قد يبدو مسامحة الآخرين صعبًا، لكن يمكن أن تؤدي إلى الهدوء العقلي والعاطفي.
المسامحة هي قيمة عظيمة ولها مكانة مرتفعة في تعاليم الإسلام والآداب الإنسانية. إن الله سبحانه وتعالى، في كتابه العزيز، يوجه المسلمين نحو تعزيز هذه القيمة في قلوبهم وسلوكياتهم. وتعد المسامحة من الأمور الأساسية التي تساعد الإنسان في بناء حياة مليئة بالهدوء والسلام الداخلي، حيث تساهم في تحرير الفرد من المشاعر السلبية والمنازعات التي قد تنشأ في جميع المواقف الحياتية. في ظل عالم مليء بالصراعات والتوترات، تصبح المسامحة حاجة ملحة لبناء مجتمعات صحية وفعالة. إن الإسلام يحض أتباعه على تطبيق سلوكيات المسامحة كجزء من حياتهم اليومية، وذلك لتعزيز العلاقات الإنسانية وتحسين الروابط الاجتماعية. فبتطبيق هذه القيمة النبيلة، يمكن أن تتجلى الروح الإنسانية الخيرة التي تسعى لتحقيق السلم الاجتماعي والمحبة بين الأفراد. إن إدراكنا لأهمية المسامحة يأتي من خلال النصوص القرآنية التي تتحدث عن هذه القيمة. فالقرآن الكريم يحث المؤمنين على تبني هذه السلوكيات النبيلة، ويعتبر العفو عن الزلات والأساءات جزءًا من الإيمان والتقوى. في سورة آل عمران، الآية 134، نجد تأكيدًا واضحًا على ذاك المفهوم حيث يقول الله تعالى: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". في هذه الآية، يظهر الرابط القوي بين التضحيات التي يقدمها المؤمنون وبين الأسلوب الراقي في التعامل مع الآخرين من خلال الكظم والعفو. علاوة على ذلك، نجد آية أخرى في سورة النور، الآية 22، التي تقول: "وَلْيَعْفُو وَلْيَصْفَحُوا ۚ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". تعبر هذه الآية عن دعوة ملحة لممارسة المسامحة وتحبب في العفو عن الآخرين. وهي تشير بوضوح إلى أن الغفران من الله تعالى يتطلب من العباد أن يمارسوا المسامحة فيما بينهم. في بيئة الحياة اليومية، قد يتعرض الإنسان لمواقف صعبة تتسبب في إثارة المشاعر السلبية وتطور الضغينة في القلوب. ومع ذلك، فإن صعوبة المسامحة تأتي مع الفوائد العظيمة. إذ يمكن أن تشكل المسامحة آلية لشحن الروح وتصفية المشاعر السلبية، مما يعيد للشخص الهدوء والسكينة النفسية. فعندما نختار المسامحة، نحن نأخذ خطوة إلى الأمام نحو التحرر من قيود الضغائن، مما يفتح المجال لمزيد من الإيجابية في حياتنا. كما أظهرت الأبحاث في علم النفس أن فوائد المسامحة ليست محصورة فقط في الأشخاص الذين يتم مسامحتهم، بل تعود أيضًا بالنفع على المُسامح نفسه. من خلال العفو، يمكن تقليل التوتر وتعزيز السلام النفسي وبناء علاقات أفضل. اختيارنا لأن نغفر يعدّ استثمارًا في صحتنا العقلية والنفسية، فهو يجلب لنا الراحة والسعادة. ولعل هذا ما جعل المسامحة قيمة تروّج لها العديد من الثقافات والأديان الإنسانية. الأثر الإيجابي لمبدأ المسامحة يمتد ليس فقط على الأفراد، بل يؤثر أيضًا على الديناميكيات الأسرية والمجتمعية. إذ أن تعزيز ثقافة المسامحة في المجتمع تُعزز من التفاهم والمحبة بين الأفراد، وبالتالي تساهم في تحقيق التماسك الاجتماعي. فالمجتمعات التي تبني علاقاتها على المسامحة تكون قادرة على النمو والازدهار. إن تعزيز قيم المسامحة يساهم في الالتقاء بين القلوب وكسر الحواجز. ختامًا، يجب علينا أن نعتبر المسامحة قيمة أساسية تُسهم في تعزيز المشاعر الإيجابية وتقليل مشاعر التوتر والقلق. كمسلمين، يتوجب علينا أن نعيش بروح التسامح، وأن نجعل هذه القيمة جزءًا لا يتجزأ من سلوكنا اليومي. المسامحة ليست مجرد تصرف جيد، بل هي ضرورة إنسانية ووسيلة لتحقيق السلام والأمان الداخلي. خلال توصيات الرسول صلى الله عليه وسلم، نجد تحفيزًا مستمرًا للمسلمين ليعيشوا حياة تسامحية وقلب مليء بالخير. ومن أبرز هذه التوصيات، قوله: "من لا يُظهر الرحمة للناس، لا يُظهر الله له الرحمة". لذا، يدعونا الإسلام للعمل على بناء مجتمعات قائمة على المحبة والعفو والتسامح. من خلال فهم تعاليم الإسلام، يصبح بمقدورنا نشر ثقافة المسامحة وتعزيز الروابط الإنسانية. لذا، ينبغي لنا جميعًا أن نجعل المسامحة خيارًا سلوكيًا واجتماعيًا في حياتنا، حيث تساهم في تعزيز قيم الإنسانية والسلام، و تُرسي أسس المجتمعات القوية والمحبة. إن تأثير المسامحة يمتد عبر الأزمنة والأمكنة، ليصبح هدية نُقدمها لأنفسنا وللجميع، فالعالم يحتاج إلى مزيد من المغفرة وضوء الأمل. في الختام، لنجعل المسامحة ركيزة أساسية في تعاملاتنا اليومية، ولنستقبل الآخرين بابتسامة، ولنتذكر دائمًا أن العفو هو أساس العلاقات الجيدة والمجتمعات المتلاحمة.
كان هناك رجل يدعى حسن قد آذى طفلًا من صديقه. في البداية، كان غاضبًا ويفكر في الانتقام. لكن بعد أن سمع قولًا من عالم، تذكر الآيات القرآنية التي تؤكد على المسامحة. قرر حسن أن يترك ضغينته ويفتح قلبه للمسامحة. تحدث إلى صديقه، وبعد ذلك، لم تُستعاد صداقتهما فحسب، بل شعر حسن أيضًا بشعور أكبر من السعادة والسلام.