كيف أبقى سليمًا في وسائل التواصل الاجتماعي؟

للبقاء سليمًا في وسائل التواصل الاجتماعي، يجب الالتزام بالمبادئ القرآنية: التحقق من الأخبار، التحكم في الكلام، تجنب التجسس والغيبة، الحفاظ على الحياء، وممارسة الاعتدال في الاستخدام. يساعد هذا النهج على خلق بيئة رقمية أكثر صحة وأخلاقية، ويحمي من الأضرار الروحية والأخلاقية.

إجابة القرآن

كيف أبقى سليمًا في وسائل التواصل الاجتماعي؟

في عالمنا اليوم، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الكثيرين منا. يمكن لهذه المنصات أن تكون مصدرًا للمعرفة والتواصل والفرص، ولكن إذا لم تُستخدم بوعي وحذر، يمكن أن تلحق الضرر بصحتنا الروحية والأخلاقية وحتى الجسدية. على الرغم من أن القرآن الكريم لم يشر مباشرة إلى «وسائل التواصل الاجتماعي» في زمن نزوله، إلا أنه يقدم مبادئ وتوجيهات خالدة يمكن أن تساعدنا على البقاء أفرادًا أصحاء ومسؤولين وأخلاقيين في هذه الفضاءات الرقمية. هذه المبادئ قابلة للتطبيق بالكامل ليس فقط على التفاعلات وجهًا لوجه، بل أيضًا على الاتصالات الافتراضية، وتقدم إرشادًا واضحًا للحفاظ على صحتنا الروحية والنفسية. أحد أهم المبادئ القرآنية التي تكتسب أهمية كبيرة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هو «الصدق والتحقق من الأخبار». يقول القرآن صراحة في سورة الحجرات، الآية 6: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ». هذه الآية تمثل تحذيرًا جادًا لعصر المعلومات. في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر الأخبار في أجزاء من الثانية ويصعب تمييز الصدق من الكذب، يأمرنا هذا المبدأ القرآني بعدم نشر أي خبر دون تحقيق وتدقيق. إن نشر الأخبار الكاذبة أو الشائعات أو المعلومات غير الدقيقة لا يضر بمصداقيتنا فحسب، بل يمكن أن يضر بسمعة الأفراد وكرامتهم، ويسبب الفرقة، بل ويهدد أمن المجتمع. إن الحفاظ على الصحة في الفضاء الرقمي يعني إنشاء مرشح قوي للمعلومات الواردة والصادرة؛ قبل الإعجاب أو التعليق أو إعادة نشر أي محتوى، يجب علينا التأكد من صحته ودقته. هذا النهج الواعي يحمي سلامنا النفسي بتقليل التعرض للمعلومات المضللة وما يصاحبها من قلق وتوتر. مبدأ آخر حيوي هو «حفظ اللسان والتحكم في الكلام». في العالم الرقمي، لساننا هو «كلماتنا» و«كتاباتنا». يقول القرآن في سورة ق، الآية 18: «مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ». تذكرنا هذه الآية بأن كل كلمة نكتبها أو نقولها مسجلة، ونحن مسؤولون عنها. في وسائل التواصل الاجتماعي، تتضاعف هذه المسؤولية لأن جملة واحدة يمكن أن تؤثر بسرعة على ملايين الأشخاص. يجب علينا الامتناع بشدة عن الإهانات، السخرية (كما هو محظور في سورة الحجرات، الآية 11: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»)، الألفاظ البذيئة، الافتراء، ونشر الأكاذيب. يجب أن تكون لهجتنا في التعليقات والرسائل محترمة وبناءة. بدلاً من الجدال والمناقشات العقيمة، يجب أن نسعى لنشر المعرفة المفيدة والكلمة الطيبة. المشاركة في حوار صحي، حتى عند الاختلاف، أمر بالغ الأهمية لتعزيز بيئة من الاحترام والتفاهم المتبادل، مما يساهم في صحة الفرد العقلية والعاطفية من خلال تجنب التفاعلات السامة وشعور الذنب الناتج عن إلحاق الضرر بالآخرين. «تجنب التجسس والغيبة» هو أيضًا مبدأ أساسي. سورة الحجرات، الآية 12 تقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ». تحذرنا هذه الآية من سوء الظن، والتجسس في أمور الآخرين، والغيبة. في وسائل التواصل الاجتماعي، إغراء التجسس على حياة الآخرين من خلال ملفاتهم الشخصية أو متابعة أخبارهم الشخصية كبير جدًا. كما تحدث الغيبة بسهولة عبر مجموعات الدردشة أو التعليقات. لحماية