كيف أعتني بلساني؟

تتضمن العناية باللسان في القرآن الكريم تجنب الغيبة والكذب والسخرية، واستخدامه بدلًا من ذلك في القول الحسن والحقيقة وذكر الله، ليجلب السكينة والبركة.

إجابة القرآن

كيف أعتني بلساني؟

اللسان، هذا العضو الصغير ولكنه ذو القوة العظمى، هو أحد أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكون هذا اللسان نفسه من أخطر الأدوات؛ فقوته لا تقتصر على التعبير عن الأفكار والمشاعر فحسب، بل يلعب دورًا حيويًا في تشكيل العلاقات الإنسانية، وبنية المجتمع، بل وتحديد مصير الفرد في الآخرة. لقد ذكر القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا أهمية التحكم في اللسان وتوجيهه، وقدم إرشادات شاملة لـ "العناية باللسان". لا تعني هذه العناية مجرد الامتناع عن الكلام الباطل والمدمر، بل تشمل أيضًا استخدام اللسان بفاعلية وهدف في سبيل الخير، والصلاح، والحقيقة، والبناء، ليتحول بذلك إلى وسيلة للتقرب من الله وخدمة الخلق. هذه التعاليم هي بمثابة إرشادات للعيش في انسجام مع الإرادة الإلهية وبناء مجتمع قائم على الرحمة والعدل. من أهم الجوانب التي شدد عليها القرآن الكريم في سياق العناية باللسان، هو الامتناع المطلق عن الأقوال المؤذية والمدمرة. في سورة الحجرات، الآية 12، يحذر الله تعالى المؤمنين بشدة من الغيبة والتجسس وسوء الظن، ببيان مؤثر للغاية وتصوير صادم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ". تشبه هذه الآية الغيبة بأكل لحم الأخ الميت، وهو ما يمثل أقصى درجات الكراهية والبشاعة. يوضح هذا التشبيه القوي بوضوح كيف تدمر الغيبة الكرامة الإنسانية والاحترام المتبادل، وتضعف روح الثقة والتعاطف في المجتمع. العناية باللسان في هذا البعد تعني الوعي التام بالتأثير المدمر للكلمات والابتعاد عن أي كلام يمس بسمعة الآخرين أو كرامتهم أو حتى راحتهم النفسية. يشمل ذلك جميع أشكال الكلام السلبي، والافتراء، والبهتان، ونشر الشائعات، مما يضعف أساس العلاقات الإنسانية ويزرع بذور الكراهية والعداوة. إن الامتناع عن هذه الرذائل الكلامية هو حجر الزاوية في بناء مجتمع سليم ومؤمن. بالإضافة إلى الغيبة، يحذر القرآن بشدة من الكذب وشهادة الزور. في سورة الحج، الآية 30، يقول تعالى: "...فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ". "قول الزور" (الكلام الكاذب)، لا يشمل الأكاذيب الواضحة والصريحة فحسب، بل يشمل أيضًا أي كلام يحرف الحقيقة، أو يستخدم بقصد الغش أو الإضرار، أو يؤدي إلى التضليل. يجب أن يكون اللسان أداة لقول الحقيقة، وليس وسيلة لإخفائها أو اختلاق حقائق زائفة. إن التزام الصدق في القول هو من أسس الإيمان والأخلاق القرآنية التي تعزز المجتمع وتقوي الثقة المتبادلة. إن المجتمع القائم على الصدق يمتلك قدرة أكبر على النمو والتقدم. جانب آخر من العناية باللسان هو الامتناع عن السخرية والطعن والألقاب البذيئة. في تتمة سورة الحجرات، الآية 11، نقرأ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ". تؤكد هذه الآيات أن كل إنسان، بغض النظر عن شكله، أو وضعه الاجتماعي، أو خصائصه الفردية، يمتلك كرامة إلهية، ولا يحق لأحد أن يجرح هذه الكرامة بكلماته. يجب ألا يتحول اللسان إلى أداة لتحقير الآخرين، أو التقليل من شأنهم، أو إيذائهم. احترام شخصية الأفراد، حتى في طريقة مخاطبتهم أو تسميتهم، هو من المبادئ الأساسية للأخلاق القرآنية وعلامة على نضج الإيمان. بالإضافة إلى الامتناع عن الكلام السلبي والمدمر، يؤكد القرآن على الأهمية الفعالة لاستخدام اللسان في القول الحسن والإيجابي. قد يكون هذا الجانب من العناية باللسان أكثر أهمية من مجرد الامتناع؛ لأنه يساهم بفاعلية في بناء بيئة