع في كيانه، وهذا هو أفضل درع ضد تسرب الكبر.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلاً ثرياً ومتكبراً جداً، مر ذات يوم وهو يرتدي ثياباً فاخرة وبراقة، على درويش زاهد متواضع. نظر الرجل الغني إلى الدرويش بازدراء وتعالٍ وقال متفاخراً: «أنت الذي تعيش في فقر وبساطة، وأنا الذي غارق في النعمة والجاه والمكانة». فأجاب الدرويش بابتسامة هادئة وقلب منير: «يا أيها الرجل النبيل، هذا الفرق هو في الظاهر فقط، وإلا فأنا، بثيابي القديمة وقلبي المطمئن، أسعد منك، يا من في ذهبك ومجوهراتك، تحمل قلباً قلقاً. لأنك تخشى أن يقل ما تملك، وأنا لا أخاف فقري، لأني أعلم أن كل شيء منه وإليه يعود. العز الحقيقي في القناعة والاستغناء عن الخلق، لا في تكديس المال». في البداية، استاء الرجل الغني من كلام الدرويش، لكن مع مرور الوقت وتجربة تقلبات الدهر، أدرك معنى كلام الدرويش وتوجه إلى التواضع والقناعة. أدرك أن الثراء الحقيقي هو راحة القلب والابتعاد عن الكبر.

الأسئلة ذات الصلة