صحتنا النفسية وصحة الآخرين، يجب علينا الامتناع عن هذه الأفعال. كما أن استهلاك المحتوى الذي هو في الأساس غيبة أو تجسس على حياة الآخرين الخاصة (مثل شائعات المشاهير أو الأخبار الخاصة للأفراد) ضار ويجب تجنبه. التركيز على النمو الشخصي والمحتوى المفيد، بدلاً من إضاعة الوقت والطاقة في الفضول غير المجدي، يساعدنا على الحفاظ على روح أكثر صحة وتجنب المقارنات الضارة والحسد الذي غالبًا ما ينشأ عن الانخراط المفرط في الحياة الرقمية المنظمة للآخرين. مبدأ «الحياء وغض البصر» له أيضًا تطبيق واسع في الفضاء الرقمي. يوجه القرآن في سورة النور، الآية 30 الرجال والآية 31 النساء، بضرورة غض البصر وحفظ العفة. في العالم الرقمي، يعني هذا المبدأ تجنب مشاهدة أو نشر محتوى غير لائق، بذيء أو مثير للشهوة. كما يشمل الحفاظ على خصوصيتنا وعدم ارتداء ملابس غير لائقة في الفيديوهات أو الصور التي نشاركها. الغرض من هذا المبدأ هو الحفاظ على طهارة القلب والعقل ومنع إثارة الشهوات والفساد، الذي يمكن أن يلحق ضررًا جسيمًا بالصحة النفسية والأخلاقية. عندما يتم مراعاة الحياء في وسائل التواصل الاجتماعي، يتم توفير مساحة عامة أكثر أمانًا وصحة للجميع، ويتم حماية الأفراد من المقارنات الضارة والحسد الناتج عن التصويرات الزائفة للحياة عبر الإنترنت. هذا النهج الواعي يعزز احترام الذات ويشجع على التفاعلات الأصيلة بدلاً من العروض السطحية. أخيرًا، يعتبر «الاعتدال وإدارة الوقت» أيضًا من المبادئ الهامة المستنبطة من الروح العامة للتعاليم الإسلامية. الإسلام دين الوسطية والبعد عن الإفراط والتفريط. الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى الإدمان، قلة النوم، ضعف التركيز، العزلة الاجتماعية في العالم الحقيقي، وحتى مشاكل جسدية. للحفاظ على الصحة في هذا الفضاء، يجب تخصيص وقت محدد لاستخدامها وإعطاء الأولوية لواجبات الحياة الأساسية مثل الصلاة، الأسرة، العمل، والراحة. تحديد الأهداف لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، لتعلم مهارة جديدة، أو التواصل مع الأصدقاء الحقيقيين، أو نشر الخير، يساعدنا على استخدام هذه الأداة بشكل بناء ومفيد. بالالتزام بهذه المبادئ القرآنية، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تتحول إلى أداة قوية للنمو والتواصل والخير، بدلاً من أن تكون مصدرًا للضرر والتدهور. إنها مساحة يمكن أن ترفعنا أو تقلل من شأننا، والتزامنا بالتوجيه الإلهي يحدد المسار الذي نسلكه.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في أيام سعدي، عاش في شيراز شابٌ متحمس ومفعم بالحيوية، وكان معروفًا بلسانه الحاد والسريع. كان يكرر كل خبر يسمعه في السوق بسرعة، غالبًا دون التحقق من صحته. في أحد الأيام، نشر شائعة كاذبة عن تاجر محترم، وتسببت هذه الشائعة في مشكلة كبيرة للتاجر، وكادت أن تدمر تجارته. عندما أدرك الشاب الضرر الذي أحدثه، ندم ندمًا شديدًا. ذهب إلى رجل حكيم كبير في السن، وبحالة من الخجل، روى له ما حدث. استمع الرجل الحكيم بصبر ثم قال بلطف: «يا بني، لسانك كالسيف الحاد؛ يمكن أن يبني جسرًا من الصداقة أو يقطعه في لحظة. كما أنك لا تستخدم السيف بتهور، يجب ألا تستخدم لسانك دون تفكير. قبل أن تتكلم، اسأل نفسك: هل هذا القول صحيح؟ هل هو لطيف؟ هل هو ضروري؟ هل هو مفيد؟» أخذ الشاب هذه الكلمات إلى قلبه. ومنذ ذلك اليوم فصاعدًا، لم يعرف بلسانه الحاد، بل بصمته المتأمل وحكمة كلماته الموزونة. لقد تعلم أن القوة الحقيقية لا تكمن في قول كل ما تعرفه، بل في معرفة متى تتكلم وماذا تقول. في سوقنا الرقمي الصاخب اليوم، حيث تطير الكلمات أسرع من أي وقت مضى، تظل هذه الحكمة الخالدة درعنا ودليلنا.

الأسئلة ذات الصلة