صحية وإنسانية أفضل. في سورة الإسراء، الآية 53، جاء: "وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا". تأمر هذه الآية باختيار أفضل الكلمات، حتى في حالات الخلاف أو سوء الفهم، حتى لا يتمكن الشيطان من إثارة الفتنة بتأجيج الغضب والعداوة. اختيار "أفضل" الكلمات لا يشمل فقط اختيار الكلمات المحترمة والمهذبة، بل يعني أيضًا اختيار النبرة، والوقت، والمكان المناسبين للكلام. إن الكلام الطيب كالماء الذي يروي القلوب، وينبت براعم الألفة والمحبة ويمنع تجذر الأحقاد. كما أمر الله تعالى في سورة البقرة، الآية 83: "...وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا". هذا الأمر مبدأ عام وشامل ينطبق على جميع تفاعلاتنا الكلامية مع الآخرين. "قول حسن" يعني الكلام الجميل، اللطيف، المنطقي، والخالي من أي إيذاء أو لسع. يشمل هذا المبدأ الكلام اللين مع الوالدين (الإسراء 23: "...وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا...")، وحتى الكلام اللين مع المتجبرين والمعتدين (طه 44: "فَقُولَا لَهُ [فرعون] قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ"). يجب أن يكون لساننا سفيرًا للطف، والفهم، والسلام، والتفاهم المتبادل، وليس وسيلة لإقامة الجدران، وخلق المسافات، وتصعيد النزاعات. من المظاهر الهامة الأخرى للعناية باللسان استخدامه في ذكر الله. يدعو القرآن المؤمنين إلى "الذكر الكثير": "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" (الأحزاب 41-42). إن ذكر الله، وتلاوة القرآن، والتعبير عن الحق، لا يطهر اللسان من الشوائب والزلات فحسب، بل يصقل القلب والروح أيضًا، ويحولهما إلى مصدر نور، وبركة، وسكينة. إن اللسان المشغول بذكر الله أقل عرضة للانزلاق في الأخطاء والخطايا الكلامية؛ لأن الارتباط المستمر بالخالق يؤدي إلى يقظة أكبر وتحكم ذاتي أعمق. هذا العمل يجعل اللسان وسيلة للتقرب من الخالق، وزيادة الوعي الروحي، وتثبيت التوحيد في القلب. ختامًا، إن العناية باللسان ليست مجرد توصية أخلاقية، بل هي واجب ديني وجهاد داخلي له آثار عميقة على الفرد والمجتمع. إن اللسان الذي يُحفظ من الآفات وينطق بالخير والحقيقة، هو علامة على الإيمان الصادق، والبصيرة الفردية، والتقوى الإلهية. ولتحقيق ذلك، يجب على الإنسان أن يكون حريصًا دائمًا على كلماته، وأن يتأمل ويتدبر قبل النطق، وأن يستعين بالله تعالى لتوجيه لسانه. هذا مسار مستمر يتطلب المثابرة والممارسة. من خلال ممارسة التحكم في اللسان، يمكن تجنب العديد من المشاكل، والندم، والأضرار في العلاقات، وتمهيد الطريق للسلام، والمحبة، والتفاهم المتبادل. اللسان أداة قوية للبناء؛ لذلك يجب أن نستخدمه بأفضل طريقة ممكنة لبناء صرح السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة. لقد تم تذكيرنا بهذه المسؤولية الكبيرة مرارًا وتكرارًا في كلام الله، لكي ينظر المسلمون دائمًا إلى هذا العضو الحيوي والمؤثر في وجودهم بعناية ودقة، ويضعوه تحت سيطرة عقولهم وإيمانهم.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في يوم من الأيام، جاء رجل غاضب إلى قاضي المدينة، شاكيًا أن جاره قد أزعج سلامه بكلمات قاسية ولاذعة. نظر إليه القاضي بهدوء وقال: "يا رجل الخير، اللسان كالسيف المخفي في غمد الكلام؛ إن لم يُستخدم بحكمة، فإنه يجرح القلب جرحًا أعمق من أي سيف. قل خيرًا تر خيرًا، وإن لم تحافظ على لسانك من الشر، فكيف تتوقع الخير من هذا العالم؟" أخذ الرجل نصيحة القاضي على محمل الجد وعزم من ذلك الحين على كبح جماح لسانه، فلا ينطق إلا بالكلمات الطيبة. ولم يمض وقت طويل حتى عاد الهدوء إلى قلبه، وازدهرت علاقاته مع الآخرين من جديد.

الأسئلة ذات الصلة